إطلاق سراح المعتقلين في السودان: ماذا تريد الحكومة؟

12 ابريل 2018
أفرجت الحكومة في فبراير الماضي عن 80 معتقلاً(فرانس برس)
+ الخط -
أطلقت السلطات السودانية، أول من أمس الثلاثاء، سراح نحو 50 معتقلاً سياسياً، وذلك بناء على قرار جمهوري أصدره الرئيس السوداني عمر البشير، وهو القرار الذي لم يكن مفاجئاً للساحة السياسية السودانية، نتيجة لإشارات عديدة سبقته، لكنه حمل الكثير من التفسيرات حول دوافعه.

وطبقاً للقرار الرئاسي، فإن الخطوة الأخيرة بإطلاق سراح المعتقلين، جاءت "استجابة لمناشدة وجهتها يوم الاثنين الماضي، أحزاب مشاركة في الحكومة، لرئيس الجمهورية، من أجل إطلاق سراح المعتقلين لتهيئة الأجواء أمام حوار وطني شامل حول الدستور". وأكدت الرئاسة أنّ الإجراء "يأتي تعزيزاً لروح الوفاق والوئام الوطني والسلام التي أفرزها الحوار الوطني بشقيه السياسي والمجتمعي، ولإنجاح وتهيئة الأجواء الإيجابية في ساحة العمل الوطني، بما يفتح الباب لمشاركة جميع القوى السياسية في التشاور حول القضايا الوطنية ومتطلبات المرحلة المقبلة، وخطوات إعداد الدستور الدائم للبلاد".

وكانت أحزاب المعارضة قد نظّمت في يناير/كانون الثاني الماضي تظاهرات سلمية في عدد من المدن السودانية، عقب المصادقة على الموازنة العامة للدولة، إذ رفضت ما اعتبرته "أعباء إضافية على كاهل المواطن السوداني"، قبل أن ترفع سقف مطالبها بالدعوة إلى "إسقاط النظام". وقابلت السلطات السودانية تلك التظاهرات بالقوة، وباعتقال العشرات من القيادات والأطر الحزبية، قبل أن تفرج في فبراير/شباط الماضي عن نحو 80 معتقلاً، وتبقي على عدد آخر منهم رهن الاعتقال لمدة اقتربت من ثلاثة أشهر.

ويُعدّ السكرتير العام للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، وعضو اللجنة المركزية للحزب صدقي كبلو، ونائب رئيس حزب المؤتمر السوداني خالد يوسف، والشاعر عبد الغني كرم الله، والفنان عبد اللطيف عبد الغني، الشهير بوردي الصغير، أبرز من أُفرج عنهم الثلاثاء الماضي.


واختلفت التفسيرات حول دوافع ومبررات خطوة الحكومة السودانية بالتصالح مع أحزاب المعارضة والإفراج عن المعتقلين، وتغيير لغة خطابها تجاه هذه الأحزاب من خطاب حاد وعنيف إلى خطاب لين ومتصالح، بل وبالذهاب أبعد من ذلك، عبر دعوتها لأن تكون جزءاً من الُلعبة السياسية خلال الفترة المقبلة.

ويرى بعض المراقبين أنّ الخرطوم استبقت بخطوتها تلك، زيارة متوقّعة لخبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، أريستيد نونوسي، السبت المقبل، لتقييم تنفيذ التوصيات المقدّمة إلى الحكومة في إطار تطبيق آليات حقوق الإنسان الدولية. ويرى هؤلاء المراقبون أنه "لم يكن هناك من خيار أمام الحكومة، إذ أنه لا يمكنها الجلوس والتفاوض مع نونوسي، وخلف القضبان عشرات المعتقلين، لم يقدموا للمحاكمة بعد احتجاز دام نحو ثلاثة أشهر"، لا سيّما أنّ نونوسي سيقدّم أيضاً نتائج زيارته وتوصياتها إلى "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل.

وكان نونوسي قال قبل الزيارة إنه يريد الاطلاع على الإجراءات التي اتخذتها الخرطوم، لإصلاح الإطار القانوني الحالي الخاص بحقوق الانسان، والذي قال إنه ينتهك الحقوق السياسية والمدنية والحريات الأساسية.

أمّا المفرج عنهم من القيادات السياسية، فلهم تفسير آخر. ويرى هؤلاء أنّ ضغوط أحزابهم وأسرهم بالإضافة إلى ضغوط المجتمع المدني والمجتمع الدولي، هي التي دفعت الحكومة لاتخاذ قرار الإفراج عنهم.

وفي هذا الإطار، يقول عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، صدقي كبلو، وهو أحد المفرج عنهم، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا يمكن وصف إطلاق سراح المعتقلين بأنه منحة من النظام، بل هي خطوة جاءت نتيجة ضغوط كثيفة داخلية وخارجية تعرّضت لها الحكومة"، مشيراً إلى أنه شخصياً وجد "مساندة ودعم من نحو 22 برلمانياً بريطانياً دفعوا بمذكرة لوزير الخارجية البريطاني تحثّه على التدخّل لإطلاق سراحي بعد أن بلغت السبعين من العمر"، هذا فضلاً عن مطالبات أخرى متعلقة بكل المعتقلين، من البرلمان الأوروبي والكونغرس الأميركي ومنظمات حقوقية دولية، إضافة للاعتصامات الأخرى التي نفذتها أسر المعتقلين والتي وجّهت أيضاً مذكرات للنائب العام وللمجلس الوطني (البرلمان)، وجهات أخرى.

كذلك، يلفت كبلو إلى عامل آخر ساهم في إطلاق سراح المعتقلين، يتعلّق، بحسب تقديره، "بالصراع الداخلي بين الحكومة والحزب الحاكم"، مشيراً إلى "وجود تيار يسعى إلى تصفية تيار آخر، وبالتالي يحتاج لهدنة مع الأطراف الأخرى".


لكن الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، عمر باسان، ينفي كل تلك التفسيرات، ويعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن قرار إطلاق سراح المعتقلين "يمثّل خطوة مهمة في بداية المرحلة الثانية من الحوار الوطني الشامل، والتي ستركّز على إعداد دستور دائم للبلاد. كما أن القرار صدر استجابة لمناشدة أحزاب سياسية كثيرة للرئيس البشير لإطلاق سراح المعتقلين، على اعتبار أن ذلك سيكون بادرة طيبة وحسن نية في سبيل إكمال مشروع الحوار الوطني، بصورة تتيح للجميع، بما في ذلك الحركات المسلحة والأحزاب الرافضة للحوار، في إدارة شؤون الحكم، بما يحفظ للبلاد استقرارها".

ويوضح باسان أن الجهات المختصة تعكف هذه الأيام على تحديد الجهات التي ستشارك في المرحلة الثانية من الحوار الوطني، على أن تبدأ اتصالات أولية مع الأحزاب، ثمّ يعقب ذلك الإعلان عن أسماء أعضاء اللجنة العليا التي ستتكلّف بإعداد الدستور الدائم، والتي ستضم ممثلين عن الأحزاب وشخصيات قومية وشباب وطلاب "خصوصاً أن الدستور سيخاطب قضايا المستقبل".

كذلك، ينفي باسان أن يكون الهدف من الحوار الوطني وإعداد دستور دائم للبلاد، هو فقط، تعبيد الطريق أمام البشير من أجل الترشّح لدورة رئاسية جديدة عام 2020، وذلك عبر تعديل الدستور الذي يحرمه ذلك الحق، بعد ترشحه وفوزه لأكثر من دورة رئاسية. ويوضح أنّ "حزب المؤتمر الوطني يمتلك أغلبية مطلقة في البرلمان وبإمكانه إجراء التعديل الدستوري بكل سهولة ويسر، لكن الحزب أراد أن يشرك أحزاب الحوار الوطني وجمعياتهم العمومية في القرار، من خلال المساهمة بإعداد الدستور وتحديد زمن إقراره سواء قبل الانتخابات أو بعدها".

وقبل أيام، عقد مدير جهاز الأمن والاستخبارات الوطني، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، اجتماعاً داخل المعتقل مع قيادات الحزب الشيوعي السوداني، تعهد فيه، بحسب بيان صادر عن الحزب، "بالعمل على إتاحة الفرصة للجميع للمشاركة في حلّ أزمة البلاد عبر حوار يتم في أجواء ديمقراطية". وجاء الاجتماع في وقت ترفع فيه الحكومة شعارات قوية في مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي.


وفي هذا الشأن، يقول كبلو إنه "لا يمكننا الحكم على النوايا في التعامل مع دعوات الإصلاح التي ترفعها الحكومة والتي أوضحها لنا مدير جهاز الأمن، ولن نحكم على ذلك قبل أن نرى النتائج على أرض الواقع"، مؤكداً أن "أي عملية إصلاح سياسي أو اقتصادي أو حرب على الفساد، لن تنجح إلاّ عبر نظام للحريات والديمقراطية والعدالة والشفافية". ويشير إلى أنهم أبلغوا قوش بأنّ حزبهم "لا يرمي الحكومة بالحجارة، إنّما يقدم برامج يمكن أن تحلّ المشكلات والمعضلات التي تواجه الوطن والشعب من جراء سياسات النظام، بما في ذلك قضايا الحرب والسلام".

إلى ذلك، يرى رئيس تحرير صحيفة "مصادر" السياسية، عبد الماجد عبد الحميد، أنّ "الخسائر الناجمة عن اعتقال قادة الأحزاب أكبر من المكاسب التي حققها قرار الإفراج عنهم"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن البلاد "بحاجة لواقع سياسي جديد تنتفي فيه كل ظروف مصادرة الحريات والحقوق". ويعبّر عبد الحميد عن خيبة أمله، نتيجة التفكير في إعداد دستور دائم للبلاد بعد عقود ومن الاستقلال، مشيراً إلى أنّ ذلك "يمثّل مسؤولية تتحملها الحكومة والأحزاب والقوى السياسية كافة". ويشدّد عبد الحميد على "ضرورة إقرار الدستور المقبل بتوافق تام وبتنازلات كبيرة يجب أن يقدمها الجميع، حتى يجعل هذا الدستور من الاعتقالات الأخيرة، آخر الاعتقالات السياسية في السودان".