يبدو أنّ فن الغرافيتي، استطاع أن ينقل التشكيل الحروفيّ من سياقه التقليدي؛ سواءً من خلال طرق وأساليب رسمه التي تجاوزت القواعد الكلاسيكية للخطّ العربي، أو عبر إخراجه من إطار اللوحات الضيّق والصالات المغلقة، والخروج به إلى الشوارع، وتقريبه من الجمهور.
مُزجَ الشكلان الفنيّان معاً، ليصبح لدينا اسمٌ جديد هو "الكاليغرافيتي"، الذي يأخذ حيّزاً في أعمالٍ لشبّان كثيرين في العالم العربي، أبرزهم الفنان التونسي المعروف بـ إل سيد (1981)، والذي يُنجز الآن مشروعاً في القاهرة، بعنوان "إدراك"، جرى تداول بعض صوره اليوم وأمس في المواقع الإخبارية وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
من يقف الآن على جبل المُقطّم، سيُطلّ على عشوائية منشيّة ناصر، وستقع عينه على عملٍ أنجزه إل سيد حديثاً، يُغطّي قرابة 50 مبنى؛ جدارية تأخذ شكلاً دائرياً، يتوزّع على مباني في العشوائية.
من الواضح أن هذه الجدارية احتاجت جهداً تخطيطياً لرسمها بدقّة، ولتخرُج بشكلٍ نهائيّ لافت، يشير إلى إتقان إل سيد لها. لكن، من جهةٍ أخرى، نتساءل: ما معنى أن نُجمّل منطقةً فقيرة بهذه الطريقة من دون إيجاد حلول جذريّة لتخليص القاهرة من عشوائيتها وتأمين أهلها بمناطق توفّر لهم الحد الأدنى من العيش والسّكن المُناسبَين؟
كثيرةٌ هي التعليقات التي جاءت على العمل لتصفه بـ "حلّ وحيد يجعل من شكل العشوائيات أفضل"، أو تدعو فنّاني الغرافيتي للذهاب إلى العشوائيات وإنجاز جداريات مشابهة. بطريقةٍ أخرى، فإن هذه مطالب بتحسين شكل الفقر، وتزيينه، لا التخلّص منه وإيجاد حلول إنسانية واقعية لسكّان هذه العشوائيات.
على صفحته في فيسبوك، كتب إل سيد حول المشروع، مُشيراً إلى أن الصورة التي نُشرت له هو غير مسؤول عنها؛ لأنها لا تعبّر عن الشكل النهائي للعمل، كما أن السياق الذي نُشرت فيه، لا يعبّر عن رؤيته وهدفه من العمل الذي يُفترض أنه لن يُعلن عنه قبل إتمامه، وفق الفنّان.
في منشورٍ آخر، يوضّح إل سيد: "في مشروعي الجديد، "إدراك"، أُسائل مفهوم العدالة واللاوعي الاجتماعي، والذي يبدو أكثر ارتباطاً بغياب الفهم الاجتماعي لمعنى الاختلاف". يضيف: "في منطقة زرايب، التي يقطنها المسيحيون المعروفون بعملهم كـ عمّال نظافة، يُعيدون تدوير النفايات بطريقةٍ حديثة رغم فقر المنطقة وعشوائيتها".
ويشير إل سيد إنّه يسعى إلى تسليط الضوء على منطقة زرايب من خلال عمله الذي اقتبس عبارته من القدّيس أثناسيوس الإسكندري: "إن أراد أحد أن يبصر نور الشمس، فإن عليه أن يمسح عينيه".
اقرأ أيضاً: تمثال عبد الوهاب: هان الود