يبني علم الاقتصاد الجزئي نظرياته على افتراض وجود كائن يُدعى "الإنسان الاقتصادي"، يجري قياس تصرفاته ووضع نماذج رياضية على ضوئها. من صفات هذا الكائن أنه يستهلك (أو يُنتج) مادّة، إلى أن يبلغ نقطة تسمّى الإشباع، ليبدأ بعدها استهلاكُه نفس المادة بالتراجع.
حال الرواية العربية، يمكن أن يُقاس على مفهوم الإشباع الاقتصادي. منتصف القرن العشرين، كان هناك "جوع" عربي واضح لهذا الشكل الأدبي. بمرور عقود قليلة، ظهر تراكم لافت، وصولاً إلى ظهور مقولة "الرواية ديوان العرب الجديد" نهاية القرن. لكأنها كانت أوّل إشارة إلى هذا الإشباع، وقد صدقت إلى حد كبير، فتضخّمت المدوّنة الروائية وتنوّعت الأشكال، إضافة إلى تكاثر الترجمات الروائية.
نكاد نقول، إننا، اليوم، على عتبات الإشباع الروائي، لكن لا يبدو أن هناك من يريد أن يرى النتيجة المقابلة: انخفاض استهلاك الرواية. بل إن ظواهر جديدة التحمت بهذا السياق، فباتت مانعة للتفكير فيه بوضوح، مثل تكاثر الروائيين، وتطوّر التسويق المندمج بالإعلام، وتعدّد الجوائز المخصّصة للرواية، ما يخلق نجوميات باستمرار، إضافة إلى مركزية الرواية في منظومة النشر العربية اليوم.
ملاحظة بلوغ مرحلة "الإشباع" ليست قولاً بموت الرواية، فحتى علم الاقتصاد الجزئي يعتبر النزعة إلى الإشباع دورية، تعود بعد كل انخفاض استهلاكي، غير أن هذا الاستئناف - في حالة منتج إبداعي- يحتاج إلى عوامل جذب متجدّدة.