رمتني بدائها وانسلت ...
عاب الكثيرون خاصة من أنصار الشرعية على قناة الجزيرة مباشر مصر تلك السرعة التي أغلقت بها القناة، وعلق أحدهم ساخراً "حد شد الفيشة" تهكماً على سرعة وطريقة الإغلاق.
وبالأمس القريب وبدون مقدمات تغلق قناة (مصر الآن) ويلصق على الشاشة بيانٌ باهتٌ يعتذر للمشاهدين عن الإغلاق، موضحاً أن السبب هو ترشيد السياسة التحريرية للقناة!
قال لي أحد أساتذتي ذات يوم، ليس عيباً أن تفشل، ولكن العيب الحقيقي يكمن في تكرار الفشل دونما تعلم من أخطاء الماضي القريب.
هذا هو الحال مع قنوات الإخوان الفضائية، فمظلة الفشل المستمر يقف تحتها الجميع، والأدهى من ذلك أنهم يقفون مبتسمين يشعرون بالفخر والزهو وكأن على رؤوسهم أكاليل الغار!
جماعة واحدة وتيارات مختلفة! أنت تحدثني إذن عن الإخوان المسلمين، لا تسأل كيف، افتح التلفزيون من فضلك وستعرف بضغطة واحدة أن هذا هو الواقع.. لا تصدق! دعني أقنعك إذن..
قناة مصر الآن: إخوان التنظيم
نافذة التنظيم القوية والأخت الشقيقة لقنوات مصر25 وأحرار 25، وريثتهم في كل شيء حتى في لوغو القناة العبقري غير المفهوم!
تعد اللسان الرسمي لتيار الإخوان التنظيميين، وهو التيار الأكثر تماسكاً بداخل الإخوان -إلى وقت قريب- وتمتاز التغطية الإعلامية لها بهدفين أساسيين وهما:
- التمجيد والإعلاء من شأن الجماعة وتاريخها، ورموزها القيادية والتنظيمية والتاريخية ..الخ
- التهويل وضرب المعلومات في الخلاط، حتى تخرج كبيرة بما يكفي لإعطائك الانطباع عن أن "الانقلاب" يترنح وفي طريقة إلى الزوال.
وعادة ما يكون ضيوف القناة من رموز التنظيم، أمثال جمال حشمت وغيره من النواب السابقين الذين شكلوا ما يشبه البرلمان الصغير في تركيا! إضافة لخليط من أعضاء مكتب الإرشاد السابقين، وبعض أعضاء التنظيم الدولي للجماعة.
قناة مكملين: التيار الشاب "الثوري" للجماعة
منذ انطلاقها وقناة مكملين تعطيك انطباعاً أن ثمة عقلية مختلفة عن مصر الآن تدير القناة، وإن ظلت أسيرة للمشتركات العريضة للجماعة ورسالتها الإعلامية.
تبدو القناة أكثر انفتاحاً من مصر الآن، وأكثر اهتماماً بوسائل التواصل الاجتماعي، واستطاعت أن تخلق ضجة إعلامية كبيرة بإذاعتها للعديد من التسريبات المنسوبة لمكتب السيسي.
تعد القناة المعبرة عن ميول التيار الشاب "الثوري" داخل الإخوان، فسياستها التحريرية والوجوه الإعلامية التي تظهر على القناة معظمهم محسوب على ذلك التيار، وكانت القناة مرآة واضحة لما حدث من خلافات داخلية في الصف الإخواني، فما أن وصلت رياح الخلاف إلى صف الجماعة حتى كانت بيانات الجناح الثوري -الشاب- ويمثله محمد منتصر المتحدث الرسمي للجماعة تذاع على القناة، في حين تذاع بيانات الجناح المحافظ على شاشة مصر الآن.
قناة الثورة "رابعة سابقاً": تيار الإخوان السلفيين
يتحكم في تلك القناة خليط من الأزاهرة والسلفيين والجهاديين، ومجموعة من مؤيدي الشرعية من غير الإخوان، وإن كانوا من التيار الديني بشكل عام.
بمجرد أن تفتح القناة تشعر بتلك النقلة الفكرية الهائلة، فاللحى والجلاليب والعمم تكاد تكون اليونيفورم الرسمي بالقناة، وتلتقط أذناك سريعاً المؤثرات الصوتية التي حلت محل الموسيقى والأغاني، إضافة إلى خلو القناة من المذيعات والاقتصار على المذيعين الرجال، والمضحك أن بعض الكليبات الثورية التي أُنتجب حديثاً راعت الميول الفكرية للقناة، وأنتجت لها خصيصاً نسخاً "شرعية" بدون موسيقى!
أما عن محتوى القناة، فكارثي بمقياس ريختر، فالقناة أصبحت متخصصة في التفنيدات الشرعية ضد سلطة مابعد 3 يوليو، وباتت منصة لإطلاق صواريخ التكفير والزندقة والخروج عن الإسلام ضد السيسي ومؤيديه، ولم يخلُ الأمر من نيران صديقة واشتباك بين قناة مكملين ممثلة في الشيخ عصام تليمة، وبين قناة الثورة -رابعة سابقاً- ممثلة في الشيخ وجدي غنيم، وكان الخلاف الفكري وقتها حول "تكفير السيسي"!
قناة الشرق: تيار رجال الأعمال
هناك قطاع عريض من رجال الأعمال المحسوبين على جماعة الإخوان ممن تضرر من أحداث الثالث من يوليو، من هؤلاء الدكتور باسم خفاجي الذي أطلق قناة الشرق كأحد ألوية الدفاع عن "الشرعية المغتصبة" في مصر، وطوال أشهر عديدة حاول الرجل أن يتصدر المشهد الثوري وأن يقدم نفسه زعيماً ومرجعية فكرية للحراك الثوري! ووصلت ذروة المحاولات تلك في ذكرى 25 يناير الماضي، حيث أراد أن يعطي انطباعاً أنه مفجر الثورة الجديدة!
ولأن المشروع فشل والعملية "مبقتش جايبه همها" -كما نقول في مصر- ماتت القناة سريعاً كطفل لم يكتمل نموه، وحاولت إدارة القناة انتشالها من الغرق بمزاد سخيف بيعت فيه أسهم القناة للجمهور في عملية يشوبها الكثير من التساؤلات، ثم ما لبثت شاشة القناة أن أظلمت مرة أخرى، لتتلقفها يد رجل أعمال آخر بنكهة سياسية وهو الدكتور أيمن نور زعيم حزب غد الثورة، وستسفر الأيام عن السياسة الإعلامية الجديدة للقناة في ظل مالكها الجديد الذي يملك ولا شك تاريخاً سياسياً حافلاً.
الشاهد من كل ما سبق، أن الإخوان بتياراتها المختلفة ومنصاتها الإعلامية لم تستطع أن تصل للناس، أو أن تقدم لهم بديلاً ما يعري ممارسات السلطة في مصر، بل نجحت بامتياز أن تجعل من برامجها حوار طرشان، مشاهدوه ومقدموه من نفس التيار! فإذا ما أغلقت قناة أو عادت للحياة لم يتأثر سوى مؤيدو الشرعية ومن يدور في فلكهم.
واستطاعت تلك القنوات للأسف أن تسحب رصيد الثقة من قطاع عريض من جمهورها بترويج أخبار كاذبة أو بيانات معدومة المصدر أو تهويل بعض الأحداث الجارية في مصر، فانصرف قطاع عريض من جمهورها عن مشاهدتها.
المشكلة "فين"؟
لم يكن المال يوماً عائقاً أمام الرسالة الإعلامية، و"السوشيال ميديا" خير شاهد على ذلك، وفي ظني أن المال لدى الإخوان متوفر ولا أدل على ذلك من فتح أربع قنوات فضائية وليس قناة واحدة، لكن العقلية التي تدير هي العقبة الكؤود.
فالرسالة الإعلامية التي تخرج من تلك الشاشات مكبلة تارة بمصالح التنظيم، وتارة أخرى برغبة السيطرة وتصدر المشهد، أو محملة برؤية أيديولوجية راديكالية ترغب في أن تفرض نفسها، كل تلك القيود جعلت الرسالة الإعلامية مسمومة أو مشوهة، فاقدة للمصداقية، فأضحت رصاصة طائشة في الهواء لا تقتل عدواً، ولا تحقق هدفاً.
الحل "إيه"؟!
لايوجد إعلام بدون "أجندة".. هكذا قالها لي أحد أساتذتي في كلية الإعلام، فذلك الإعلام العذري لا مكان له إلا في مخيلة الحالمين، لكن هناك مبادئ تحكم صناعة الإعلام، وهناك استثمار حقيقي في الإعلام، ما ينقص تلك البوصلة الغائبة هو الإرادة! إرادة تضخ المال لبناء مؤسسة إعلامية قوية تبني الوعي، وتستطيع أن تنافس عشرات المؤسسات التي ترتع في المال الحرام وتعمل على إضلال الناس ليل نهار، مؤسسة لا تُدار على أنها ذراع إعلامي لجماعة ما، بل سلاح للحقيقية، وصرح للمبادئ.
(مصر)