إضراب النفط في الكويت..نهاية غامضة وعودة للمربع الأول

21 ابريل 2016
جانب من إضراب عمال النفط في الكويت (Getty)
+ الخط -

عادت مطالب عمال النفط في الكويت إلى نقطة البداية. وعاد قادة نقاباتهم إلى التفاوض من جديد مع الحكومة بعد نهاية مفاجئة وغامضة إلى حد كبير لإضراب عمالي غير مسبوق في دولة خليجية دام ثلاثة أيام.

وكان هدف الإضراب، الذي نظمه اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات في الكويت هو الضغط على الحكومة من أجل استثناء عمال النفط من مشروع قانون "البديل الاستراتيجي".

وترغب الحكومة في تطبيق هذا القانون على جميع العاملين في الدولة من أجل تحقيق "العدالة" وترشيد الإنفاق، بينما ترى فيه النقابات النفطية انتقاصا من حقوق أعضائها المالية ومزاياهم الوظيفية.

وقبل نحو خمس ساعات من إعلان إنهاء الإضراب، دعا الاتحاد لمؤتمر صحافي، مساء الثلاثاء الماضي، احتشد فيه عشرات الصحافيين والإعلاميين وسط آلاف من العمال المضربين في مقر الاتحاد بمدينة الأحمدي، حيث ترقب الجميع خبرا وصفته قيادات العمال بأنه "مهم للغاية وحاسم" بشأن الإضراب.

وكانت المفاجأة أن يعلن المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، فرحان العجمي، استمرار الاضراب حتى تحقيق جميع مطالب العمال في لهجة حماسية ووسط صيحات التأييد من آلاف العمال الغاضبين الذين ظلوا يرددون عبارات: "لن نساوم .. لن نساوم" و"مستمرين .. مستمرين".

وقال العجمي إن "الإلغاء مرتبط بإلغاء القرارات الصادرة من مؤسسة البترول، التي انتزعت الحقوق المكتسبة للعمال واستثناء القطاع النفطي من "البديل الاستراتيجي"، ثم العودة إلى طاولة المفاوضات".

وخلال المؤتمر الصحافي تلا سيف القحطاني، رئيس الاتحاد، بيانا رد فيه على بيان لمجلس الوزراء صدر في وقت سابق من يوم الخميس، وفند فيه ما اعتبره تهديدا من الحكومة للعمال المضربين، مؤكدا في لهجة لا تخلو من تحد أن الاتحاد "سوف يتخذ كافة الإجراءات ضد أي ظلم يقع على العامل، وضد أي مسؤول يخالف نصوص القانون".

وفي الليلة ذاتها، وعقب المؤتمر الصحافي، قال وزير النفط الكويتي بالوكالة، أنس الصالح، في مقابلة تلفزيونية إنه لن يجلس إلى طاولة المفاوضات مع النقابات النفطية في ظل الإضراب، مؤكدا أن الإضراب يجب أن يتوقف أولا، ثم تبدأ المفاوضات.

وبعث المؤتمر الصحافي الجماهيري للاتحاد وتصريحات الوزير رسالة للجميع مفادها بأن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود.

لكن فجأة خرج رئيس اتحاد عمال البترول، سيف القحطاني، في منتصف الليل تقريبا، ليعلن عبر موقع "تويتر" عن إنهاء الإضراب "إكراما لمقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى".

وأوحى بيان القحطاني بأن الأمر تم بترتيب وتنسيق مع الديوان الأميري، وعزز من هذا التوجه بعض مقاطع الفيديو، التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، ويشير فيها قادة الإضراب إلى وعد من مدير مكتب أمير الكويت بتحقيق مطالب النقابات في حال إنهاء الإضراب".


إلا أن الديوان الأميري سارع بعد ساعات قليلة لنفي حدوث أي اتصال بين مدير مكتب الأمير وقادة النقابات، وهو ما زاد الأمر غموضا وتعقيدا.

ونقلت ثلاث صحف كويتية، اليوم، عن مصادر لم تذكرها أن أحد أعضاء الأسرة الحاكمة نقل رسالة ادعى أنها من مدير مكتب أمير الكويت إلى قيادات العمال وحمل مضمونها "الموافقة على مطالبهم شريطة إعلان فض الإضراب، وبناء على ذلك اتخذ قرار العودة عن الإضراب".

وقالت صحيفة "الرأي" الكويتية إن "الشيخ المذكور تلقى لوما شديد اللهجة على فعلته مقرونا بإجراءات سيتخذها مجلس الأسرة الحاكمة في حقه".

ووجدت قيادات العمال نفسها في مرمى العمال مع اتساع رقعة النقد في مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما موقع تويتر شديد الانتشار في الكويت.

والتقى اتحاد عمال البترول والنقابات النفطية، اليوم، رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ جابر المبارك الصباح، الذي قالت وكالة الأنباء الكويتية إنه "استجاب" لطلب هذه القيادات "وناقش سموه مع الحضور الآثار السلبية المترتبة على الإضراب وتعطيل الإنتاج".

وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة لن تستجيب لأي مطالب "تحت الضغط"، وأنه "لا سبيل لفرض الرأي مهما كانت حجته ومبرراته" في إشارة إلى مطالب النقابات.

بيان رئيس الوزراء تلاه بيان آخر من الاتحاد قال فيه إنه "يثمن هذا اللقاء الأبوي، وإننا على ثقة كاملة بحرص سموه على رعاية حقوق ومطالب أبنائه من الطبقة العاملة".

ولم يرق بيان الاتحاد لكثير لمن شاركوا في الإضراب، حيث وجه أحد الذين شاركوا في الاحتجاج اللوم للاتحاد على إنهاء الإضراب بدون الحصول على ضمانات مكتوبة.

وقال أبو خالد: "لقد أنهوا الإضراب من دون الحصول على توقيع رسمي (حكومي) بالاستجابة للمطالب، وبدون جمعية عمومية لاتحاد النقابات، وبدون أن يأخذوا حتى رأي العمال".

وأضاف مخاطبا رئيس الاتحاد: "أنت تعلن الإضراب في جمعية عمومية ثم تنهيه بكيفك.. هذا لا يجوز. هناك استياء بين العمال، وما زال مستمرا حول طريقة إنهاء الإضراب".

واشتعل موقع تويتر بتغريدات ساخنة مثل: "انتقل إلى رحمة الله تعالى اتحاد عمال البترول والعزاء في تويتر"، و"بيان ضعيف لا يرتقي للحدث، وأقسم بالله أنكم خذلتونا.. وإن دعيت لإضراب ثاني ما راح استجيب".

وكتب آخر على تويتر يقول: "ست ساعات من الانتظار لهذا البيان الهزيل الذي لا يحمل في طياته أي حق من حقوق إخوانكم العاملين الذين وثقوا بكم ثقة عمياء .. يا للأسف!"

وقال فيصل بو صليب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، إن من الواضح أن مطالب العمال لم تتحقق، معتبرا أن إيقاف الإضراب يمكن أن يساعد على الوصول إلى حل وسط مع الحكومة التي وصف موقفها بأنه كان "ثابتا" بعدم التفاوض في ظل الإضراب.

وأضاف: "العمال حققوا هدفا رئيسيا وهو إيصال رسالة بأنهم قادرون على توصيل صوتهم بشكل فاعل".

وتابع: "إذا كان العمال يريدون أن يصلوا إلى تسوية عليهم أن يكونوا براغماتيين.. السلطات في كل دول العالم لا تحب ليّ ذراعها.. إنها مسألة نفسية للأنظمة، وخصوصا في دولنا العربية.. النظم لا تحب أن تظهر بأنها خضعت لإضراب هنا أو اعتصام هناك، لأن هذا يشجع على تحدي قرارات الحكومة".

واعتبر بو صليب أن الحكومة أصبحت قادرة بشكل أكبر على تطبيق قراراتها بعد انتهاء الإضراب.

وأشار إلى أن هذا الأمر "تكرر في قضايا مختلفة، منها قضايا غير شعبية.. واضح أن من يتسيد المشهد السياسي في الدولة حاليا هو السلطة التنفيذية مع تراجع السلطة التشريعية وقدرتها على معارضة السلطة التنفيذية".


المساهمون