وتبيّن من القرار أن الشاهد لم يسمّ وزيرين جديدين للحقيبتين، بل كلّف من يواصل إدارتهما مؤقتاً إلى حين إجراء تعديل وزاري، بوشر الحديث عنه منذ فترة، لكن المفاجئ هو توقيت القرار ومضمونه وصيغته، كونه تمّ الإعلان عنه مساء الأحد، بعد مواجهات في سيدي بوزيد ليوم كامل مع خلية إرهابية، تابعها الشاهد بنفسه من إحدى الثكنات العسكرية. كما جاء الإعلان بعد أحداث عنف شهدتها مباراة الترجي والأفريقي في الدوري التونسي لكرة القدم، دفعت إلى عقد اجتماع عاجل في وزارة الرياضة ليلاً، لاتخاذ قرارات تأديبية.
في هذا السياق، بدا وكأن عوامل عدة تدخلت بشكل حاسم في هذه القضية، خصوصاً بما يتعلق بوزير التعليم ناجي جلّول، الذي تأكد منذ فترة أنه سيغادر الوزارة، ولكن الشاهد كان يردد باستمرار أنه سيتخذ هذا القرار بمفرده. غير أن الشاهد، مدركاً أن إدارات وزارة التربية قادرة على إنجاز الامتحانات القريبة في ظروف معقولة، رجَّح الحسابات السياسية على التقنية، خصوصاً أن جلّول، الذي كان عالماً بخبر إبعاده عن الوزارة، أكد أنه لن يبقى في الحكومة إذا تمّ إبعاده عن وزارة التعليم، وهو ما سيدفع بالشاهد إلى وضعية صعبة بين النقابات التي تطالب برأسه من ناحية، وبين إبقائه على رأس الوزارة من ناحية أخرى. ولكن الشاهد الذي عرف بأنه شديد الحساسية لهكذا تصريحات، لم يتردد في إقالة جلّول، تماماً كما فعل مع الوزير القوي، عبيد البريكي منذ فترة، وأراد أن يثبت للجميع مرة أخرى أنه صاحب القرار الأول والأخير بما يتعلق بإدارة حكومته.
وأتت إقالة جلّول ليلة الاحتفال بعيد العمال، هدية كبيرة للاتحاد العام التونسي للشغل، تحديداً لأمينه العام، نور الدين الطبوبي، الذي لم يبخل بدعم الشاهد في محنه الأخيرة، وتمكن من إلغاء الإضرابات التي أعلنت عنها نقابات التعليم، وروّض نقابات التعليم التي جعلت من إقالة جلّول هدفاً وحيداً لها. واعتُبرت إقالة جلّول إشارة قوية للقواعد النقابية بأن الطبوبي قادر أيضاً على فرض شروطه على الحكومة، ولكن بأسلوب هادئ ومختلف عن سلفه، حسين العباسي، وربما تمتّن هذه الإقالة أكثر من علاقة الشاهد بالطبوبي، في وقت يحتاج فيه الأول لحليف قوي.
وفي سياق التعديل الوزاري، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنه "سيشمل حقائب متعددة، جرى تقييم وزرائها منذ فترة، وتمّت فيها مناقشات عديدة مع الحلفاء في الحكم، وحولها خلافات عديدة، كانت ستشمل وزارة المالية والتعليم بكل الأحوال، بسبب خلافات مرتبطة بالتعليم. ولكن لم يكن مطروحاً أن يغادر جلّول الحكومة، وكان يفترض أن يتولى حقيبة أخرى، كالتعليم العالي أو الثقافة، ويبدو أن ذلك عُرض عليه بالفعل ولكنه رفض الابتعاد عن حقيبة التعليم".
وأضافت المصادر أن "التعديل يشمل وزارة الصناعة والتجارة، فيتم الفصل بينهما لتعودا إلى ما كانتا عليه، بالإضافة إلى أن هناك تقييماً سلبياً لعمل وزراء الشباب والرياضة، والطاقة، والنقل". لكن اللافت هو أن المصادر تحدثت أيضاً عن إمكانية أن يشمل التعديل وزارة الداخلية، بسبب ما سمّته "بروداً بين الشاهد ووزير داخليته، الهادي مجدوب" منذ شهرين تقريباً. وتحدثت عن إمكانية عودة أحد أبناء الداخلية على رأس الوزارة، ولكن مراقبين استبعدوا ذلك، خصوصاً بعد النجاحات المتتالية التي حققتها القوات الأمنية في الفترة الأخيرة، والاستعدادات لفصل الامتحانات والصيف والسياحة. وفي وقتٍ رجّحت بعض المصادر حصول التعديل هذا الأسبوع، جاء تعيين الشاهد لوزيرين مؤقتين، ليقود إلى الاستنتاج بأن هذا القرار سيتأجل إلى شهر يوليو/ تموز المقبل، بعد شهر رمضان وبعد انتهاء الامتحانات.