يترقب الأفغان جهود المصالحة الأفغانية، تحديداً الحوار بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان"، كونهما اللاعبين الأساسيين في أفغانستان، رغم الجمود السائد حالياً في جولات الحوار بين الطرفين في العاصمة القطرية الدوحة. كما انعكس تهميش الحكومة الأفغانية في هذا الحوار، بصورة سيئة على جهود المصالحة ومدى نجاعتها. مع ذلك، فإنه تمّ تسجيل خطوة أخيرة بين الحكومة و"طالبان". في هذا السياق، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف غني قبل أيام عن نيته بإطلاق سراح 887 سجيناً من "طالبان"، وقد تم إطلاق سراح أكثر من 400 منهم حتى الآن. وفُسّرت الخطوة بطرق مختلفة. المعارضون للرئيس الأفغاني اعتبروها "تنازلاً ومساومة" لصالح الحركة، التي لا تعترف بالحكومة ولا تؤيد الحوار معها، وأن عملية إطلاق السراح حصلت بسبب ضغوط أميركية، بعد موافقة واشنطن على هذا الأمر مع "طالبان" خلال الجولة السادسة الأخيرة من الحوار في الدوحة في مايو/أيار الماضي، مؤكدين أنه حصل قبل الجولة المقبلة (المقررة نهاية يونيو/حزيران الحالي) بغية منح الحوار بين الطرفين في المستقبل دفعاً إيجابياً.
في المقابل، اعتبرت الحكومة أن الخطوة جاءت كبادرة حسن النية وأنها تثبت أن الحكومة جادة في العمل من أجل المصالحة وفي الوصول إلى حل ما مع "طالبان". وقال المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية، هارون جغانسوري، إن "الخطوة تثبت موقف الحكومة المرن حيال المصالحة، وتؤكد أنها مستعدة لأن تعمل مع جميع الجهات وفي كل المجالات للوصول إلى حل نهائي للمعضلة التي تزهق أرواح الأفغان بلا هوادة".
وأضافت شينوراي أن "الأمر يثبت أيضاً الموقف الإيجابي والنية الصادقة للحكومة الأفغانية، إذ أبدت استعدادها لدفع الثمن من أجل المصالحة، وبدأت تفعل ذلك بإطلاق سراح معتقلي طالبان"، مشددة على "ضرورة أن تغيّر طالبان موقفها حيال الحكومة وحيال المصالحة، لأن في المصالحة لا بد من العمل على قاعدة الأخذ والعطاء، ولا بد من المرونة".
في المقابل، ثمة من يرى أن الأمر يحصل وفق توافقات سرية بين الحكومة و"طالبان"، وأن هناك تحسناً في العلاقات بين الحكومة وبعض قيادات طالبان، التي بدأت تتحرك داخل صف الحركة من أجل تغيير موقفها حيال الحكومة". وهذا ما أشارت إليه تصريحات مستشار الأمن القومي الأفغاني، حمد الله محب، التي أتت ضمن حوار مفصل له مع قناة "طلوع" المحلية الأسبوع الماضي. وقال محب "بصراحة هناك علاقات وارتباطات بين الحكومة وطالبان، وهذا ما تعوّل عليه الحكومة كثيراً"، لافتاً إلى أن "الحكومة ليست قلقة الآن حيال المباحثات بين طالبان والولايات المتحدة، وأن هناك تفاهماً في القضية". ويبدو أن الحكومة الأفغانية تسعى من خلال إطلاق سراح المعتقلين، إلى تمتين موقف قياديي "طالبان" المؤيدين للحوار مع الحكومة، باعتقاد أن التوافق بين الأفغان سينتج انسحاب القوات الأجنبية.
في غضون ذلك، فرّ أحد أبرز القادة الميدانيين في "طالبان" من سجن المخابرات الأفغانية في كابول، وهو القيادي صلاح الدين أيوبي، أحد الوجوه المشهورة في شمال أفغانستان. وأعلنت الحركة أن "أيوبي فرّ ووصل إلى صفوف الحركة سالماً معافى"، في ظلّ صمت الحكومة. ورأى البعض أن الأمر نتيجة ما يحصل من توافقات سريّة بين الطرفين.
شعبياً، لاقى قرار الحكومة الإفراج عن معتقلي "طالبان" ترحيباً كبيراً، رغم انتقادات السياسيين. كما أن الحركة نفسها رحبت بالخطوة. وقال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، إن "طالبان دائماً تتعامل بصورة حسنة مع المعتقلين لديها، وأنها كانت تطلب من الحكومة التعامل بالمثل".
كما تبدلت بيانات وزارتي الدفاع والداخلية حول عمليات كسر السجون والإفراج عن المعتقلين المنتسبين لـ"طالبان"، من دون وقوع خسائر في الأرواح، وباتت عمليات الإفراج سلمية، كما أن "طالبان" أفرجت عن حوالي 400 شخص كانوا في سجونها، معظمهم من عناصر الجيش والشرطة. وسط هذه التطورات الداخلية، برز تحول في العلاقات الباكستانية الأفغانية، عبر زيارة مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب إلى باكستان، واجتماعه الأهم برئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال جاويد قمر باجوه، ومناقشاته المفصلة معه في 30 مايو/أيار الماضي بداية لانطلاقة جديدة في العلاقات بين الدولتين. وبعد تلك الزيارة، دارت مباحثات ثنائية على مستوى وزارة الخارجية في الدولتين من أجل العمل على خطة عمل مشتركة لإحلال الأمن في الدولتين، وفي المنطقة بأسرها. كما يتوقع أن يزور الرئيس الأفغاني أشرف غني باكستان في 27 يونيو الحالي.