إلى أين تتجه طرابلس بعد إحالة وزير داخلية "الوفاق" على التحقيق؟

29 اغسطس 2020
باحث: القرار الخاص بوزير الداخلية يقف عند حد وقفه عن العمل للتحقيق وليس إقالته(الأناضول)
+ الخط -

يأتي إيقاف وزير الداخلية في حكومة "الوفاق" الليبية فتحي باشاغا عن العمل، وإحالته على التحقيق، على وقع تداعيات المظاهرات الشعبية المنادية بالإصلاحات المعيشية ومحاربة الفساد، في وقت يُنتظر فيه أن يعلن المجلس الرئاسي لـ"الوفاق" إجراء تعديلات وزارية وشيكة. فإلى أين تتجه الأوضاع؟

وفي وقت يتواصل فيه خروج العشرات من المواطنين للاحتجاج على الأوضاع المعيشية في عدة مدن ليبية، من بينها مصراتة والجميل غرباً، وسبها وأوباري وغات جنوباً، توقفت المظاهرات في طرابلس عن الخروج منذ مساء الأربعاء الماضي بسبب إعلان المجلس الرئاسي قرار حظر التجول الشامل.

وإثر إعلان السراج قراره، ليل البارحة، بشأن إيقاف باشاغا عن العمل وإحالته على التحقيق "بشأن التصاريح والأذونات، وتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين"، إضافة إلى "البيانات الصادرة عنه حيال المظاهرات، والأحداث الناجمة عنها، والتحقيق في أية تجاوزات ارتكبت في حق المتظاهرين"، سارعت قوة حماية طرابلس بالترحيب بالقرار والتأكيد أن المجلس الرئاسي هو "الجهة الشرعية الوحيدة في البلاد".

وتزامناً مع احتفالات لأفراد القوة داخل ميدان الشهداء في طرابلس بالقرار، وصفت القوة التابعة لوزارة الداخلية والمكونة من القوى المسلحة الكبرى في طرابلس، في بيان لها فجر اليوم السبت، قرار السراج بـ"الجريء الذي يؤكد قوة السلطة الشرعية"، مشددة على التزامها "التام بتعليمات وقرارات المجلس الرئاسي، الجهة الشرعية الوحيدة في البلاد في ضبط الأمن وحماية الوطن والمواطن في العاصمة طرابلس".

ورغم ترحيب باشاغا بقرار إيقافه عن العمل وتأكيده للمثول أمام القضاء الإداري للتحقيق، إلا أنه طالب المجلس الرئاسي، في بيان له فور صدور قرار وقفه عن العمل، بضرورة أن يكون التحقيق "علنياً" ومنقولاً عبر وسائل الإعلام، وتزامن ذلك مع خروج مظاهرات في مقابل احتفالات قوة حماية طرابلس انطلقت في مدينة مصراتة، التي ينحدر منها باشاغا، في ساعات متأخرة من ليل البارحة للتنديد بقرار إيقافه عن العمل وإحالته على التحقيق.

ومنذ أن تولى باشاغا منصبه، في أكتوبر 2018، جاهر بضرورة تفكيك المجموعات المسلحة في طرابلس، ودمجها في المؤسسة الشرطية والعسكرية، ما أثار غضب عدد من تلك التشكيلات، ولا سيما بعد عدة تصريحات للوزير وصف فيها هذه المجموعات بـ"الخارجة عن القانون"، واتهمها بالفساد والتنفذ في مفاصل الدولة لابتزاز مسؤوليها والتربح غير المشروع.

تعديل وزاري وشيك

وفي الأثناء تطابقت معلومات مصادر مقربة من السراج عزم الأخير على الإعلان قريباً إجراء تعديل وزاري يطاول الوزارات الخدمية المتصلة بالأوضاع المعيشية للمواطن، من بينها "تعيين مسؤولين جدد في الشركة العامة للكهرباء، بالإضافة إلى وزراء جدد لحقائب الصحة والمالية والحكم المحلي".

وحول منصب باشاغا، قالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" إنه "وضع لا يزال إشكالياً، وينتظر رجوع الوزير اليوم من رحلته الرسمية لتركيا التي بدأها أمس الجمعة"، مشيرة إلى أن كواليس الحكومة تجري فيها مشاورات كثيفة لرأب أي تداعيات قد تنجم عن قرار السراج بشأن باشاغا، خصوصاً أنه شخصية تلقى سياساته رضىً من قبل عواصم مهمة كواشنطن وأنقرة".

وتلا قرار توقيف باشاغا عن العمل قرارات أخرى للسراج تتصل بالأوضاع المعيشية للمواطن، من بينها صرف منح مالية للمواطنين، بالإضافة إلى إحالة عدد كبير من المسؤولين على مكتب النائب العام للتحقيق في قضايا الفساد الوظيفي وتبديد المال العام.

تلا قرار توقيف باشاغا عن العمل قرارات أخرى للسراج تتصل بالأوضاع المعيشية للمواطن

 

 لكن الناشط السياسي الليبي، عقيلة الأطرش، يرى أن لقرار استبعاد وزير الداخلية من عمله تداعيات على أوضاع المجلس الرئاسي وحكومة "الوفاق"، تتجاوز المتوقع.

وأوضح الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "المجلس الرئاسي والحكومة يحكمها الواقع على الأرض، ولا يمكن فصل تأثير المجموعات المسلحة التي تنتمي إلى المناطق عن واقع المجلس والحكومة"، مشيراً إلى أن قوات الحكومة قوامها الرئيس مجموعات مصراتة المسلحة، التي شكلت رأس الحربة في مقاومة مشروع استيلاء اللواء خليفة حفتر على طرابلس عسكرياً.

وفي أول تعليق لقادة قوات "بركان الغضب"، اعتبر المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، أن قرار السراج بشأن وقف باشاغا عن العمل يمثّل "نجاحاً للصوص المال العام في برنامجهم، بعد أن توعد الأخير بمحاربة الفساد"، مضيفاً في تعليق على صفحته الرسمية أن "ما قام به السراج اليوم يوضح للناس أنه عضو أساسي في مافيا الفساد، وجزء لا يتجزأ منه".

وأضاف المدني أن "السراج، بهكذا تصرفات، يكشف عن وجهه الحقيقي الذي كان يختفي وراءه، نقول لك سوف نكون سداً منيعاً ضدك أنت وشركائكم كما وقفنا ضد المتمرد، وإن غداً لناظره لقريب".

ويحذر الأطرش من تأثير انتماء السلاح إلى المناطق، ما قد يؤدي إلى تفكك وحدة قوات الحكومة، مشيراً إلى أن الوضع السياسي الحالي الذي شارف على حلحلة الأوضاع في سرت وبدء الحديث عن التوجه إلى عملية سياسية جديدة بالأوضاع العسكرية على تخوم سرت وقرار وقف إطلاق النار الذي تنفذه حالياً قوات الحكومة، مشيراً إلى أن قوات الحكومة التي ترابط في سرت قوامها مجموعات مصراتة المسلحة.

لا إقالة

في المقابل، لا يرى الباحث السياسي الليبي، زايد مؤمن، تأثيراً كبيراً للخلافات الطارئة في طرابلس على الأوضاع السياسية، مشيراً إلى أن القرار الخاص بوزير الداخلية يقف عند حد وقفه عن العمل للتحقيق وليس إقالته.

ويصف مؤمن في حديثه لـ"العربي الجديد" قرارات السراج بشأن مكافحة الفساد بـ"الشجاعة وإن جاءت متأخرة"، مؤكداً أن ارتباط المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بمصالح العديد من الدول القوية، التي وصلت إلى مرحلة متقدمة من التفاهمات في الملف الليبي، سيمكنها من تنفيذ عدد من إجراءاتها الإصلاحية.

باحث: الأوضاع الحالية ربما ستكون منطلقا يشجع السراج وحكومته على المضي قدما في إصلاحاته ومحاربة الفساد

 

وأضاف: "لا أعتقد أن المجتمع الدولي الذي لم يتخلّ عن الحكومة في أصعب أوضاعها وحفتر يحاصرها ويقف على بضعة كيلومترات من مقرها في طرابلس سيتخلى عنها اليوم بسبب خلافات بين بعض أصحاب النفوذ وتأثير سلاحهم المناطقي والجهوي".

وعلى العكس من أي توقع، يرى مؤمن أن الأوضاع الحالية قد تكون منطلقاً يشجع السراج وحكومته على المضيّ قدماً في إصلاحاته ومحاربة الفساد وإجبار المجموعات المسلحة على الرضوخ لقرارات دمجها في المؤسسات العسكرية والشرطية، بعد أن أصبحت القضية قضية رأي عام، ليس محلياً، بل دولي أيضاً. ​

دلالات