لكن القراءة التي تلفت الانتباه هي ما تبنته الأذرع الإعلامية المحسوبة على حكومات الثورات المضادة في ما يعرف بدول الربيع العربي. هذه القراءة الشاذة يجب ألا تلفت النظر بعيداً عن رصيد ضخم من الإنجازات في المدة القصيرة التي قضاها الحزب في الحكم، بحيث لم تزد على ثلاث عشرة سنة.
تقدم أردوغان في عهده بسياسات ديمقراطية ترسخ دولة العدالة وتمهد طريق التنمية في بلد ظل ضعيفا وفقيرا ومدينا بفعل تدخل الجيش في السياسة والاقتصاد لعشرات السنين. فألغى حالة الطوارئ والمحاكم الخاصة ومحاكم أمن الدولة، وأعاد حقوق من نزعت منهم الجنسية التركية وانتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب وضيق صلاحيات القضاء العسكري، وحاكم منفذي الانقلابات العسكرية، ليطوي صفحات انقلابات العسكر السوداء ويقطع تدخلهم في السياسة والاقتصاد، ويصبح وزير الدفاع شخصا مدنيا لأول مرة، ولم يتسامح مع من استخدم التعذيب ضد المعتقلين، وأصلح بنية المجلس الأعلى للقضاء، وتصالح مع جيرانه، وأنهى الحروب على حدود الدولة، ليتحول الجيران من دول محاربة إلى أسواق لمنتجاته، وبذلك تكونت البيئة الديمقراطية المدنية، ولتجتذب تركيا استثمارات أجنبية في عشر سنوات بحجم 150 مليار دولار، و40 ألف شركة أجنبية مقابل 15 مليارا وخمسة آلاف شركة في 78 عاماً قبل عهد أردوغان.
حقق أردوغان معادلة صعبة، فقد أقام بنية تحتية ضخمة غير منظورة، وفي الوقت نفسه، مشاريع استثمارية تحقق زيادة في الدخل والناتج القومي لمسها المواطن التركي في وقت قصير.
فتم بناء ما يزيد على 637 ألف وحدة سكنية خلال 12 عاماً من إجمالي مليون وحدة، للشعب التركي وليس للخداع الإعلامي، هذا مع 5500 مدرسةً ومستشفى، و17 ألف كيلومتر من الطّرق المزدوجة، و30 مطارا جديدا. رغم هذه المشاريع المكلفة للموازنة، يرتفع النّاتج القومي من 230 مليار دولار في عام 2002، إلى 820 مليار دولار عام 2013، ويرتفع متوسط دخل الفرد السنوي من 3300 دولار إلى 10800 دولار.
اقرأ أيضا: تركيا.. من الإفلاس إلى الانتعاش في عهد أردوغان
فطن أردوغان إلى الخريطة الاقتصادية الدولية، فلم يقف يستجدي غطرسة دول الاتحاد الأوروبي، التي لن تسمح بشركاء أنداد، حيث العوائق من ألمانيا وفرنسا واليونان، فعرفت تركيا وجهتها الاقتصاديّة مبكراً في 2004 نحو أفريقيا وأوكرانيا ودول الشرق الأوسط وإيران بشعار "الربح للجميع"، فارتفعت صادراتها إلى هذه الدول 20% عندما انكمشت مع الاتحاد الأوروبي بالنسبة نفسها.
وأصبح الاقتصاد التركي في المرتبة السابعة عشرة عالمياً والسادس في القارة الأوروبية، وبعد أن كانت ديون تركيا لصندوق النقد الدولي 23 مليار دولار تخلصت منها، بل وأقرضت الصندوق نفسه خمسة مليارات دولار، لتتخلص من سياسات الصندوق المفقرة، وتشارك في رسم سياساته الاقتصادية. وعلى الصعيد الدولي، نجحت شركات الإنشاء التركية في الظفر بمناقصات قيمتها 260 مليار دولار وأتمّتها في موعدها بنجاح.
إذن، استلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في البلاد عام 2002 بانتخابات حرة نزيهة ليحقق إنجازات اقتصادية وديمقراطية عجزت حكومات المنطقة العربية العسكرية عن تنفيذها، وهي في الحكم لعقود طويلة، فكانت الإنجازات هي دعاية الحزب في الانتخابات لتعفيه من خطاب الوعود البراقة. الوعود التي يتسم بها الخطاب السياسي العربي من خلال أحزاب شبّت وشابت في حكم بلادها لم تحقق من وعودها التي أعلنتها "مُدّاً ولا نصيفه"، جاثمة على صدور شعوبها عهوداً من الزمان. وقادة عسكريون يحكمون ثلاثة عقود ما زالوا سادرين في وعودهم لا يخجلون من شيبة رؤوسهم وانحناء ظهورهم ولا من قصر بصرهم وطمس بصيرتهم. وهل يحقق أحدهم إنجازاً في مستقبله الغابر وقد عجز، أو امتنع، عن تحقيقه بعد عقود طويلة في الحكم، اللهم إلا مليارات منهوبة من دماء الشعوب مكدسة في بنوك أوروبا؟!
اقرأ أيضا: المواطن التركي.. هل أنكر الجميل؟