16 نوفمبر 2024
إيران.. حدث المنطقة المقبل
تجمعت في الأيام الماضية مؤشرات عديدة عن احتمالية انزلاق إيران في أتون صراعات خارجية وداخلية، قد تجعلها حدث الشرق الأوسط الأهم، بعد أن ظلّت سنوات طويلة صانعة الأحداث وموجهتها الأساسية في هذه المنطقة، بما أنتجته من حروب وأزمات وعمليات تغيير طائفي على نطاق واسع.
تجهّز إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مناخاً إقليميا ودولياً لمحاصرة إيران وتخليع أنيابها، وعلى الرغم من انشغال واشنطن بالملف الكوري، والحديث عن مخاطر قد تصل إلى حد استخدام الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية وجنوب شرق آسيا، إلا أن واشنطن تبدو مطمئنة إلى وجود مخرج قريب للأزمة الكورية، ربما بضمانة الصين التي يبدو أنها على تنسيقٍ ما مع إدارة ترامب في هذا الخصوص. لكن الوضع بالنسبة لإيران أكثر تعقيداً، فإذا كانت كوريا الشمالية خطراً كامناً ومحتملاً على حلفاء أميركا في جنوب شرق آسيا، فإن إيران "خطر حاصل وفعال، ويشتغل بكامل طاقته في منطقة الشرق الأوسط، وقد أدى إلى هدم دول، وتهديد مصالح أميركا في المنطقة"، بحسب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بعد تأكيد نائب الرئيس، مايك بنس، أن أميركا بصدد مراجعة سياستها تجاه إيران ومغادرة استراتيجية "الصبر الاستراتيجي" التي اتبعتها الإدارات السابقة، والتي طالما راهنت على إمكانية تغيير السياسات الإيرانية نتيجة الاستجابة لضغوط داخلية، أو جرّاء استنزاف طاقتها واضطرار قادتها إلى ترشيد سياساتهم.
تتعامل إدارة ترامب بأعلى درجات الجدية مع إيران، بوصفها التهديد الملح على الأمن القومي الأميركي، ولا تكتفي بتصريحات مندوبتها في مجلس الأمن، نيكي هالي، مرتفعة النبرة، بل ثمّة ما يشير إلى إنضاج سياق متكامل من الإجراءات ضد إيران، ستبدأ ملامحه بالظهور تباعاً، وثمّة ما يفيد بأن تصميم هذا السياق لم يكن نتيجة ردّات فعل متحمّسة، بقدر ما هو مبني على استشارات مكثفة، وتقديرات اشتغلت عليها أجهزة ومؤسسات أميركية في الأيام الماضية.
وقد تسرّبت، عبر وسائل الإعلام الأميركية، تفاصيل كثيرة متفرّقة بشأن هذا السياق، منها ما يتم تحضيره من عقوباتٍ ضد هياكل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى محاصرة أدوار الحشد الشعبي في العراق، بالإضافة إلى حزمة من العقوبات على مؤسسات إيرانية عديدة، كما تأتي في هذا السياق مساعي أميركا لتشكيل تحالف سني لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة. ويعني ذلك كله أن السياق الأميركي ضد إيران متمرحل بأدوات ووسائل عديدة، يبدأ من العامل الاقتصادي وصولاً إلى الإجراءات العسكرية، سواء بواسطة الحلفاء أو الاصطدام المباشر، وخصوصا في الخليج العربي والبحر الأحمر.
حتى في سياسة إدارة ترامب السورية لا يبدو أن روسيا، ولا حتى الأسد نفسه، هما المستهدفان، بل لإدراك إدارة ترامب استحالة تفكيك العلاقة بين الأسد وإيران، ما جعل إزاحته عن السلطة في سورية جزءاً من عملية تفكيك نفوذ إيران في المنطقة. ولهذا، فإن ضربة مطار الشعيرات لم تكن استجابة لحدث طارئ، بقدر ما هي استدراك لخطأ وقعت فيه الإدارة الأميركية، حين أعلنت إخراجها الأسد من نطاق أولوياتها في المنطقة.
وبما أنه ليس من المنتظر استجابة إيران لهذه التغييرات، واجتراح مقاربة براغماتية لإدارة أزمتها مع واشنطن، جرّاء تصلب سياساتها الإقليمية، وتوظيف تلك السياسات في إطار تدعيم شرعية نظام الملالي القائمة على خليط من مد النفوذ الشيعي واستعادة الأمجاد الفارسية، فإن الصدام بين الإدارة الأميركية المصمّمة على استعادة النفوذ في المنطقة ونظام الملالي يبدو حتمياً.
وتتزامن هذه التطورات مع حراكٍ في الداخل الإيراني على هامش الانتخابات الرئاسية، والتي تعتبر، في نظر المراقبين، فضائحية بامتياز، نظراً إلى ما كشفته من سطحية نظام الملالي والأسلوب المافياوي الذي يدير به علاقاته مع المجتمع والنخب في إيران، وصراعات التيارات المختلفة، وما كشفته من عمليات فسادٍ لا يتصوّرها العقل، وذلك كله معطوف على احتمالات تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما دفع مسؤولين إيرانيين إلى التحذير من ثورة خضراء جديدة، على غرار التي حصلت عام 2009، ولكن بفارق أن المجتمع الإيراني صار أكثر جرأةً وقدرةً على المواجهة، بالإضافة إلى سقوط هيبة النظام، في نظر النسبة الأكبر من الإيرانيين، وهو ما يذكّر بالوضع في سورية، عشية اندلاع الثورة عام 2011.
تفيد معظم الدراسات الجادة، وتقديرات المواقف عن إيران، في السنوات الأخيرة، بأن البلاد باتت في وضعية هشّة غير مسبوقة، والمؤشرات على هذا الأمر أكثر من أن يتم إحصاؤها، فمن الفساد المستشري في كل المؤسسات، إلى الاستبداد الذي تمارسه أجهزة السلطة، فضلاً عن الفشل في التنمية وتوزيع الثروات والفقر والبطالة والتضخم الكبير، واعتراض شرائح كبيرة من المجتمع الإيراني على سياسات بلادهم الإقليمية، بالإضافة إلى دائرة الأعداء الكبيرة التي راكمتها سياسات الملالي على مستوى الحكومات والشعوب في المنطقة، من دون نسيان حالة التململ التي تعيشها شعوب إيران المتعدّدة، والتي تنتظر الفرصة للخلاص مما تعتبره استعماراً فارسياً مديداً.
والسؤال كيف تستطيع إيران عبور كتلة المخاطر تلك في ظل ضمور العقلية الاستراتيجية وتضخم الأيديولوجيا والارتكاس الميتافيزيقي في تحليل الصراعات والعلاقات الدولية؟ الأرجح أن إيران سائرة إلى أن تكون سيرة المنطقة وحدثها الأهم في المرحلة المقبلة.
تجهّز إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مناخاً إقليميا ودولياً لمحاصرة إيران وتخليع أنيابها، وعلى الرغم من انشغال واشنطن بالملف الكوري، والحديث عن مخاطر قد تصل إلى حد استخدام الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية وجنوب شرق آسيا، إلا أن واشنطن تبدو مطمئنة إلى وجود مخرج قريب للأزمة الكورية، ربما بضمانة الصين التي يبدو أنها على تنسيقٍ ما مع إدارة ترامب في هذا الخصوص. لكن الوضع بالنسبة لإيران أكثر تعقيداً، فإذا كانت كوريا الشمالية خطراً كامناً ومحتملاً على حلفاء أميركا في جنوب شرق آسيا، فإن إيران "خطر حاصل وفعال، ويشتغل بكامل طاقته في منطقة الشرق الأوسط، وقد أدى إلى هدم دول، وتهديد مصالح أميركا في المنطقة"، بحسب وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بعد تأكيد نائب الرئيس، مايك بنس، أن أميركا بصدد مراجعة سياستها تجاه إيران ومغادرة استراتيجية "الصبر الاستراتيجي" التي اتبعتها الإدارات السابقة، والتي طالما راهنت على إمكانية تغيير السياسات الإيرانية نتيجة الاستجابة لضغوط داخلية، أو جرّاء استنزاف طاقتها واضطرار قادتها إلى ترشيد سياساتهم.
تتعامل إدارة ترامب بأعلى درجات الجدية مع إيران، بوصفها التهديد الملح على الأمن القومي الأميركي، ولا تكتفي بتصريحات مندوبتها في مجلس الأمن، نيكي هالي، مرتفعة النبرة، بل ثمّة ما يشير إلى إنضاج سياق متكامل من الإجراءات ضد إيران، ستبدأ ملامحه بالظهور تباعاً، وثمّة ما يفيد بأن تصميم هذا السياق لم يكن نتيجة ردّات فعل متحمّسة، بقدر ما هو مبني على استشارات مكثفة، وتقديرات اشتغلت عليها أجهزة ومؤسسات أميركية في الأيام الماضية.
وقد تسرّبت، عبر وسائل الإعلام الأميركية، تفاصيل كثيرة متفرّقة بشأن هذا السياق، منها ما يتم تحضيره من عقوباتٍ ضد هياكل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى محاصرة أدوار الحشد الشعبي في العراق، بالإضافة إلى حزمة من العقوبات على مؤسسات إيرانية عديدة، كما تأتي في هذا السياق مساعي أميركا لتشكيل تحالف سني لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة. ويعني ذلك كله أن السياق الأميركي ضد إيران متمرحل بأدوات ووسائل عديدة، يبدأ من العامل الاقتصادي وصولاً إلى الإجراءات العسكرية، سواء بواسطة الحلفاء أو الاصطدام المباشر، وخصوصا في الخليج العربي والبحر الأحمر.
حتى في سياسة إدارة ترامب السورية لا يبدو أن روسيا، ولا حتى الأسد نفسه، هما المستهدفان، بل لإدراك إدارة ترامب استحالة تفكيك العلاقة بين الأسد وإيران، ما جعل إزاحته عن السلطة في سورية جزءاً من عملية تفكيك نفوذ إيران في المنطقة. ولهذا، فإن ضربة مطار الشعيرات لم تكن استجابة لحدث طارئ، بقدر ما هي استدراك لخطأ وقعت فيه الإدارة الأميركية، حين أعلنت إخراجها الأسد من نطاق أولوياتها في المنطقة.
وبما أنه ليس من المنتظر استجابة إيران لهذه التغييرات، واجتراح مقاربة براغماتية لإدارة أزمتها مع واشنطن، جرّاء تصلب سياساتها الإقليمية، وتوظيف تلك السياسات في إطار تدعيم شرعية نظام الملالي القائمة على خليط من مد النفوذ الشيعي واستعادة الأمجاد الفارسية، فإن الصدام بين الإدارة الأميركية المصمّمة على استعادة النفوذ في المنطقة ونظام الملالي يبدو حتمياً.
وتتزامن هذه التطورات مع حراكٍ في الداخل الإيراني على هامش الانتخابات الرئاسية، والتي تعتبر، في نظر المراقبين، فضائحية بامتياز، نظراً إلى ما كشفته من سطحية نظام الملالي والأسلوب المافياوي الذي يدير به علاقاته مع المجتمع والنخب في إيران، وصراعات التيارات المختلفة، وما كشفته من عمليات فسادٍ لا يتصوّرها العقل، وذلك كله معطوف على احتمالات تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما دفع مسؤولين إيرانيين إلى التحذير من ثورة خضراء جديدة، على غرار التي حصلت عام 2009، ولكن بفارق أن المجتمع الإيراني صار أكثر جرأةً وقدرةً على المواجهة، بالإضافة إلى سقوط هيبة النظام، في نظر النسبة الأكبر من الإيرانيين، وهو ما يذكّر بالوضع في سورية، عشية اندلاع الثورة عام 2011.
تفيد معظم الدراسات الجادة، وتقديرات المواقف عن إيران، في السنوات الأخيرة، بأن البلاد باتت في وضعية هشّة غير مسبوقة، والمؤشرات على هذا الأمر أكثر من أن يتم إحصاؤها، فمن الفساد المستشري في كل المؤسسات، إلى الاستبداد الذي تمارسه أجهزة السلطة، فضلاً عن الفشل في التنمية وتوزيع الثروات والفقر والبطالة والتضخم الكبير، واعتراض شرائح كبيرة من المجتمع الإيراني على سياسات بلادهم الإقليمية، بالإضافة إلى دائرة الأعداء الكبيرة التي راكمتها سياسات الملالي على مستوى الحكومات والشعوب في المنطقة، من دون نسيان حالة التململ التي تعيشها شعوب إيران المتعدّدة، والتي تنتظر الفرصة للخلاص مما تعتبره استعماراً فارسياً مديداً.
والسؤال كيف تستطيع إيران عبور كتلة المخاطر تلك في ظل ضمور العقلية الاستراتيجية وتضخم الأيديولوجيا والارتكاس الميتافيزيقي في تحليل الصراعات والعلاقات الدولية؟ الأرجح أن إيران سائرة إلى أن تكون سيرة المنطقة وحدثها الأهم في المرحلة المقبلة.