إنفلونزا "يعني"!

05 فبراير 2019
+ الخط -
أمس حضرت لقاء بعض أندية القراءة، وموضوع نقاشه كتاب "النباهة والاستحمار" للمفكر الإيراني علي شريعتي، وحضر اللقاء حوالي 22 شخصًا، يتفاوتون في الخبرات الأكاديمية والحياتية، وكان لقاءً أضاف إليَّ وأفدت من أدب الحضور وعلمهم.

عادةً ما ينقسم اللقاء إلى فقرتين؛ فالأولى يعرض أحد الأعضاء الكتاب بشكلٍ إجمالي، ويتقمص دور الكاتب وينوب عنه في شرح فكرته، والثانية تتيح للحضور مناقشة من يعرض الكتاب ولنسمّه "نائب الكاتب" أو الناطق باسم جريًا على "نائب الفاعل"، و"نائب المفعول المطلق"، وغيرهما من النواب، وما أكثرها!

تضيف أندية القراءة بعدًا مختلفًا للقراءة؛ فتشجع من يهوى القراءة لكنه لا يجد الوقت، وتحفز من يقرأ في مجال ما وتفتح عينيه على مجالات أخرى، وتضع بين يديك كنوزًا لم تسمع عنها من قبل. ليس إلزاميًا أن تقرأ الكتاب لتحضر النقاش، وإن كان أكثر فائدة لك أن تقرأ الكتاب وحدك ثم تناقشه مع المجموعة، وهي فرصة مناسبة لأن تعرض فكرك على مائدة الحوار، وحضورك مناقشة الكتاب دون أن تقرأه كمن يسمع أو يقرأ ملخصًا نقديًا لفيلم دون أن يشاهده؛ ففي التفاصيل تكمن لذة القراءة والمشاهدة.


وأقول ليس إلزاميًا أن تقرأ الكتاب لسبب جوهري؛ فربما تسمع عن اللقاء قبل انعقاده بساعة أو ساعات، ولا يتاح لك أن تأتي على الكتاب في هذا الوقت الضيق، فحينها ينفي عنك حضورك النقاش الجهل المحض بالكتاب، وقد يفتح شهيتك لقراءته، وربما يوفر لك معلومة أو فكرة لم تسمع بها؛ فترجع إليه بعد النقاش وتحصِّل ما فات، وكلها فوائد لا يتعين عليك إهمالها. سمعت سيدةً مالت على أذن أخرى وسألتها والخجل يكسوها من رأسها لأخمص قدميها: هل قرأتِ الكتاب؟ فأجابتها بالنفي، وليس في ذلك حرج كما أسلفنا الذكر؛ فالعبرة بما يجنيه المرء من فوائد، وإذا أدرك المرء ما فاته من العلا فإلى الحزم يعزى لا إلى الجهل يُنسب.

وفي مداخلة، تحدث بعض الحضور عن الهوية واللغة العربية، بعد أن تشعب الحديث في مسالك النباهة الفردية والمجتمعية وغيرها من أفكار الكتاب. لكنني ومع تركيزي الشديد في فقرتي العرض والمناقشة، إلا أن أذني تأبت عليَّ أن تمرر (يعني)، والتي استشرت في اللقاء تفشي الإنفلونزا، بل يزيد، والأرقام لا تكذب.

في فقرة عرض الكتاب، ذكر نائب الكاتب لفظة "يعني" 135 مرة، وفي فقرة المناقشة ذكر نائب الكاتب اللفظة نفسها 94 مرة، بينما دارت لفظة الكلمة على ألسنة الحضور ممن أسهموا في المناقشة 113 مرة؛ فإذا علمت أن أربعة أعلنوا رغبتهم في الاستماع فحسب، فإن عدد المشاركين في المناقشة 18 شخصًا، ويكون نصيب كل مشارك من (يعني) حوالي 6 مرات، وإجمالي يعني في ساعتي اللقاء 342 مرة، أي بمعدل ثلاث مرات كل دقيقة.

إن تكرار كلمة بعينها أكثر من مرتين يشعر المتابع بحكة في أذنه، وبزيادة نطق تلك الكلمة تزداد الحكة إلى احمرار وتهيج في طبلة الأذن، ثم تلتهب وتصبح مشدودة وحساسة لتلك اللفظة، وتبعث على الرتابة والملل وربما السرحان؛ فالمتحدث لا يشد الانتباه لأفكاره وإنما لتكرار يعني!

هذه المشكلة سهلة الحل، والخطوة المثلى لحلها أن تنتبه أو يلفت أحدهم نظرك لها، ثم تعمد إلى قاموس لغوي وتنظر في مرادفات لتلك الكلمة؛ فكلما قفزت إلى لسانك تمهلت قليلًا وأخرجت أحد مرادفاتها، ولتستعن إن شئت بـ(مرادفات وأضداد) موقع قاموس المعاني عربي - عربي، وهذا أبسط ما يمكنك تنفيذه.

تكرار كلمة بعينها ليس عارًا، لكنه يشتت المتابع ويقلل من قوة تواصلك وتأثيرك، وأنت سيد قرارك، وحبذا لو وقيت أسماعنا من إنفلونزا "يعني".