16 نوفمبر 2024
إلى علي فرزات: الفلسطينيون جزء من الثورة السورية
غريبٌ، بعد كل هذا الدم الفلسطيني الذي سال في سورية، أن يأتي الكاريكاريست، علي فرزات، ويتهم الفلسطينيين بالمشاركة في قمع الثورة السورية، ويطالبهم بعدم مناشدة السوريين التعاطف معهم في مواجهة "صفقة القرن"، وتقليع شوكهم بأيديهم؟
هذا الكلام الذي كتبه فرزات على صفحته الفيسبوكية إما يصدر عن عدم معرفة بالوقائع والحيثيات التي حصلت، وطبيعة العلاقة بين السوريين والفلسطينيين، وهذه خطيئةٌ لا يجوز لمثقف ثوري الوقوع فيها، لأن المعلومات متاحة ومتوفرة، ومن لا يملكها لا يستطيع رؤية اتجاهات الأحداث وتحليل مساراتها، ولا حتى معرفة موقعه ضمنها، أو أنه كلام يتصيّد في المياه العكرة، وغرضه إرضاء العنصريين الذين لا يخلو شعب منهم، أو الظهور بمظهر المثقف الإشكالي الجريء. وأشك أن فرزات المبدع وصل إلى حالة من الإفلاس، بات معها يبحث عن مصادر جديدة للشهرة!
تلطّى فرزات في هجومه على الفلسطينيين خلف شعوره بالغضب من القيادات الفلسطينية وموقفها من الثورة السورية. ولكن هل هذا الغضب مبرّر لتجريم الفلسطينيين والشماتة بهم؟ منذ متى كانت الشعوب العربية تنتظر من النخب الحاكمة مواقف بحجم تطلعات الشعوب العربية وهمومها، وقادة فلسطين هم في النهاية جزء من النخب العربية الحاكمة؟ ومنذ متى كانت هذه النخب ممثلة لشعوبها؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن التنظير العربي، عقودا، عن انفصال بين الشعوب والنخب الحاكمة، غير واقعي، مع العلم أن الثورات العربية ومثقفيها استندوا إلى هذا التنظير لشرعنة الثورة، وهو واقع، فلا يجوز أن نوظفه متى أردنا، ونعلن عكسه عندما نريد.
ولو أن الشعوب تحاسب بعضها بناءً على أفعال قادتها، لكان الفلسطينيون أول من قاطع الشعب
السوري، لما فعله حافظ الأسد بهم في تل الزعتر وطرابلس، وفي سورية نفسها، حيث اكتوى مثقفون وناشطون فلسطينيون كثيرون بنيران فرع فلسطين، السجن المخابراتي الشهير. وفلسطين ليست ملكا لمحمود عباس أو إسماعيل هنية، حتى نقول لهما اذهبا وقاتلا وحدكما، فلسطين جزء من هويتنا وثقافتنا، وهي في صلب وجداننا.
ليس ذلك وحسب، الفلسطيني جزءٌ من الثورة السورية وأحد فواعلها المهمين، وهذا ليس كلاماً عاطفياً، بل أثبتته وقائع ملموسة، ففي بداية الثورة في درعا، ذهب وفدٌ من فصائل فلسطينية إلى مخيم درعا، وادّعى أن لديه أوامر من رام الله بعدم المشاركة في الثورة، لأن الفلسطينيين طرف ضعيف وغريب، ولا يجوز أن يزجّوا أنفسهم في هذا الصراع بين السلطة والشعب، وكان جواب أهل المخيم أنهم طرف أصيل في هذا النزاع، "لأن أبناء درعا إما أولاد أخوالنا أو خالاتنا أو أبناء عماتنا فكيف نكون طرفا حياديا ودمنا يسفك في الشوارع؟"، وذلك في إشارة إلى حجم المصاهرة بين السوريين والفلسطينيين، واختلاط دمائهم وأنسابهم.
وأصدرت فصائل في مخيم اليرموك، قراراً يقضي بفصل كل من يشارك من كوادرها بفعاليات الثورة السورية، وحرمانه من المرتب والامتيازات. وكانت المفاجأة أن مئات الشباب قدموا استقالاتهم بأنفسهم من الأطر الفصائلية. ويعلم الجميع أنه حتى شباب مقر الخالصة (أكبر مواقع قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أحمد جبريل، في المخيم) انشقوا وانضموا للجيش الحر، وكادت فصائل تنهار، لولا أن المخابرات السورية زوّدتها بعناصر سورية، حتى تبقى هياكلها قائمة.
تنظيمات وفصائل كثيرة تدعم الأسد يكاد لا يعرفها الفلسطينيون، ولا شعبية لها، وهي فصائل وتنظيمات مهجورة منذ زمن، وهم مجرّد عناوين يحاول نظام الأسد استثمارهم للقول إن الفلسطينيين معه، وهذه اللعبة يجب ألا تنطلي على أحد، وخصوصا إذا كان مثقفاً وقارئاً للأحداث. وليس منسيا أن قوات النظام، عندما دخلت حي التضامن في دمشق، والذي تسكنه عائلات فلسطينية كثيرة، وهو الملاصق لمخيم اليرموك، أعدمت شبابا فلسطينيين عديدين، من عائلات البستوني وزينب وأبو الهيجاء وأبو القاسم.. وغيرهم. وأعدم نظام الأسد كثيرين من شباب حركة فتح، وبعضهم كان من كوادر الحركة الكبار في الساحة السورية، منهم أيمن جودة الذي كان يوصِل المساعدات إلى حمص التي حوصرت أحياؤها في بداية الثورة، وموعد موعد، الطبيب الذي كان يقدّم العلاج للجرحى. كما دمر نظام الأسد مستشفى الجمعية الخيرية الفلسطيني الذي كان يعالج جرحى الثوار، وقصف جامع عبد القادر الحسيني الذي كان يؤوي اللاجئين السوريين. وبين الفلسطينيات في سورية خنساوات فقدن أكثر من ابن لهن في التظاهرات، وعائلات بأكملها نكبت.
فتح مخيم اليرموك ذراعيه لمئات آلاف السوريين من جنوب دمشق، سكان أحياء التضامن
والحجر الأسود والقدم وسبينة، وصرف أثرياء فلسطينيون فيه مدخراتهم لتأمين أوضاع كريمة للاجئين، وأفلست الجمعيات الخيرية الفلسطينية من ضغط المصاريف على اللاجئين. وفي بداية الثورة أيضاً، شهدت بيوت في المخيم عشرات الاجتماعات السرّية للبحث عن صيغ لدعم الثورة السورية. وكانت الغوطة الشرقية تعجّ بمئات الشباب المطلوبين والمتوارين عن أعين النظام، وتكفّل تجار شارع لوبية (أكبر شارع تجاري في اليرموك) بإيصال كل الاحتياجات المطلوبة لهم، من ملبس ومأكل.
وفي إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين الذين قتلهم النظام والمليشيات الموالية له أربعة آلاف شخص، منهم 604 قضوا تحت التعذيب في أثناء اعتقالهم في سجون النظام، وعدد المعتقلين حوالي ألفين، بينهم 109 نساء وفتيات. عدا عن أكثر من عشرة آلاف فلسطيني مكثوا في السجون مدداً مختلفة، ومئات من المعاقين نتيجة الإصابات، فضلاً عن تشريد ثلثي الفلسطينيين السوريين. وبمقارنة هذه الأرقام مع عدد فلسطينيي سورية، 500 ألف نسمة حسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، نجد أنهم تعرّضوا لكارثةٍ توازي ما تعرّض له السوريون، وقاسموهم العذاب والمصير، خصوصا وأن أغلب مخيماتهم، بما فيها اليرموك، قد تعرّضت لدمار هائل، وتم نهب أرزاقهم وضياع جنى أعمارهم.
يخطئ بحق الثورة السورية من يصنّف الفلسطينيين ضمن خانة الأسد، لأنه بذلك يقدّم خدمة لهذا النظام المجرم الذي يزعم أنه وحده الغيور على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، ولأنه ثانياً يستهين بدماء آلاف الشباب الفلسطينيين الذين استشهدوا في سبيل حرية الشعب السوري، وردّد كثيرون منهم "فلسطيني وسوري واحد". ويستهين بعذابات من ما زالوا قابعين في السجون، وعذابات أهالي المفقودين.
تلطّى فرزات في هجومه على الفلسطينيين خلف شعوره بالغضب من القيادات الفلسطينية وموقفها من الثورة السورية. ولكن هل هذا الغضب مبرّر لتجريم الفلسطينيين والشماتة بهم؟ منذ متى كانت الشعوب العربية تنتظر من النخب الحاكمة مواقف بحجم تطلعات الشعوب العربية وهمومها، وقادة فلسطين هم في النهاية جزء من النخب العربية الحاكمة؟ ومنذ متى كانت هذه النخب ممثلة لشعوبها؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن التنظير العربي، عقودا، عن انفصال بين الشعوب والنخب الحاكمة، غير واقعي، مع العلم أن الثورات العربية ومثقفيها استندوا إلى هذا التنظير لشرعنة الثورة، وهو واقع، فلا يجوز أن نوظفه متى أردنا، ونعلن عكسه عندما نريد.
ولو أن الشعوب تحاسب بعضها بناءً على أفعال قادتها، لكان الفلسطينيون أول من قاطع الشعب
ليس ذلك وحسب، الفلسطيني جزءٌ من الثورة السورية وأحد فواعلها المهمين، وهذا ليس كلاماً عاطفياً، بل أثبتته وقائع ملموسة، ففي بداية الثورة في درعا، ذهب وفدٌ من فصائل فلسطينية إلى مخيم درعا، وادّعى أن لديه أوامر من رام الله بعدم المشاركة في الثورة، لأن الفلسطينيين طرف ضعيف وغريب، ولا يجوز أن يزجّوا أنفسهم في هذا الصراع بين السلطة والشعب، وكان جواب أهل المخيم أنهم طرف أصيل في هذا النزاع، "لأن أبناء درعا إما أولاد أخوالنا أو خالاتنا أو أبناء عماتنا فكيف نكون طرفا حياديا ودمنا يسفك في الشوارع؟"، وذلك في إشارة إلى حجم المصاهرة بين السوريين والفلسطينيين، واختلاط دمائهم وأنسابهم.
وأصدرت فصائل في مخيم اليرموك، قراراً يقضي بفصل كل من يشارك من كوادرها بفعاليات الثورة السورية، وحرمانه من المرتب والامتيازات. وكانت المفاجأة أن مئات الشباب قدموا استقالاتهم بأنفسهم من الأطر الفصائلية. ويعلم الجميع أنه حتى شباب مقر الخالصة (أكبر مواقع قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أحمد جبريل، في المخيم) انشقوا وانضموا للجيش الحر، وكادت فصائل تنهار، لولا أن المخابرات السورية زوّدتها بعناصر سورية، حتى تبقى هياكلها قائمة.
تنظيمات وفصائل كثيرة تدعم الأسد يكاد لا يعرفها الفلسطينيون، ولا شعبية لها، وهي فصائل وتنظيمات مهجورة منذ زمن، وهم مجرّد عناوين يحاول نظام الأسد استثمارهم للقول إن الفلسطينيين معه، وهذه اللعبة يجب ألا تنطلي على أحد، وخصوصا إذا كان مثقفاً وقارئاً للأحداث. وليس منسيا أن قوات النظام، عندما دخلت حي التضامن في دمشق، والذي تسكنه عائلات فلسطينية كثيرة، وهو الملاصق لمخيم اليرموك، أعدمت شبابا فلسطينيين عديدين، من عائلات البستوني وزينب وأبو الهيجاء وأبو القاسم.. وغيرهم. وأعدم نظام الأسد كثيرين من شباب حركة فتح، وبعضهم كان من كوادر الحركة الكبار في الساحة السورية، منهم أيمن جودة الذي كان يوصِل المساعدات إلى حمص التي حوصرت أحياؤها في بداية الثورة، وموعد موعد، الطبيب الذي كان يقدّم العلاج للجرحى. كما دمر نظام الأسد مستشفى الجمعية الخيرية الفلسطيني الذي كان يعالج جرحى الثوار، وقصف جامع عبد القادر الحسيني الذي كان يؤوي اللاجئين السوريين. وبين الفلسطينيات في سورية خنساوات فقدن أكثر من ابن لهن في التظاهرات، وعائلات بأكملها نكبت.
فتح مخيم اليرموك ذراعيه لمئات آلاف السوريين من جنوب دمشق، سكان أحياء التضامن
وفي إحصاءات مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين الذين قتلهم النظام والمليشيات الموالية له أربعة آلاف شخص، منهم 604 قضوا تحت التعذيب في أثناء اعتقالهم في سجون النظام، وعدد المعتقلين حوالي ألفين، بينهم 109 نساء وفتيات. عدا عن أكثر من عشرة آلاف فلسطيني مكثوا في السجون مدداً مختلفة، ومئات من المعاقين نتيجة الإصابات، فضلاً عن تشريد ثلثي الفلسطينيين السوريين. وبمقارنة هذه الأرقام مع عدد فلسطينيي سورية، 500 ألف نسمة حسب إحصاءات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، نجد أنهم تعرّضوا لكارثةٍ توازي ما تعرّض له السوريون، وقاسموهم العذاب والمصير، خصوصا وأن أغلب مخيماتهم، بما فيها اليرموك، قد تعرّضت لدمار هائل، وتم نهب أرزاقهم وضياع جنى أعمارهم.
يخطئ بحق الثورة السورية من يصنّف الفلسطينيين ضمن خانة الأسد، لأنه بذلك يقدّم خدمة لهذا النظام المجرم الذي يزعم أنه وحده الغيور على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، ولأنه ثانياً يستهين بدماء آلاف الشباب الفلسطينيين الذين استشهدوا في سبيل حرية الشعب السوري، وردّد كثيرون منهم "فلسطيني وسوري واحد". ويستهين بعذابات من ما زالوا قابعين في السجون، وعذابات أهالي المفقودين.