تحول كثير من القاعات السينمائية الشهيرة في كبريات المدن في المغرب، بعضها يعتبر مباني تاريخية لكونها تعود إلى عقود عديدة مضت، أو لأنها ترمز إلى أحداث معروفة، "تحولت" إلى مبانٍ خاصة، اقتناها أثرياء بغرض تشييد عمارات مكانها، أو فتح محلات تجارية راقية، وفي أحسن الأحوال تحويلها إلى مكتبات وأكشاك.
ونتيجةً لذلك، فإن عددًا من المهرجانات السينمائية المقامة في المملكة، ينظم في فضاءات أخرى، مثل المهرجان الدولي للفيلم الذي يُنظم في قصر المؤتمرات في مراكش، بينما ما زالت مهرجانات أخرى، تُعقد في قاعات سينمائية محلية، مثل مهرجان سينما المرأة في قاعة "هوليوود" بمدينة سلا.
هنا.. كانت سينما
اختفت في الرباط العديد من القاعات السينمائية الشهيرة، التي وسمت حياة أجيال كثيرة من سكان المدينة، مثل سينما "موريتانيا" الكائنة في أحد أعرق الأحياء التاريخية في الرباط، وقاعتي "الصحراء" و"الحمراء" بحي العكاري الشعبي. وتحولت القاعة السينمائية "مارينيون" وسط الرباط إلى محلات تجارية، وسينما "كوليزي" إلى مكتبة حديثة. وأما سينما "أكدال" في حي أكدال الحديث، فتحولت إلى عمارة سكنية بعدما اقتنى الصالة، التي لم تعد توفر لمالكها موارد مالية كافية، مستثمرٌ حولها إلى شقق إسمنتية.
وفي الدار البيضاء، تحولت سينما "شهرزاد"، التي كانت في زمن مضى مكانًا يتجمع فيه الشباب من الحركة الوطنية يخططون لمواجهة الاستعمار الفرنسي، إلى فضاء مهجور، بات يسيل لعاب العديد من المستثمرين الذين يطمحون إلى تحويلها إلى محلات تجارية، أو عمارة سكنية.
قاعة "الشعب" السينمائية بحي المدينة القديمة، بمحاذاة المعرض الدولي للكتاب، تحولت أيضًا إلى عمارة، بينما تحولت سينما " الزهراء" إلى شركة لحفلات الزفاف. وأغلقت قاعات "كواكب" و"المامونية" و"الأوبرا" أبوابها.
وفي مدينة تطوان شمال البلاد لم تعد سينما "فيكتوريا"، التي تعود إلى مرحلة الاستعمار الإسباني لمنطقة الشمال المغربي، وشيّدها المهندس الاسباني الشهير "كارلوس أفيلو"، كما كانت من قبل؛ فضاءً معماريًا أنيقًا، بل طاولها غبار الإهمال والنسيان، وصارت معروضة للبيع، بهدف تحويلها إلى عمارة سكنية.
اقرأ أيضًا: المغرب يجذب صنّاع السينما العالمية
وتحولت قاعة "المنصور" السينمائية وسط مدينة تطوان إلى عمارة سكنية. وفي سلا، أغلقت سينما "النصر" أبوابها، وصارت مكانًا مُهْملًا لا حياة فيه، يلجأ إليه المنحرفون وأطفال الشوارع.
في الجنوب، وتحديدًا في مدينة أغادير، لا حديث سوى عن سينما "السلام" الشهيرة، باعتبارها البناء الوحيد الذي صمد أمام الزلزال المدمر الذي قتل آلاف الناس في 29 فبراير/شباط 1960. حين خرج وقتها رواد السينما فزعين، وجدوا آلاف الجثث ومئات البنايات مهدمة، باستثناء الصالة السينمائية التي بقيت على حالها لم يمسها سوء. إلا أن هذا لم يشفع لها على ما يبدو، إذ إنها في طور التحول إلى مشروع سكني بعدما دكتها جرارات مستثمرين يفضلون العقار على الفن.
غواية المال
عبد الحميد الزويني، مالك مشروع سكني أُنشئ على أنقاض قاعة سينمائية في الدار البيضاء، قال لـ"ملحق الثقافة"، إنه رجل أعمال ويستثمر في المشاريع الناجحة. وقد عُرضت عليه قاعة سينمائية ذات حالة يرثى لها، وصار الإنفاق عليها أكثر من مردودها، لذا قرر أن يغامر بتحويلها إلى مشروع يدر عليه الأرباح.
وأوضح الزويني أن الأمر يتعلق بوجهات نظر مختلفة، فأنصار السينما والفنون سيجدون في تحويل صالة سينمائية إلى مشروع استثماري تجاري، نوعًا من اغتيال الحياة، أو إعدامًا لأماكن الفن السابع البلاد. لكن وجهة نظر المستثمرين مختلفة، إذ يرون في الأمر مشاريع ناجحة تدر الأرباح وتنشط الحركية الاقتصادية في البلاد.
من جهته أبدى حسين قولان، مدير قاعة سينمائية في الرباط، تحولت إلى مكان مهجور معروض حاليًا للبيع، في تصريح لـ"ملحق الثقافة" أسفه عما يحصل للقاعات السينمائية في المغرب، إما بإغلاق أبوابها أو تحويلها إلى شقق. وتابع بالقول إن الانخفاض المهول في عدد القاعات السينمائية، التي تكاد لا تصل إلى أربعين، مع تراجع عدد روّادها، يعدّ مؤشرًا خطيرًا لتراجع الحس الذوقي عند المغاربة، حيث صار همّ الكثيرين البحث عن الأرباح المادية، بدل تذوق الفنون.
هذا الشعور بالإحباط نجده نفسه لدى الباحث المتخصص في الجماليات، معاذ بنيس، حيث قال "إن إعدام قاعة سينمائية واحدة في المغرب، يعني من ضمن ما يعنيه وأد مئات الأفكار الخلاقة والمحبة للحياة، وخلق تربة خصبة لظهور الأفكار المتطرفة في خضم سياق إقليمي أمني مضطرب، موسوم بتفشي الجماعات المتشددة".
واعتبر بنيس أن "تحول العديد من القاعات السينمائية إلى مشاريع تجارية، يُظهر تحولًا عميقًا في القيم الجمالية للعديد من المغاربة، حيث باتت هذه التوجهات الجمالية والذوقية تنمحي لترجح كفة الجاه الاجتماعي والجشع الاقتصادي".
وبالنسبة له، فإن المسؤولية ملقاة على الدولة والمواطن في آن واحد، باعتبار أن السلطات الحكومية يتعين عليها أن توقف النزيف الذي يطال القاعات السينمائية، لكون هذه الأخيرة المقياس الذي به يُقاس به حب الحياة والفنون خاصة الفن السابع. وأما المواطن فيجب عليه المبادرة إلى رفض هذا الواقع، والتمسك بصالاته السينمائية لأنها مِلك فني للبلاد".
يبدو أن الحكومة المغربية غير راضية هي الأخرى عن هذا الواقع المزري، الذي يضطر مهرجانات سينمائية دولية لأن تُجرى في فضاءات أخرى غير بيئتها الحقيقية، أي الصالات السينمائية. حيث سبق لوزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، أن وصف اندثار القاعات السينمائية بأنّه "مشكلة تؤرق الجميع".
ونتيجةً لذلك، فإن عددًا من المهرجانات السينمائية المقامة في المملكة، ينظم في فضاءات أخرى، مثل المهرجان الدولي للفيلم الذي يُنظم في قصر المؤتمرات في مراكش، بينما ما زالت مهرجانات أخرى، تُعقد في قاعات سينمائية محلية، مثل مهرجان سينما المرأة في قاعة "هوليوود" بمدينة سلا.
هنا.. كانت سينما
اختفت في الرباط العديد من القاعات السينمائية الشهيرة، التي وسمت حياة أجيال كثيرة من سكان المدينة، مثل سينما "موريتانيا" الكائنة في أحد أعرق الأحياء التاريخية في الرباط، وقاعتي "الصحراء" و"الحمراء" بحي العكاري الشعبي. وتحولت القاعة السينمائية "مارينيون" وسط الرباط إلى محلات تجارية، وسينما "كوليزي" إلى مكتبة حديثة. وأما سينما "أكدال" في حي أكدال الحديث، فتحولت إلى عمارة سكنية بعدما اقتنى الصالة، التي لم تعد توفر لمالكها موارد مالية كافية، مستثمرٌ حولها إلى شقق إسمنتية.
وفي الدار البيضاء، تحولت سينما "شهرزاد"، التي كانت في زمن مضى مكانًا يتجمع فيه الشباب من الحركة الوطنية يخططون لمواجهة الاستعمار الفرنسي، إلى فضاء مهجور، بات يسيل لعاب العديد من المستثمرين الذين يطمحون إلى تحويلها إلى محلات تجارية، أو عمارة سكنية.
قاعة "الشعب" السينمائية بحي المدينة القديمة، بمحاذاة المعرض الدولي للكتاب، تحولت أيضًا إلى عمارة، بينما تحولت سينما " الزهراء" إلى شركة لحفلات الزفاف. وأغلقت قاعات "كواكب" و"المامونية" و"الأوبرا" أبوابها.
وفي مدينة تطوان شمال البلاد لم تعد سينما "فيكتوريا"، التي تعود إلى مرحلة الاستعمار الإسباني لمنطقة الشمال المغربي، وشيّدها المهندس الاسباني الشهير "كارلوس أفيلو"، كما كانت من قبل؛ فضاءً معماريًا أنيقًا، بل طاولها غبار الإهمال والنسيان، وصارت معروضة للبيع، بهدف تحويلها إلى عمارة سكنية.
اقرأ أيضًا: المغرب يجذب صنّاع السينما العالمية
وتحولت قاعة "المنصور" السينمائية وسط مدينة تطوان إلى عمارة سكنية. وفي سلا، أغلقت سينما "النصر" أبوابها، وصارت مكانًا مُهْملًا لا حياة فيه، يلجأ إليه المنحرفون وأطفال الشوارع.
في الجنوب، وتحديدًا في مدينة أغادير، لا حديث سوى عن سينما "السلام" الشهيرة، باعتبارها البناء الوحيد الذي صمد أمام الزلزال المدمر الذي قتل آلاف الناس في 29 فبراير/شباط 1960. حين خرج وقتها رواد السينما فزعين، وجدوا آلاف الجثث ومئات البنايات مهدمة، باستثناء الصالة السينمائية التي بقيت على حالها لم يمسها سوء. إلا أن هذا لم يشفع لها على ما يبدو، إذ إنها في طور التحول إلى مشروع سكني بعدما دكتها جرارات مستثمرين يفضلون العقار على الفن.
غواية المال
عبد الحميد الزويني، مالك مشروع سكني أُنشئ على أنقاض قاعة سينمائية في الدار البيضاء، قال لـ"ملحق الثقافة"، إنه رجل أعمال ويستثمر في المشاريع الناجحة. وقد عُرضت عليه قاعة سينمائية ذات حالة يرثى لها، وصار الإنفاق عليها أكثر من مردودها، لذا قرر أن يغامر بتحويلها إلى مشروع يدر عليه الأرباح.
وأوضح الزويني أن الأمر يتعلق بوجهات نظر مختلفة، فأنصار السينما والفنون سيجدون في تحويل صالة سينمائية إلى مشروع استثماري تجاري، نوعًا من اغتيال الحياة، أو إعدامًا لأماكن الفن السابع البلاد. لكن وجهة نظر المستثمرين مختلفة، إذ يرون في الأمر مشاريع ناجحة تدر الأرباح وتنشط الحركية الاقتصادية في البلاد.
من جهته أبدى حسين قولان، مدير قاعة سينمائية في الرباط، تحولت إلى مكان مهجور معروض حاليًا للبيع، في تصريح لـ"ملحق الثقافة" أسفه عما يحصل للقاعات السينمائية في المغرب، إما بإغلاق أبوابها أو تحويلها إلى شقق. وتابع بالقول إن الانخفاض المهول في عدد القاعات السينمائية، التي تكاد لا تصل إلى أربعين، مع تراجع عدد روّادها، يعدّ مؤشرًا خطيرًا لتراجع الحس الذوقي عند المغاربة، حيث صار همّ الكثيرين البحث عن الأرباح المادية، بدل تذوق الفنون.
هذا الشعور بالإحباط نجده نفسه لدى الباحث المتخصص في الجماليات، معاذ بنيس، حيث قال "إن إعدام قاعة سينمائية واحدة في المغرب، يعني من ضمن ما يعنيه وأد مئات الأفكار الخلاقة والمحبة للحياة، وخلق تربة خصبة لظهور الأفكار المتطرفة في خضم سياق إقليمي أمني مضطرب، موسوم بتفشي الجماعات المتشددة".
واعتبر بنيس أن "تحول العديد من القاعات السينمائية إلى مشاريع تجارية، يُظهر تحولًا عميقًا في القيم الجمالية للعديد من المغاربة، حيث باتت هذه التوجهات الجمالية والذوقية تنمحي لترجح كفة الجاه الاجتماعي والجشع الاقتصادي".
وبالنسبة له، فإن المسؤولية ملقاة على الدولة والمواطن في آن واحد، باعتبار أن السلطات الحكومية يتعين عليها أن توقف النزيف الذي يطال القاعات السينمائية، لكون هذه الأخيرة المقياس الذي به يُقاس به حب الحياة والفنون خاصة الفن السابع. وأما المواطن فيجب عليه المبادرة إلى رفض هذا الواقع، والتمسك بصالاته السينمائية لأنها مِلك فني للبلاد".
يبدو أن الحكومة المغربية غير راضية هي الأخرى عن هذا الواقع المزري، الذي يضطر مهرجانات سينمائية دولية لأن تُجرى في فضاءات أخرى غير بيئتها الحقيقية، أي الصالات السينمائية. حيث سبق لوزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، أن وصف اندثار القاعات السينمائية بأنّه "مشكلة تؤرق الجميع".