إسماعيل بحري.. الورقة التي ابتلعت العالم

02 نوفمبر 2017
(لقطة من فيديو "عكسي" لـ إسماعيل بحري)
+ الخط -

ربما يكون الفنان إسماعيل بحري (تونس، 1978)، أحد أبرز الأسماء التي تقدّم فن الفيديو، ويمكن أن نضيف إلى فن الفيديو كلمة مفاهيمي، حيث يعمل بحري في منطقة رمزية جداً تعالج مفهوماً ما في كل فيديو من تسجيلاته التي لا تتجاوز في معظمها عدة دقائق. غاليري سلمى فرياني في تونس يقدّم مجموعة من أعماله هذه، وسيظل عرضها متاحاً حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي.

علاقة التكرار بالمحو مثلاً، هي موضوع فيديو "عكسي"، أحد الأعمال المعروضة؛ تظهر في الفيديو يدان تقومان بطيّ صفحة من مجلة و"هرسها" عدة مرات، في الصفحة صورة لا نستطيع تبين صاحبها، تكرر اليدان عملية الطي و"الهرس" ثم تفتح الصفحة وفي كل مرة تكون النتيجة مختلفة، وتطرأ تغيرات جديدة على الصورة تمحو تلك التي قبلها وتبدل فيها.

السؤال الذي يخطر لك بعد مشاهدة هذا الفيديو، كيف يمكن للفعل نفسه أن يؤدي كل مرة إلى نتيجة مختلفة؟ هذا الفيديو أيضاً يتيح للمتفرج مراقبة الصورة وهي تتفكك وليس وهي تتكون وليس وهي كاملة، بل إن الصورة النهائية لهذه الورقة، هي تحويل محتواها إلى نقاط مفتتة وصورة مهشمة بفعل التكرار.

ثمة فيديو بعنوان "نزل"، ومدته 32 دقيقة تقريباً، وفي البداية لا نرى شيئاً على الشاشة سوى حوار بين مجموعة من المارة في شارع، نفهم من الكلام أننا في تونس، يحاول هؤلاء فهم ما يفعل الفنان، يحاورونه ويقولون إن ما يفعله غير مفهوم بالنسبة إليهم، وسرعان ما يتحول العمل الغامض إلى محاكمة للعقلية أو التصورات التونسية وعلاقتها بالفهم والمعرفة.

وفي فيديو آخر بعنوان "خلاصة"، نرى علماً يرفرف لمدة خمس دقائق. يحاول بحري دائماً التعرف على العالم الكبير من خلال تفاصيل صغيرة، يعرض أعماله ضمن سينوغرافيا مؤثرة، في قاعات معتمة وبكراسٍ قليلة تتيح عدداً محدوداً من المفترجين.

من أهم أعمال الفيديو التي قدّمها "كسوف"، وفيه ورقة معلقة على سطح الكاميرا تطيرها الريح لتظهر صورة متقطعة لمنطقة برية، تطير الورقة وتعود إلى مكانها بحركة شبه ثابتة، لتبدو الريح كما لو كانت آلة لالتقاط الصور.

في معظم أعمال بحري ثمة ورقة تبتلع العالم، ويظهر كل شيء من خلفها، الإنسان وهو يمشي أو الطبيعة الصامتة أو الصورة المتلاشية، ثمة شيء بسيط يمكنه أن يحجب ما هو أكبر منه، كل ذلك بفعل الكاميرا والورقة، نرى ذلك في فيديو "فيلم بالأبيض" مثلاً، وهو فيلم مشى فيه بحري في جنازة السياسي التونسي محمد براهمي الذي اغتيل في تموز/ يوليو 2013، وفيه يصور حركة الحشد من خلف غيمة بيضاء فنرى العالم مضطرباً من دون أن نرى شيئاً بالفعل.

ثمة فيديو آخر بعنوان "اختراقات" (2014)، وقد جرى تصويره في تونس أيضاً؛ الشاشة بحجم الجدار وفيها ورقة رمادية تحركها الريح مرة أخرى، نلمح سيارات تتحرك في مكان مقفر، أو غير مأهول، ثمة أصوات خطوات تمشي في قاعة فارغة. في أحد أعمال الفنان يسأله أحد المارة، ماذا تفعل؟ فيقول أحاول أن أفهم ماذا يمكن للريح أن تفعل.

وفي محاولة لملاحظة بشرة الإنسان عن قرب، ينجز بحري فيديو بعنوان "سطر"، وفيه تظهر نقطة ماء على ذراع شخص مجهول، حيث يستخدم الفنان القطرة كأدة للتجربة، ويرصد تفاعلها مع نبض القلب وحركة الدم.

ومن خلال تكبير كل شيء ورصد الصوت والصمت والحركة والصورة تتحول القطرة إلى كائن صغير يتذبذب وينفعل ويتفاعل مع الجسم الإنساني الذي يتلامس معه، رغم أنها تبقى على السطح لكنها تتجاوب مع حركة الأعماق.

يقوم بحري بالتجربة نفسها بطريقة أخرى وفي فيديو آخر بعنوان "جريان بطيء"، وفيه يمتد خيط من بكرة خيطان إلى حاوية ماء فيبتل، ويبدأ الماء يقطر من الخيط ليكوّن بحيرة صغيرة تتسع مع الوقت.

المساهمون