إلى من نوجّه خطابنا؟

26 مارس 2016

(كوزنسكي)

+ الخط -

إلى من نوجّه كلامنا وكلماتنا وخطبنا في مواقع التواصل الاجتماعي؟ يخطر لي هذا السؤال دائماً مع كل حدثٍ كبيرٍ يحدث في العالم. لنأخذ مثلاً تفجيرات فرنسا، أواخر السنة الماضية 2015، ثم تفجيرات بروكسل قبل أيام. في الحدثين، كان الشغل الشاغل لغالبية العرب والمسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي هو التبرؤ من الإرهابيين (المسلمين) الذين يقومون بعمليات إرهابيةٍ، تحصد أرواح مدنيين آمنين تحت اسم الله والإسلام، وتحاول التأكيد أن هذا الإجرام لا علاقة له بالدين الإسلامي السمح.

لا بأس، هذا جيد جداً، أن نعمل، عرباً ومسلمين، على إدانة الإرهاب والتبرؤ منه. نحن لسنا إرهابيين، ولسنا قتلة. وعلى الجميع أن يعرف ذلك، ونحن هنا تعود على الجميع، عربا ومسلمين، وليس على فئاتٍ معينة منهم. أقصد ليس على النخب، ولا على المثقفين والمتعلمين، ولا على العلمانيين واللادينيين، ولا على الأقليات في هذا الشرق التعيس. نحن ضمير يشمل الجميع، إذ لا توجد مجموعة بشرية، أياً كانت، تحمل جينات الإجرام والإرهاب. يولد البشر، كل البشر، أبرياء، يكتسبون صفاتهم لاحقاً، صفاتهم وما يحدّد سلوكهم البشري والإنساني. يولد البشر متشابهين، يختلفون في ما بعد، حين يبدأ التلقين الذاتي والخارجي، ثم تبدأ الذاكرة بتخزين ذلك كله. لا بأس إذاً من التبرؤ من هذا الإرهاب، بل لا بد من ذلك. ولكن، إلى من نوجّه خطاب التبرؤ؟ على صفحاتنا على "فيسبوك"، نكتب بلغتنا لأصدقاء محددين أو غير محددين، لكنهم مثلنا، عرب أو مسلمون، يعانون ما نعانيه. على "تويتر" الأمر نفسه.

سيقول بعضهم إن مراكز الأبحاث الغربية تراقب كل ما نكتب وتنتبه إليه. لست متأكدة من معلومةٍ كهذه. ولكن، سأفترض أنها صحيحة، من يقوم بمراقبة مواقع التواصل أجهزة مخابرات دولية محترفة، تعرف تماماً كيف نشأ الإرهاب، وتعرف مصادره، وتعرف من يجنّد الشباب حول العالم، ليكونوا ضحايا، مثل ضحاياهم، تعرف كيف يتم تلقينهم وتدريبهم، تعرف تحركاتهم، تعرف كل شيء عنهم، ربما تعرف خططهم وتسكت عنها، لأسبابٍ عديدةٍ، لا مجال لشرحها هنا. ليست الفكرة في المنظومات الأمنية السياسية المافياوية الحاكمة للعالم. الفكرة هي في الرأي العام العالمي، في نظرة الشعوب لنا، في رعبها المتزايد من كل ما يمت للعرب والإسلام بصلة. لا يمكن لوم هذه الشعوب كثيراً، عندما يطالها الموت العبثي، لا يمكن لنا أن نطالبها بالتروّي والتأني، والبحث، بموضوعيةٍ، عمّا وراء هذا الموت. لا نطالب أنفسنا بهذا أيضا، نعمّم صفات قاتلنا على كل من يحمل جينات هذا القاتل. قلنا، ذات يوم، عن اليهود جميعاً إنهم قتلة ومجرمون. لم نحدّد منهم الصهاينة فقط، نقول هذا الآن، عن طوائفنا المختلفة، الأقليات تتهم الأكثرية بالإرهاب، والأكثرية تتهم الأقليات بالإجرام، ولا فرق، هنا، بين أقلياتٍ وأكثرياتٍ دينية أو عرقية، ولا أحد ينتبه إلى أصل الحكاية، أصلها الاقتصادي والسياسي، والمصالح الناجمة عن هذا الأصل.

تميل الشعوب، عادةً، إلى التعميم، لأنها ترى السطح الذي يسبّب لها الموت. تنحاز في ما لا يخصها للطرف الأقوى، الأقوى حضوراً أمامها، الأقوى إعلامياً. هذا ما فعلته إسرائيل مثلاً، حوّلت نفسها من مجرمٍ إلى ضحية. استطاعت فهم اللعبة جيداً، امتلكت أداةً إعلاميةً مذهلةً منذ نشأة الحركة الصهيونية، بعد المحرقة ضد اليهود، استغلّت مظلوميتها بشكل ذكي وخبيث. هذا ما لا نفعله نحن في كل قضايانا العادلة. لم ننجح في جذب التعاطف الشعبي العالمي معنا، لم نتعب أنفسنا بهذا، ندل على مظلومياتنا لأنفسنا فقط، مع أن كثيرين جداً منّا يمتلكون لغاتٍ أخرى، تمكّنهم من الوصول إلى شريحةٍ واسعةٍ جدا من العالم، لكننا، للأسف، لم ننتبه إلى هذا التفصيل الصغير.

نكتب عن مآسينا باللغة العربية، ونكتب صكوك براءتنا باللغة نفسها. نتوجه إلى ذواتنا بهذا كله، ثم نلوم العالم على ظلمه لنا. ولعل القضيتين الأهم في تاريخنا، الفلسطينية والسورية، خير دليل على ذلك. والآن، حالة العربفوبيا والإسلامفوبيا، واجبنا أن ننبّه لها، وأن ننقذ أنفسنا من تهمة الإرهاب، كيف؟ علينا أن نعرف إلى من نتوجه بخطابنا، وكيف نتوجه به. وللكلام بقية. 

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.