بدأت ملامح مشهد التنافس في الاستحقاق الانتخابي التشريعي الإيراني المقبل تتضح أكثر فأكثر، بعد أن أنهت لجنة صيانة الدستور عملية إعادة مراجعة طلبات المعترضين من المرشحين، الذين لم تمنحهم الأهلية للمشاركة في الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي. وبعد أن سجل نحو 12 ألف شخص أسماءهم في الداخلية الإيرانية، لخوض هذه الانتخابات التي ستُجرى في 26 فبراير/شباط الحالي، استبعدت اللجنة عدداً كبيراً منهم، ووافقت أولاً على ترشح 4800 شخص، وأعلنت يوم السبت عن قبول 1500 مرشح آخر، ممّن تمت الموافقة على طعونهم.
تعني هذه الأرقام، أن معدّل 21 مرشحاً سيتنافسون على كل مقعد من مقاعد البرلمان الإيراني الـ310. مع العلم أن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، كانت قد نقلت في وقت سابق، عن وكيل الداخلية الإيرانية حسين علي أميري، قوله إن "عدد المتنافسين يبلغ في الوقت الحالي 6300 شخص، ويستطيع 147 فقط ممن لم يمنحوا الأهلية للمرة الثانية، التقدم باعتراضهم مجدداً يوم الاثنين، كونهم حصلوا على ثقة اللجان التنفيذية، ولجنة الرقابة المركزية، لكن لجنة صيانة الدستور لم تقبلهم خلال المرحلة الثالثة من تفحص الطلبات".
تمرّ طلبات المرشحين، بعدة مراحل، فبعد التسجيل في الداخلية، تُدرس الطلبات من قبل اللجان التنفيذية. وقد تمّ استبعاد 800 اسم هذا العام في المرحلة الأولى، ثم حّوّلت الطلبات للجنة الرقابة، التي منحت الأهلية لما يزيد عن 40 في المائة من المتبقين في الدورة الحالية. مع العلم أنه في دورة العام 2012 مُنحت الأهلية لـ46 في المائة من المرشحين، و40 في المائة في دورة العام 2008.
في طهران وحدها مُنحت الأهلية لـ1144 شخصاً، من أصل 2390 سجلوا أسماءهم بهدف الترشح، أما في ما يتعلق بالمحافظات الأخرى، فنشرت بعض المواقع الإيرانية إحصائية أولية، توضح فيها توزع المرشحين الذين سيتنافسون في سباق الانتخابات التشريعية. تُعدّ الإحصائية بمثابة "خارطة أولية"، في وقت ستنظر فيه لجنة صيانة الدستور في طعون بعض الأفراد مجدداً في الأيام القليلة المقبلة.
رغم أن لجنة صيانة الدستور لم تنشر حتى أمس الأحد، أسماء من أعادتهم للسباق الانتخابي بشكل رسمي، لكن بعضهم تلقى رسائل عبر هاتفه، تم إبلاغه فيها ما إن تم قبول ترشحه من عدمه، وتعددت التكهنات المتعلقة بعدد من المرشحين، ولا سيما من أصحاب الوجوه والأسماء البارزة والذين لم يمنحوا الأهلية في وقت سابق.
كما نشرت بعض المواقع أن النائب الفعلي علي مطهري، قد نال الأهلية من قبل اللجنة، بعد رفضه في المرحلة الأولية. مطهري نائب مثير للجدل، لأنه كان محسوباً على الطيف المحافظ، لكنه توجه بانتقادات حادة للجبهة المقربة من الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وبات من أشد معارضيه. كما أن علاقاته متوترة قليلاً مع المتشددين، وهو ما يجعله محسوباً على المعتدلين أحياناً، ومقرّباً من رموز الإصلاحيين في أحيان أخرى.
اقرأ أيضاً السعودية تحارب "داعش": مفتاح لمواجهة نفوذ إيران؟
من جهته، نال الإصلاحي الياس حضرتي الأهلية للترشح، فيما أن إصلاحيين آخرين ومنهم رسول منتجب نيا لم يتم الإعلان رسمياً بعد عن دخوله السباق من عدمه. كما أعلنت بعض المواقع، عن قبول اسم نجل وزير الاستخبارات الحالي، سيد محسن علوي، فيما أن اعتراض النائب المحافظ الحالي حميد رسايي لم يؤخذ بعين الاعتبار، ولم تقبل صيانة الدستور ترشحه. وهو من أبرز الأسماء البرلمانية التي انتقدت بشدة نتائج اتفاق البلاد النووي، وسياسات حكومة الاعتدال. كما لوحظ رفض الطعن الذي وجهته فاطمة هاشمي، ابنة رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، إلا أن كل هذه الأسماء نشرتها بعض المواقع الإيرانية، ولم تصدر بعد عن مؤسسات رسمية.
لكن يبقى شكل توزع مرشحي التيارات السياسية الإيرانية هو الأهم في الاستحقاق التشريعي القادم، خصوصاً أن كل التيارات لم تُقدّم حتى اللحظة أسماء مرشحيها في جبهات وتكتلات كما تفعل عادة، لكن لا يبدو أن التنافس سيكون سهلاً بين المحافظين والمعتدلين بالدرجة الأولى، والإصلاحيين بالدرجة الثانية.
التيار المحافظ الذي شكّل غالبية مقاعد البرلمان الإيراني خلال دورات ثلاث، آخرها الدورة الراهنة، لن يتنازل بسهولة عن هذا الامتياز. ويبدو أن أعضاءه هم الأكثر وضوحاً من ناحية خطة تنافسهم، فائتلاف المحافظين أعلن عن نيته تقديم أسماء 30 مرشحاً، في جبهة واحدة، ستكون الأقوى في العاصمة طهران. ستضمّ أبرز الأسماء المحافظة فيها، لكن تسريبات تُفيد بأن غالبية أعضائها يعتبرون من المقربين لآية الله مصباح يزدي، الذي كان مقرّباً في السابق من الرئيس محمود أحمدي نجاد.
وهو ما أثار امتعاض مقرّبين من محافظ طهران الحالي، المقرّب بدوره من الحرس الثوري، محمد باقر قاليباف، فضلاً عن امتعاض أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، رئيس الحرس السابق محسن رضائي، وكلاهما كانا من المرشحين الأقوياء في انتخابات رئاسية سابقة. كما أن صحفاً عدة نقلت في أعدادها الصادرة أمس الأحد، أن أعضاء لائحة ائتلاف المحافظين هذه، مقربون بغالبيتهم من التيار النجادي، ومنهم من اعتبر بأنه من المتشددين.
وكانت وكالة فارس الإيرانية قد نقلت عن أحد أعضاء جبهة "جامعه روحانيت" المحسوبة على المحافظين أيضاً، وهو رضا تقوي، قوله إن اللائحة جاهزة، لكنها مازالت تحتاج لموافقة الشورى المركزية في الائتلاف، ويجب التريث لحين الإعلان عن أسمائها.
كما نقلت مواقع أخرى أنه تم اختيار الأعضاء ليشاركوا في التنافس في طهران، بعد تعهّدهم اختيار رئيس الائتلاف ذاته غلام علي حداد عادل، رئيساً للبرلمان القادم. وهو ما نفاه محافظون كثر، منهم أمين حزب "مؤتلفة" الإسلامي محمد نبي حبيبي، الذي قال إن "من ينشرون إشاعات من هذا النوع يخالفون اتحاد المحافظين ويخشون من جبهاتهم القادمة".
بالنسبة للإصلاحيين، وبعد أن نشرت وسائل إعلام مقربة من هذا التيار أن ما يعادل 90 في المائة، ممّن سجلوا أسماءهم للترشح للانتخابات التشريعية تحت راية الإصلاح لم ينالوا الأهلية من قبل صيانة الدستور، ولا يبدو أن حصصهم قد زادت كثيراً، بعد الإعلان الجديد عن ارتفاع عدد المرشحين. وهو ما كتبته صحيفة "افتاب يزد" على صفحتها الأولى، وأكدته صحيفة "اعتماد" الإصلاحية أيضاً.
وقد ذكرت لجنة الإصلاحيين التابعة لمحافظة فارس جنوبي إيران، أن مشاركة الإصلاحيين ستكون من خلال اعتماد لوائح مشتركة بين المحسوبين على هذا التيار، وداعمي حكومة الاعتدال، وقد ألمح آخرون لهذا الأمر، من خلال تصريحات تؤكد أن اتحاد المعتدلين والإصلاحيين خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة هو ما أوصل حسن روحاني لسدة الرئاسة. كما أنعش الاتحاد تيار الإصلاح بعد غيابه عن الساحة لسنوات، إثر الانقسام بين أعضائه، والمشكلات التي تعرض لها رموز التيار إبان احتجاجات عام 2009، التي أثارها مناصرو المرشح الرئاسي الإصلاحي ميرحسين موسوي، بعد فوز نجاد بدورة رئاسية ثانية آنذاك.
مع ذلك يتحدث بعضهم، ومنهم رئيس الشورى المركزية لحزب "نداء الإيرانيين"، صادق خرازي، عن نيتهم خوض السباق باسم الإصلاح فقط، إذ سيقدم هذا الحزب وبشكل منفصل، لائحة بأسماء مرشحين من أعضائه، كما أن أمين الحزب نفسه مجيد فراهاني، أكد أن مشاركتهم ستكون ضمن لوائح تيار الإصلاح ككل.
وبين كل هذه النقاط والتصريحات المتضاربة، ستبدو الصورة أوضح خلال أيام، مع نشر القوائم بأسماء محددة، وسيكون لشعبية "تيار الاعتدال" برئاسة روحاني حظوظ كبيرة، ولا سيما مع توصله للاتفاق النووي مع الغرب وإبعاد هم العقوبات الاقتصادية عن كاهل المواطن الإيراني، لكن بذات الوقت لا يمكن إهمال وجهة نظر المتشددين من المحافظين والتي تؤيدها شريحة من الإيرانيين. هؤلاء هم من يتخوفون من فتح الباب أمام الغرب، وقد اعتبروا سابقاً أن الاتفاق النووي قدم تنازلات أكبر من الامتيازات. ولا يمكن الاستهانة بهذه الشعارات، في وقت مازال فيه الإصلاحيون يتخبطون لإيجاد طريقة لعودة أقوى لمقاعد البرلمان بعد غيابهم عنه طيلة السنوات الفائتة.
اقرأ أيضاً: إيران تطلق محادثات شاملة مع الاتحاد الأوروبي