12 نوفمبر 2024
إلى اللقاء في لاهاي
بعد أن أعلنت المدّعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية عن اكتمال الشروط القانونية لفتح تحقيق قضائي في "المزاعم" المتعلقة بارتكاب جرائم حربٍ وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، افتتح بنيامين نتنياهو حملة سياسية إعلامية ضارية ضد المحكمة مرهوبة الجانب، قائلاً، بنبرةٍ يفيض منها الهلع، إن يوم الإعلان الذي طال انتظاره كان يوماً أسود في تاريخ إسرائيل.
كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، الكذّاب رقم واحد في الدولة العبرية، صادقاً هذه المرّة، ومصيباً في تشخيصه مغزى هذا التطور الدراماتيكي في مجرى الصراع التاريخي، ومحقّاً في تحسّبه، ليس فقط من مآل مساءلته، هو وكبار المسؤولين من حوله، من محققين دوليين لا يمكن وصفهم باللاسامية، وإنما أيضاً من وضع أول دولة "ديمقراطية" في العالم في خانة الدول المتهمة بارتكاب جرائم حربٍ شنيعة.
على الجانب المقابل، كان إعلان المدّعية العامة الذي تأخر نحو أربع سنوات مريرة يوم فرح غامر، شمل الفلسطينيين كافة، بعد أن رأوا الجهود الدبلوماسية المنسّقة، المقترنة بالصبر والحكمة والدراية، قد أتت أكلها في نهاية المطاف، وأن ثمرة من ثمار الاستراتيجية الكفاحية، وفي القلب منها الهجوم الدبلوماسي البارع، قد بات في متناول اليد بعد 120 يوماً على أكثر تقدير، عندما تتحقّق المحكمة تماماً من ولايتها القضائية على كامل الأراضي الفلسطينية، وتنتقل إلى مسرح الجريمة.
والحق أنه قد التبس على كثيرين بيننا فهم كل هذا التأخير، وشقّ على المتعاطفين مع الشعب المحاصر تفسير كل هذا التراخي في متابعة المسألة أمام محكمة الجنايات التي بدأت دراسة الحالة الفلسطينية منذ بداية العام 2015، حيث بدا المشهد عن بعد وكأن هناك تهرّباً ومماطلةً مقصودة، وربما تخاذلاً، إلى الحد الذي راح فيه سدنة الجملة الثورية يلقون باللائمة على القيادة الفلسطينية، ويتّهمونها بالتواطؤ مع الأميركيين، لإسقاط المحكمة من جدول الأعمال الوطني.
ونحن إذ نتوعّد المحتلين بلقائهم في لاهاي بعد أربعة أشهر، ومقارعتهم بقوة الحق مقابل حق القوة، فذلك لأن محكمة الجنايات هذه، في لاهاي في هولندا، أداة ناجعة، إن لم نقل الأداة الوحيدة المتاحة، للعب مع إسرائيل خارج ملعب القوة العسكرية المفضّل لديها، وذلك بعد أن انسدّت الدروب، وانغلقت الأبواب أمام خيار الكفاح المسلح (الخيار الأول)، بمن فيهم أصحاب الرؤوس الحامية، وأيضاً بعد أن وقفت أميركا عقبةً غير قابلة للتجاوز أمام الخيار الدبلوماسي (الخيار الثاني).
ومع أن محكمة الجنايات هذه لا تمتلك عصاً سحريةً لإنهاء آخر احتلال على وجه الأرض، إلا أنها، وهي تضم نحو 120 دولة، تمتلك قوة أخلاقية رادعة، ومركزاً قانونياً وازناً لتفعيل منظومة العدالة والمحاسبة، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، كما أنها تمثل، في الوقت ذاته، سنداً قانونياً للضحايا، كان الفلسطينيون في أمسّ الحاجة إليه أمام دولة فوق القانون، الأمر الذي من شأنه أن يفتح فصلاً جديداً في الكفاح المجيد، وأن يُدخل عنصراً جديداً على معادلة الصراع المحكوم بثنائية القوة المجرّدة وسطوة الفيتو الأميركي.
صحيحٌ أنه يجب عدم التعويل أكثر مما ينبغي على الخيار الحقوقي (الخيار الثالث)، إذا لم يقترن بكفاح شعبي متعدّد الأشكال والوسائل، يبني على هذا الإنجاز ويُراكم عليه، إلا أن من الصحيح أيضاً ضرورة العمل بكل وسيلة متاحة، مهما كانت ضئيلة، لكفّ يد الاحتلال الثقيلة عن القتل بدم بارد، وغلّها عن مواصلة سياسة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان بلا رقيبٍ أو حسيب، وهدم المنازل والاعتقالات، والاستيطان والمصادرات، سيما وأن القضيتين المدرجتين على جدول محكمة الجنايات، هما العدوان الوحشي على غزة والاستيطان.
خلاصة القول، لا يزال الصراع المديد مع الاحتلال البغيض مديداً، وقد يظل هكذا إلى أجل غير قصير، وإن الخلاص النهائي منه لن يتحقق بالضربة الفنية القاضية، وإنما بالنقاط المتفرّقة، تماماً على نحو ما يجري على الحلبة (إذا صحّ التشبيه) بين مصارع من الوزن الثقيل وآخر من وزن الريشة.
ولإدراك مدى أهمية هذه النقلة النوعية في مجرى الصراع التاريخي، يكفي أن نعيد إلى أصحاب الذاكرة الضعيفة ما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قد حذّرت القيادة الفلسطينية منه، وهدّدت بمعاقبة السلطة ومنظمة التحرير، حين قالت: إياكم، إن الانضمام إلى ميثاق روما الأساسي، ومن ثمّة تقديم شكوى لمحكمة الجنايات الدولية، هو بمثابة إلقاء قنبلة نووية على إسرائيل.
على الجانب المقابل، كان إعلان المدّعية العامة الذي تأخر نحو أربع سنوات مريرة يوم فرح غامر، شمل الفلسطينيين كافة، بعد أن رأوا الجهود الدبلوماسية المنسّقة، المقترنة بالصبر والحكمة والدراية، قد أتت أكلها في نهاية المطاف، وأن ثمرة من ثمار الاستراتيجية الكفاحية، وفي القلب منها الهجوم الدبلوماسي البارع، قد بات في متناول اليد بعد 120 يوماً على أكثر تقدير، عندما تتحقّق المحكمة تماماً من ولايتها القضائية على كامل الأراضي الفلسطينية، وتنتقل إلى مسرح الجريمة.
والحق أنه قد التبس على كثيرين بيننا فهم كل هذا التأخير، وشقّ على المتعاطفين مع الشعب المحاصر تفسير كل هذا التراخي في متابعة المسألة أمام محكمة الجنايات التي بدأت دراسة الحالة الفلسطينية منذ بداية العام 2015، حيث بدا المشهد عن بعد وكأن هناك تهرّباً ومماطلةً مقصودة، وربما تخاذلاً، إلى الحد الذي راح فيه سدنة الجملة الثورية يلقون باللائمة على القيادة الفلسطينية، ويتّهمونها بالتواطؤ مع الأميركيين، لإسقاط المحكمة من جدول الأعمال الوطني.
ونحن إذ نتوعّد المحتلين بلقائهم في لاهاي بعد أربعة أشهر، ومقارعتهم بقوة الحق مقابل حق القوة، فذلك لأن محكمة الجنايات هذه، في لاهاي في هولندا، أداة ناجعة، إن لم نقل الأداة الوحيدة المتاحة، للعب مع إسرائيل خارج ملعب القوة العسكرية المفضّل لديها، وذلك بعد أن انسدّت الدروب، وانغلقت الأبواب أمام خيار الكفاح المسلح (الخيار الأول)، بمن فيهم أصحاب الرؤوس الحامية، وأيضاً بعد أن وقفت أميركا عقبةً غير قابلة للتجاوز أمام الخيار الدبلوماسي (الخيار الثاني).
ومع أن محكمة الجنايات هذه لا تمتلك عصاً سحريةً لإنهاء آخر احتلال على وجه الأرض، إلا أنها، وهي تضم نحو 120 دولة، تمتلك قوة أخلاقية رادعة، ومركزاً قانونياً وازناً لتفعيل منظومة العدالة والمحاسبة، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب، كما أنها تمثل، في الوقت ذاته، سنداً قانونياً للضحايا، كان الفلسطينيون في أمسّ الحاجة إليه أمام دولة فوق القانون، الأمر الذي من شأنه أن يفتح فصلاً جديداً في الكفاح المجيد، وأن يُدخل عنصراً جديداً على معادلة الصراع المحكوم بثنائية القوة المجرّدة وسطوة الفيتو الأميركي.
صحيحٌ أنه يجب عدم التعويل أكثر مما ينبغي على الخيار الحقوقي (الخيار الثالث)، إذا لم يقترن بكفاح شعبي متعدّد الأشكال والوسائل، يبني على هذا الإنجاز ويُراكم عليه، إلا أن من الصحيح أيضاً ضرورة العمل بكل وسيلة متاحة، مهما كانت ضئيلة، لكفّ يد الاحتلال الثقيلة عن القتل بدم بارد، وغلّها عن مواصلة سياسة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان بلا رقيبٍ أو حسيب، وهدم المنازل والاعتقالات، والاستيطان والمصادرات، سيما وأن القضيتين المدرجتين على جدول محكمة الجنايات، هما العدوان الوحشي على غزة والاستيطان.
خلاصة القول، لا يزال الصراع المديد مع الاحتلال البغيض مديداً، وقد يظل هكذا إلى أجل غير قصير، وإن الخلاص النهائي منه لن يتحقق بالضربة الفنية القاضية، وإنما بالنقاط المتفرّقة، تماماً على نحو ما يجري على الحلبة (إذا صحّ التشبيه) بين مصارع من الوزن الثقيل وآخر من وزن الريشة.
ولإدراك مدى أهمية هذه النقلة النوعية في مجرى الصراع التاريخي، يكفي أن نعيد إلى أصحاب الذاكرة الضعيفة ما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قد حذّرت القيادة الفلسطينية منه، وهدّدت بمعاقبة السلطة ومنظمة التحرير، حين قالت: إياكم، إن الانضمام إلى ميثاق روما الأساسي، ومن ثمّة تقديم شكوى لمحكمة الجنايات الدولية، هو بمثابة إلقاء قنبلة نووية على إسرائيل.
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024