بعد فترة من تبادل التهديدات والرسائل حادة اللهجة بين الولايات المتحدة وإيران، وصلت حد الحديث عن "أم المعارك"، لتدل على أن البلدين باتا على شفير حرب، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجميع بإعلان استعداده للقاء القادة الإيرانيين بلا شروط مسبقة، في تطور قد يدفع البلدين إلى مرحلة تهدئة، على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال ماضية بمشروع إعادة العقوبات على إيران والضغط الاقتصادي والسياسي على النظام الحاكم، وما يقابل ذلك من تلويح المسؤولين الإيرانيين بأوراق قوة في يدهم، أبرزها مضيق هرمز، وفي ظل تشديد على رفض التفاوض تحت الضغوط.
رد المسؤولين الإيرانيين على مقترح ترامب للحوار جاء بلهجة هادئة، مع طرحهم شروطاً لذلك، أبرزها العودة للاتفاق النووي، وضرورة بناء جسور الثقة قبل التفاوض، في ما يبدو محاولة لتبرير الحوار أمام الشعب الإيراني والمتشددين في هذا الملف. وبينما لا يزال من المبكر الحديث عن خطوات فعلية لحوار كهذا، تبرز تحركات الوسيط العُماني، الذي يتدخّل كلما ترتفع وتيرة الأزمات مع أميركا، فوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي كان في واشنطن والتقى نظيره الأميركي مايك بومبيو، مؤكداً أن على الولايات المتحدة وإيران إيجاد فرص لتلافي الدخول في صراع، سيصل طهران خلال أيام وجيزة، مع العلم أن مسقط أدت دوراً أساسياً في التحضير للاتفاق النووي عام 2015 عندما استضافت لقاءات تمهيدية بين الأطراف المعنية به. ولفت في هذا الإطار، ما نقله موقع "انتخاب" الإيراني أمس عن عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، ناطق نوري، بأن زيارة بن علوي إلى طهران في الأيام المقبلة قد تكون بهدف طرح مبادرة وساطة.
العودة إلى مسار التهدئة بدأت بإعلان مفاجئ لترامب خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي في واشنطن الإثنين، إذ قال "سأجتمع بالتأكيد مع (المسؤولين في) إيران إذا أرادوا الاجتماع. لا أعلم إن كانوا مستعدين بعد. أعتقد أنهم سيرغبون في الاجتماع على الأرجح في نهاية المطاف، وأنا مستعد للقاء في أي وقت يرغبون فيه". وأضاف ترامب أنه ليس لديه "أي شروط مسبقة" للاجتماع مع الإيرانيين.
هذا التصريح كان له صداه الواسع في الساحة الإيرانية، فردت طهران على مقترح الدخول بحوار بحديثها عن شروط عدة لقبول ذلك، مع استخدام لهجة أكثر هدوءاً هذه المرة، فبعد التهديد الإيراني بـ"عدم اللعب بذيل الأسد" والتحذير الأميركي في المقابل من تبعات التهديد، لا تزال طهران تبدي عدم ثقتها بالولايات المتحدة التي انسحبت في مايو/أيار الماضي من الاتفاق النووي، والذي سبقته جولات مفاوضات ثنائية كسرت جمود العلاقات بين البلدين.
ويتحفظ غالبية المسؤولين في الداخل الإيراني على اختلاف انتماءاتهم على مسألة الحوار مع الولايات المتحدة حالياً لأسباب ترتبط بالعداء وغياب الثقة، لكنهم مع ذلك يحاولون اليوم تحقيق توازن في التصريحات، على الرغم من تناقض الكثير منها. فالرئيس الإيراني حسن روحاني الذي لوّح بورقة إغلاق مضيق هرمز بعد أن أعلنت واشنطن عن نيّتها تصفير عداد صادرات النفط الإيرانية، قال أمس الثلاثاء إن بلاده لا تسعى لإحداث توتر في المنطقة أو عرقلة تدفق النفط، إلا أنها لن تتخلى عن حقها في تصديره. واعتبر خلال لقاء مع عدد من السفراء الأجانب في طهران، أن قرارات الإدارة الأميركية عابرة، داعياً لتبديل الضغوط المفروضة على بلاده إلى فرص.
وبعدما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في مؤتمر صحافي الإثنين سبق تصريحات ترامب الجديدة بساعات، إنه لا يمكن فتح حوار مع الولايات المتحدة، رد المدير السياسي لمكتب الرئيس الإيراني، حميد أبو طالبي، عليها بما يوضح النظرة الإيرانية الراهنة للعرض الأميركي، بالقول إن على من يدعو للحوار ويؤمن بأنه وسيلة لحل الخلافات أن يلتزم بأدواته الحقيقية. ووضع أبو طالبي شروطاً أمام الولايات المتحدة، أولها المطالبة باحترام الإيرانيين، وهو الذي يعني وقف توجيه أصابع الاتهام لطهران ولومها على كل ملف، وثانيها وقف العداء، والذي قد يتحقق بتعليق سياسات الضغط الاقتصادي وفرض الحظر والعقوبات، وثالثها وهو الأهم العودة للاتفاق النووي.
اقــرأ أيضاً
أما رئيس لجنة الأمن القومي، حشمت الله فلاحت بيشه، الذي تسلّم هذا المنصب منذ فترة وجيزة، وهو من يطلق تصريحات جدلية على شاكلة انتقاده لدور روسيا في سورية والتشكيك في استغلالها لبلاده، فردّ على عرض ترامب بتصريحات لافتة للغاية، معتبراً صراحة أنه "لا ينبغي أن يتحوّل الحوار مع أميركا إلى أمر محظور ومحرّم"، مؤكداً عدم وجود أي توجّه استراتيجي لدى الطرفين لخوض حرب. واقترح إيجاد خط اتصال أحمر بين الطرفين يمنع تصاعد الأزمة من قبل اللاعبين المؤثرين في أسوأ الحالات. ونقلت عنه وكالة "إيسنا" أن عامل غياب الثقة زاد من صعوبة وصل القنوات الدبلوماسية، إلى جانب وجود عراقيل تضعها أطراف ثالثة وصفها بالرجعية والصهيونية وهي التي تستغل العداء الإيراني الأميركي لصالحها، منوهاً إلى "أهمية الدور الإيراني في حفظ أمن المنطقة، فإذا ظلت أميركا تتغاضى عنه وأصرت على التصعيد فهذا سينعكس على أمن الشرق الأوسط"، في إشارة منه لما سيحصل في حال وقعت المواجهة التي لا يريدها الطرفان على ما يبدو.
وكالة "تسنيم" المحسوبة على الخط المحافظ المتشدد، نقلت عن المسؤول نفسه بعدها تصريحات مفادها أن الأرضية غير جاهزة للحوار مع أميركا وأن بلاده لا تحرّم الحوار إذا ما كان يحقق مصالحها القومية، مشيراً إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتي أعقبت عرض ترامب مباشرة وحملت عدة شروط، وهو ما يعني أن واشنطن تريد جر الآخرين لطاولة الحوار وهذا ما زال غير متاح بالنسبة لإيران. وقال إن عدم الثقة الذي زاد مع خروج أميركا من الاتفاق النووي أدى لعدم تعامل طهران مع العرض بجدية سواء كان بشروط أو من دونها.
في المقابل، برزت تصريحات إيرانية أخرى متشددة، فوزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي قال إن "الولايات المتحدة ليست أهلاً للثقة. كيف يمكننا أن نثق في هذا البلد بعد أن انسحب بشكل أحادي من الاتفاق النووي؟"، كما نقلت عنه وكالة "فارس". كما أن نائب رئيس البرلمان علي مطهري قال إنه "لو لم ينسحب ترامب من الاتفاق النووي ويفرض عقوبات على إيران لما كانت هناك أي مشكلة في المفاوضات مع أميركا"، مضيفاً أن "التفاوض مع الأميركيين سيكون إذلالاً الآن".
هذه التصريحات أظهرت اختلاف المسؤولين الإيرانيين في درجات ومستويات الرد على العرض الأميركي، وذلك يعتمد على مؤسسة صنع القرار والتيار الذي ينتمون إليه، لكنهم يتفقون على مسألة ضرورة بناء جسر الثقة والعودة للاتفاق النووي، فمن دون ذلك لا يمكن تبرير الحوار لا لأنفسهم ولا أمام المتشددين في هذا الملف بالذات. وذكر نواب كثر من لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية أن الحوار مع أميركا يستلزم بالفعل ترميم مسألة الثقة ومن ثم الدخول في مباحثات وهذا يتحقق من خلال الكف عن محاولة زعزعة الداخل وإيجاد شرخ بين الشارع والسلطة، كما قالوا.
إضافة إلى ذلك، فإن توقيت طرح العرض الأميركي، الذي قد تتغير تفاصيله لاحقاً، هام للغاية، فترامب الذي لا تتعامل معه طهران بجدية في العلن حتى الآن، عرض الحوار غير المشروط بالتزامن مع ارتفاع مستوى الضغوط الاقتصادية على البلاد، وانهيار العملة المحلية مقابل الدولار بشكل يومي، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع وضغط معيشي كبير، وكل ذلك فيما العقوبات الأميركية على طهران لم تدخل حيز التنفيذ العملي بعد، ومن المفترض أن تُطبق مجدداً في أغسطس/آب الحالي ونوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ورأى الصحافي والمحلل السياسي صابر غلعنبري، أن توقيت اقتراح ترامب يتزامن مع الضغط الاقتصادي بالفعل، "فترامب يراهن على تراجع طهران بسبب ما تتعرض له، لكن العقلية الإيرانية لا ترضخ للتفاوض من هذه البوابة، ولعلها ستقبل به إن تم إغلاقها"، معتبراً أنه في حال كان ترامب مدركاً لذلك فهذا يعني أنه يحاول رفع المسؤولية عن نفسه أمام الأوروبيين لإحراج إيران التي تعوّل على هؤلاء لإنقاذ الاتفاق النووي ولحصد المكتسبات الاقتصادية.
وأكد غلعنبري لـ"العربي الجديد" أن إيران لا تتفاوض تحت هذا النوع من الضغوط ولا بالتزامن مع استمرار الحرب الاقتصادية ضدها، معتبراً أن ما وضعته طهران من شروط يمكن وصفه بالطلبات وحسب، نافياً أن يكون عرض ترامب خالياً من أي شروط، "فما يريده من إيران كثير، وفي المقابل فإن طهران تريد تهيئة أرضية مناسبة إن اختارت طريق الحوار، وهذا يستدعي وقف الضغط الاقتصادي والعودة للاتفاق النووي". وعما إذا كانت إيران قد تدخل عملياً في حوار مباشر مع أميركا أو أنها مستعدة لتقديم تنازلات في هذه المرحلة، رأى غلعنبري أن "ذلك غير مستبعد، فالاتفاق النووي ولد بعد مفاوضات مباشرة إيرانية أميركية، لكنها هذه المرة لن تكون سهلة ويجب أن تكون مسبوقة بخطوات عدة".
ورفض غلعنبري مقاربة هذا التطور مع تجربة كوريا الشمالية، معتبراً أن "الأمر مختلف مع طهران وذلك مرتبط بتعدد ملفاتها العالقة مع واشنطن، فهذه الملفات تتنوع بين النووية والصاروخية والإقليمية، وتوجد محددات تؤثر عليها مثل العلاقات مع إسرائيل أو موقف خصوم إيران في المنطقة، لذا فتكرار التجربة قد يحتاج إلى أكثر مما حصل مع بيونغ يانغ بغية تجهيز أرضية، وهذا لن يكون بالشيء اليسير".
وكما تحاول طهران تحقيق توازن سياسي، فهي على الضفة العسكرية تستخدم ذات الخطاب الرامي لرفع قوة الردع. وسبق صدور تصريحات روحاني التي تؤكد أن بلاده لا تريد إثارة مشكل ولا منع مرور النفط بساعات قليلة تصريحات أخرى على لسان قائد القوات البحرية حسين خانزادي، الذي قال إن إبقاء هرمز مفتوحاً مرتبط بتحقق مصالح طهران التي لا ترى أن واشنطن تؤثر على هذا القرار.
كل هذه التطورات تشي بأن المستقبل يخبئ الكثير للعلاقات الإيرانية الأميركية، التي يرى كثر في الوقت الراهن أنه في حال تحققت بعض الشروط ووُجدت الظروف المناسبة، فقد يجد الطرفان نفسيهما على طاولة حوار، ستضع لها طهران مبرراً مقنعاً وستتعامل معها من منطلق الندية والقوة كما حصل تماماً خلال المفاوضات النووية، وذلك يعتمد على سلوك الإدارة الأميركية وما ستقدمه لإيران التي لا تريد حرباً.
اقــرأ أيضاً
رد المسؤولين الإيرانيين على مقترح ترامب للحوار جاء بلهجة هادئة، مع طرحهم شروطاً لذلك، أبرزها العودة للاتفاق النووي، وضرورة بناء جسور الثقة قبل التفاوض، في ما يبدو محاولة لتبرير الحوار أمام الشعب الإيراني والمتشددين في هذا الملف. وبينما لا يزال من المبكر الحديث عن خطوات فعلية لحوار كهذا، تبرز تحركات الوسيط العُماني، الذي يتدخّل كلما ترتفع وتيرة الأزمات مع أميركا، فوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الذي كان في واشنطن والتقى نظيره الأميركي مايك بومبيو، مؤكداً أن على الولايات المتحدة وإيران إيجاد فرص لتلافي الدخول في صراع، سيصل طهران خلال أيام وجيزة، مع العلم أن مسقط أدت دوراً أساسياً في التحضير للاتفاق النووي عام 2015 عندما استضافت لقاءات تمهيدية بين الأطراف المعنية به. ولفت في هذا الإطار، ما نقله موقع "انتخاب" الإيراني أمس عن عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، ناطق نوري، بأن زيارة بن علوي إلى طهران في الأيام المقبلة قد تكون بهدف طرح مبادرة وساطة.
هذا التصريح كان له صداه الواسع في الساحة الإيرانية، فردت طهران على مقترح الدخول بحوار بحديثها عن شروط عدة لقبول ذلك، مع استخدام لهجة أكثر هدوءاً هذه المرة، فبعد التهديد الإيراني بـ"عدم اللعب بذيل الأسد" والتحذير الأميركي في المقابل من تبعات التهديد، لا تزال طهران تبدي عدم ثقتها بالولايات المتحدة التي انسحبت في مايو/أيار الماضي من الاتفاق النووي، والذي سبقته جولات مفاوضات ثنائية كسرت جمود العلاقات بين البلدين.
ويتحفظ غالبية المسؤولين في الداخل الإيراني على اختلاف انتماءاتهم على مسألة الحوار مع الولايات المتحدة حالياً لأسباب ترتبط بالعداء وغياب الثقة، لكنهم مع ذلك يحاولون اليوم تحقيق توازن في التصريحات، على الرغم من تناقض الكثير منها. فالرئيس الإيراني حسن روحاني الذي لوّح بورقة إغلاق مضيق هرمز بعد أن أعلنت واشنطن عن نيّتها تصفير عداد صادرات النفط الإيرانية، قال أمس الثلاثاء إن بلاده لا تسعى لإحداث توتر في المنطقة أو عرقلة تدفق النفط، إلا أنها لن تتخلى عن حقها في تصديره. واعتبر خلال لقاء مع عدد من السفراء الأجانب في طهران، أن قرارات الإدارة الأميركية عابرة، داعياً لتبديل الضغوط المفروضة على بلاده إلى فرص.
وبعدما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في مؤتمر صحافي الإثنين سبق تصريحات ترامب الجديدة بساعات، إنه لا يمكن فتح حوار مع الولايات المتحدة، رد المدير السياسي لمكتب الرئيس الإيراني، حميد أبو طالبي، عليها بما يوضح النظرة الإيرانية الراهنة للعرض الأميركي، بالقول إن على من يدعو للحوار ويؤمن بأنه وسيلة لحل الخلافات أن يلتزم بأدواته الحقيقية. ووضع أبو طالبي شروطاً أمام الولايات المتحدة، أولها المطالبة باحترام الإيرانيين، وهو الذي يعني وقف توجيه أصابع الاتهام لطهران ولومها على كل ملف، وثانيها وقف العداء، والذي قد يتحقق بتعليق سياسات الضغط الاقتصادي وفرض الحظر والعقوبات، وثالثها وهو الأهم العودة للاتفاق النووي.
أما رئيس لجنة الأمن القومي، حشمت الله فلاحت بيشه، الذي تسلّم هذا المنصب منذ فترة وجيزة، وهو من يطلق تصريحات جدلية على شاكلة انتقاده لدور روسيا في سورية والتشكيك في استغلالها لبلاده، فردّ على عرض ترامب بتصريحات لافتة للغاية، معتبراً صراحة أنه "لا ينبغي أن يتحوّل الحوار مع أميركا إلى أمر محظور ومحرّم"، مؤكداً عدم وجود أي توجّه استراتيجي لدى الطرفين لخوض حرب. واقترح إيجاد خط اتصال أحمر بين الطرفين يمنع تصاعد الأزمة من قبل اللاعبين المؤثرين في أسوأ الحالات. ونقلت عنه وكالة "إيسنا" أن عامل غياب الثقة زاد من صعوبة وصل القنوات الدبلوماسية، إلى جانب وجود عراقيل تضعها أطراف ثالثة وصفها بالرجعية والصهيونية وهي التي تستغل العداء الإيراني الأميركي لصالحها، منوهاً إلى "أهمية الدور الإيراني في حفظ أمن المنطقة، فإذا ظلت أميركا تتغاضى عنه وأصرت على التصعيد فهذا سينعكس على أمن الشرق الأوسط"، في إشارة منه لما سيحصل في حال وقعت المواجهة التي لا يريدها الطرفان على ما يبدو.
وكالة "تسنيم" المحسوبة على الخط المحافظ المتشدد، نقلت عن المسؤول نفسه بعدها تصريحات مفادها أن الأرضية غير جاهزة للحوار مع أميركا وأن بلاده لا تحرّم الحوار إذا ما كان يحقق مصالحها القومية، مشيراً إلى تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتي أعقبت عرض ترامب مباشرة وحملت عدة شروط، وهو ما يعني أن واشنطن تريد جر الآخرين لطاولة الحوار وهذا ما زال غير متاح بالنسبة لإيران. وقال إن عدم الثقة الذي زاد مع خروج أميركا من الاتفاق النووي أدى لعدم تعامل طهران مع العرض بجدية سواء كان بشروط أو من دونها.
هذه التصريحات أظهرت اختلاف المسؤولين الإيرانيين في درجات ومستويات الرد على العرض الأميركي، وذلك يعتمد على مؤسسة صنع القرار والتيار الذي ينتمون إليه، لكنهم يتفقون على مسألة ضرورة بناء جسر الثقة والعودة للاتفاق النووي، فمن دون ذلك لا يمكن تبرير الحوار لا لأنفسهم ولا أمام المتشددين في هذا الملف بالذات. وذكر نواب كثر من لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية أن الحوار مع أميركا يستلزم بالفعل ترميم مسألة الثقة ومن ثم الدخول في مباحثات وهذا يتحقق من خلال الكف عن محاولة زعزعة الداخل وإيجاد شرخ بين الشارع والسلطة، كما قالوا.
إضافة إلى ذلك، فإن توقيت طرح العرض الأميركي، الذي قد تتغير تفاصيله لاحقاً، هام للغاية، فترامب الذي لا تتعامل معه طهران بجدية في العلن حتى الآن، عرض الحوار غير المشروط بالتزامن مع ارتفاع مستوى الضغوط الاقتصادية على البلاد، وانهيار العملة المحلية مقابل الدولار بشكل يومي، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع وضغط معيشي كبير، وكل ذلك فيما العقوبات الأميركية على طهران لم تدخل حيز التنفيذ العملي بعد، ومن المفترض أن تُطبق مجدداً في أغسطس/آب الحالي ونوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ورأى الصحافي والمحلل السياسي صابر غلعنبري، أن توقيت اقتراح ترامب يتزامن مع الضغط الاقتصادي بالفعل، "فترامب يراهن على تراجع طهران بسبب ما تتعرض له، لكن العقلية الإيرانية لا ترضخ للتفاوض من هذه البوابة، ولعلها ستقبل به إن تم إغلاقها"، معتبراً أنه في حال كان ترامب مدركاً لذلك فهذا يعني أنه يحاول رفع المسؤولية عن نفسه أمام الأوروبيين لإحراج إيران التي تعوّل على هؤلاء لإنقاذ الاتفاق النووي ولحصد المكتسبات الاقتصادية.
ورفض غلعنبري مقاربة هذا التطور مع تجربة كوريا الشمالية، معتبراً أن "الأمر مختلف مع طهران وذلك مرتبط بتعدد ملفاتها العالقة مع واشنطن، فهذه الملفات تتنوع بين النووية والصاروخية والإقليمية، وتوجد محددات تؤثر عليها مثل العلاقات مع إسرائيل أو موقف خصوم إيران في المنطقة، لذا فتكرار التجربة قد يحتاج إلى أكثر مما حصل مع بيونغ يانغ بغية تجهيز أرضية، وهذا لن يكون بالشيء اليسير".
وكما تحاول طهران تحقيق توازن سياسي، فهي على الضفة العسكرية تستخدم ذات الخطاب الرامي لرفع قوة الردع. وسبق صدور تصريحات روحاني التي تؤكد أن بلاده لا تريد إثارة مشكل ولا منع مرور النفط بساعات قليلة تصريحات أخرى على لسان قائد القوات البحرية حسين خانزادي، الذي قال إن إبقاء هرمز مفتوحاً مرتبط بتحقق مصالح طهران التي لا ترى أن واشنطن تؤثر على هذا القرار.
كل هذه التطورات تشي بأن المستقبل يخبئ الكثير للعلاقات الإيرانية الأميركية، التي يرى كثر في الوقت الراهن أنه في حال تحققت بعض الشروط ووُجدت الظروف المناسبة، فقد يجد الطرفان نفسيهما على طاولة حوار، ستضع لها طهران مبرراً مقنعاً وستتعامل معها من منطلق الندية والقوة كما حصل تماماً خلال المفاوضات النووية، وذلك يعتمد على سلوك الإدارة الأميركية وما ستقدمه لإيران التي لا تريد حرباً.