إنقاذ "أونروا"

03 سبتمبر 2018
+ الخط -
لم يأتِ وقف الدعم الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن عبث. اتخذت الإدارة الأميركية قرارها بالذهاب إلى أقصى حدود التطرّف في القضية الفلسطينية، بدأت من إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ثم عمدت إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في 14 مايو/ أيار الماضي، قبل أن تعلن عن وقف دعمها لـ"أونروا". من يفهم جيداً، يدرك أن الأميركيين، وفي هذه المحطات الثلاث، دشّنوا مسارا جديدا، سيفضي إلى تحقيق أمر واحد: "صفقة القرن".
لا يمكن الحديث عن أن "صفقة القرن" سقطت، أقله من الناحية الأميركية. مواجهتها تستلزم الاعتراف بوجودها، في ظلّ الأفعال الأميركية الواضحة في هذا الصدد. كل ما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هو التمهيد للوصول إلى هذه النقطة. ومن هنا، سيواجه العالم في اجتماعات الأمم المتحدة في النصف الثاني من سبتمبر/ أيلول الحالي. وإذا اختار منبر الأمم المتحدة لإطلاق "صفقة القرن"، فيعني أن الولايات المتحدة قرّرت المضيّ في إنهاء ملفي القدس واللاجئين الفلسطينيين قبل نهاية العام الحالي. سيُشكّل الأمر انتصاراً عظيماً لحليف ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ماذا يعني توقيف عمل "أونروا"؟ يعني أن ملايين الأطفال الفلسطينيين سيتوقفون عن الذهاب إلى المدارس للتعليم، وسيتحوّلون، وفقاً لثلاثية الفقر والجوع والجهل، إلى "قنابل إرهابية موقوتة"، يريد الأميركيون والإسرائيليون استخدامها لتسويق "خطرهم". لا يمكن للعالم الركون جانباً، فإسقاط "أونروا" يعني إباحة قتل الفلسطينيين، وإسقاط حق العودة، وإنهاء مصير القدس لصالح الإسرائيليين. والأمر الأهم هو كيفية قبول التمويل الأميركي أساساً لـ"أونروا"، خصوصاً أن موقف واشنطن معروف منذ عام 1948 بدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي. لم تتوقف الولايات المتحدة يوماً عن دعم هذا الكيان، فكيف يُسمح لها في التأثير على منظمةٍ إنسانية، كان متوقعاً انسحابها منها في يوم من الأيام، بناءً على خطوات إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس؟
البديل واضح، فإذا كان الأوروبيون غير قادرين على اجتراح الحلول وتأمين البدائل في الاتفاق النووي الإيراني، بعد الانسحاب الأميركي منه، فإنه يتوقع منهم، مع العرب، فعل المستحيل، والحلول مكان الولايات المتحدة تمويلياً. يمكن للعرب بسهولة تأمين 300 مليون دولار، وهو أمر مفروغ منه، وإن لم يسعوا فوراً لضخّ التمويل في "أونروا"، فإننا على مشارف قضية إنسانية كبرى، تشبه في كثير من زواياها اللجوء السوري.
الأهم أن مرحلة ما بعد "أونروا" هي الفاصلة. يريد الأميركيون الكشف عن "صفقة القرن" ثم تطبيقها. حتى الآن، لا يمكن الوقوف بوجوههم بالأساليب الحالية، لاعتبارات عدة، تبدأ من أن الأميركيين سعوا إلى تحييد الجميع في مباحثاتهم بشأن الصفقة، تحت غطاء أن "الحقوق الفلسطينية مؤمنة"، من دون تحديد ماهية هذه الحقوق، غير أنه من الأكيد أن حق العودة والقدس ليسا من ضمنها. ما بعد "أونروا" ستكون أصعب على الفلسطينيين والعرب. وواهمٌ من يعتبر أن "صفقة القرن" سقطت، أو أن محاربتها كلامياً ستؤدي إلى فعل شيء. لم يتراجع ترامب في أي ملف حتى الآن، وهو ما يثير القلق حكماً. والتصرّف بصورة أن "ترامب سيسقط في الداخل الأميركي بفعل تحقيقات روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية"، هو مجرد رهان عبثي. ترامب باقٍ حتى نهاية ولايته، وربما سيُصبح رئيساً لولاية جديدة. الرهان على عزل الديمقراطيين له في غير محله. لا يريد الحزب الديمقراطي نائب ترامب، مايك بنس، بديلاً له. ترامب أهون الشّرين بالنسبة إليهم، لذلك سيسقط أي مشروع لعزل الرئيس الأميركي.
الأكيد أن "أونروا" تحتاج إلى دعم سريع، للتفرّغ لمواجهة "صفقة القرن" بأي طريقةٍ كانت، لمنع تطبيقها على جثث الفلسطينيين أو تمريرها على حساب حقوقهم البديهية.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".