لليوم الخامس على التوالي، تتواصل الأزمة السياسية التي أثرت بشكل واضح على الأمن في إقليم كردستان العراق، وسط اتهامات للتيار الكردي المقرب من إيران بالوقوف وراء الأزمة، التي وُصفت بأنها الأوسع منذ وقف الاقتتال الداخلي في الإقليم بين حزبي الاتحاد والحزب الديمقراطي منتصف تسعينات القرن الماضي برعاية الأمم المتحدة.
اقرأ أيضاً: نيران في كردستان... أزمة تجمع كل مشاكل الإقليم العراقي
واندلعت الأزمة الحالية في الإقليم إثر تظاهرات في بلدة قلعة دزة بمحافظة السليمانية، تنديداً بتأخر صرف المرتبات والبطالة، واتسعت لتشمل بلدات أخرى. وهاجم المتظاهرون مقرّات للحزب "الديمقراطي الكردستاني"، وقاموا بإحراقها وقتل وجرح عدد من حراس تلك المقرّات. كما قُتل وأصيب عدد من المتظاهرين المؤيدين لحركة "التغيير" بزعامة نشيروان مصطفى، أحد الشخصيات الكردية المعروفة بقربها من طهران.
سارع الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود البرزاني إلى توجيه الاتهام لحركة "التغيير"، وهي ثاني الأحزاب تمثيلاً في برلمان الإقليم، وقال إن هناك أدلة بحوزته تثبت أن قادة في الحركة المذكورة اندسوا وسط المحتجين ووجهوهم نحو المقرّات الحزبية وطلبوا منهم حرقها.
وقال مسؤول كردي بارز في أربيل لـ"العربي الجديد" إن "أدلة لدينا تؤكد تورط إيران بما يجري بكردستان بعد فشل محاولاتها في فرض وصايتها على الإقليم الكردي".
وأضاف المسؤول الكردي الذي طلب عدم نشر اسمه أن "إيران تحارب البرزاني بسبب موقفه من التواجد الغربي بالإقليم وبناء قواعد أميركية بالقرب من حدودها، وهذه الصفحة إيرانية بامتياز". وأكد أن "الوضع الحالي لا يخدم أحدا وأي توسيع في الأزمة يعني ربحا أكيدا لداعش وإيران"، على حد قوله.
وفي حديث خاص لـ"العربي الجديد"، قال المستشار الخاص برئيس إقليم كردستان العراق كفاح محمود، إن "ما يجري في الإقليم تقف خلفه جماعات غير منضبطة استغلت الأجواء الديمقراطية المتوفرة بالإقليم، وأحرقت واعتدت على مبان عامة وحزبية واستخدمت أسلوبا عنفيا، وهناك اتهامات جدية لحركة التغيير بزعامة نشيروان مصطفى بالوقوف وراء تلك العمليات".
وأضاف "إننا لم نسمع من رئيس البرلمان يوسف محمد، طيلة الأيام الماضية، وبعدما استشرت أعمال العنف، أي شجب أو استنكار. ومؤسف جدا أن يكون رئيس البرلمان الذي لم ينتخب إنما جرى تنصيبه باتفاق بين حزبه "التغيير" والحزب الديمقراطي رئيساً للبرلمان. ومع الأسف لم يكن رئيس البرلمان على قدر المسؤولية".
وألقى محمود اللوم على حركة التغيير في الأحداث، لكنه رفض الربط بينها وبين "أجندات خارجية". وأوضح أن "رئيس الإقليم يمارس عمله بشكل شرعي بناء على قرار اتخذه مجلس الشورى في الإقليم وهو أعلى مجلس معتبر بالإقليم وقرر أن يستمر بعمله". وخلص إلى القول إن "الأمور تحت السيطرة وكردستان بأياد أمينة والوضع الحالي لم يصل للخط الأحمر، وليس هناك خطورة على وضع الإقليم، والبلدات التي جرت فيها أعمال الشغب بلدات صغيرة، وليس هناك مؤشر للخطورة، وهذه الأزمة تنتهي في غضون أيام قليلة بكل تأكيد".
ومنعت سلطات الأمن في أربيل ظهر أمس الإثنين رئيس برلمان الإقليم يوسف محمد، من الدخول إلى المدينة لحضور جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة الوضع مع أعضاء آخرين ينتمون لحركة "التغيير"، وهو ما اعتبرته الأخيرة "انقلاباً على الشرعية ونسفاً للعملية السياسية".
وعقب منعه من دخول أربيل، عقد محمد مؤتمراً صحافياً في السليمانية، دعا فيه إلى التعامل بحكمة مع الأوضاع الراهنة، مشيراً إلى أن كردستان بحاجة الآن إلى الحوار أكثر من أي وقت مضى.
وشدّد على ضرورة حل الإشكالات الراهنة في إقليم كردستان، وفق مبدأ الحوار والتوافق وضرورة أن توحد كل الجهود من أجل إنجاح هذا الهدف. ودخلت على خط الأزمة الجماعة الإسلامية الكردستانية، والتي دعت هي الأخرى رؤساء وزعماء الأحزاب السياسية، إلى عقد مؤتمر قمة عاجل لحل الأزمة السياسية والأمنية التي يمرّ بها إقليم كردستان.
وقال زعيم الجماعة، علي بابير، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن "أعداء كردستان يتربصون ويستغلون أي أزمات وانشقاقات داخل البيت الكردي، ويجب عقد قمة عاجلة وفورية لتهدئة الأوضاع قبل خروجها عن السيطرة".
وما تزال سلطات الإقليم تفرض إجراءات مشدّدة في مناطق عدّة من السليمانية، في الوقت الذي أعلنت فيه عطلة رسمية في دوائر ومؤسسات الحكومة، بما فيها المدارس والجامعات في السليمانية وضواحيها.
وحول موقف المؤسسة العسكرية في إقليم كردستان ممثلة بقوات البيشمركة والأسايش، دعت وزارة البيشمركة المواطنين والأطراف السياسية إلى المطالبة بحقوقهم بالطرق القانونية والابتعاد عن تدمير المؤسسات العامة والمقرات الخاصة.
وقالت في بيان إن "ما يجري غير مقبول. يقاتل عناصر البيشمركة تنظيم (داعش) على حدّ الإقليم وهم غير مطمئنين على بيوتهم وأولادهم".
وفي بغداد، دعا رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، حكومة إقليم كردستان والقوى السياسية إلى "الحفاظ على الأمن والاستقرار واحترام التظاهر السلمي وعدم اللجوء إلى القوة". وقال المكتب الإعلامي للعبادي في بيان إن "رئيس مجلس الوزراء دعا حكومة إقليم كردستان وجميع القوى السياسية في الإقليم إلى بذل أقصى جهد من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار والتهدئة وحل المشاكل عبر الحوار والطرق الدستورية والقانونية وتجنب اللجوء إلى القوة".
وأعرب العبادي عن "بالغ أسفه لوقوع ضحايا وأعمال عنف في الإقليم خلال التظاهرات وبعدها". ودعا إلى "احترام حق التظاهر السلمي وحماية المتظاهرين وأمن المواطنين وممتلكاتهم والممتلكات العامة".
بدوره، دعا رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري جميع الأطراف الكردية إلى "تكثيف اللقاءات ودعم الحوار الداخلي وتغليب مصلحة الإقليم والعراق في هذا الظرف الصعب والحساس، خصوصاً أن الإقليم يقف على ثغر مهم في مواجهة (داعش) ممثلاً بقواته الشجاعة".
اقرأ أيضاً: استمرار الاضطرابات بكردستان العراق.. وإيران متهمة بالتدخل