تخوض الأحزاب الإسلامية في الجزائر تجربة سياسية جديدة، عبر الوحدة والاندماج السياسي لخمسة أحزاب إسلامية استعداداً للانتخابات البرلمانية المقبلة. وستبدأ مرحلة الاندماج التنظيمي في إطار حزبين سياسيين منفصلين، ما يرفع قليلاً من حظوظ هذه الأحزاب في الانتخابات المقبلة، مقارنة مع النتائج التي حصلت عليها منفردة في انتخابات 2012.
ودعا الرئيس السابق لحركة "مجتمع السلم" في الجزائر، أبو جرة سلطاني، إلى عقد اجتماع موسع لقيادات الأحزاب الإسلامية في الجزائر للنظر في إمكانية تشكيل تكتل انتخابي موحد، استعداداً للانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في مايو/أيار المقبل، وإنهاء الخلافات السياسية الراهنة بين بعض الأقطاب الإسلامية.
دعوة أبو جرة جاءت خلال حفل الإعلان عن توحد ثلاثة أحزاب إسلامية هي حركة "البناء" وحركة "النهضة" وجبهة "العدالة والتنمية" في إطار سياسي واحد هو "الاتحاد من أجل النهضة والتنمية والبناء"، لكنها موجهة تحديداً إلى قيادة حزبه حركة "مجتمع السلم" التي ترفض الالتحاق بالتحالف الثلاثي، وتعتبر أن مسارها السياسي وهيكليتها التنظيمية ورصيدها التاريخي كلها عوامل لا تتيح لها المغامرة في مسار اندماج غير معروف الأفق، إضافة إلى أن خلافات حادة لا تزال قائمة مع قيادة حركة "البناء" التي تعد في الأصل كياناً سياسياً خرج من ضلع الحركة الأم عام 2008.
وتتجسد هذه الخلافات في التصريحات والاتهامات المتبادلة بين قيادات الحزبين بشأن ظروف وملابسات الانشقاق السياسي عام 2008، ما أدى إلى إخفاق أي تقارب بين الطرفين في وقت سابق. وعبّر عن ذلك رئيس حركة "مجتمع السلم" الحالي، أبو عبدالرزاق مقري، قائلاً: "في لقاءات سابقة اقترحنا على الأخوة في حركة البناء الوحدة الاندماجية التنظيمية بحيث تكون الانتخابات جزء من المشروع، لكن اتضح أن الإخوة في البناء يركزون على التنسيق والتحالف الانتخابي ما دام لا يوجد مشروع وحدة"، وفق تعبيره.
تبدو دعوة أبو جرة سلطاني لاجتماع القوى الإسلامية مثالية في توقيتها السياسي، إذ تعد الفرصة ملائمة جداً للأحزاب الإسلامية لتقديم قوائم موحدة من المرشحين في الدوائر الانتخابية، وتحقيق إنجاز سياسي غير مسبوق، لا سيما أن أحزاب الموالاة وتحديداً حزب جبهة "التحرير الوطني"، الحائز على الأغلبية في البرلمان، يعيش وضعاً تنظيماً داخلياً هشاً، ويفتقد في الوقت الحالي لصوت خطابي بعد تنحية الأمين العام السابق للحزب، عمار سعداني. لكن هذه الدعوة لا تجد في الوقت الحالي صدى كافياً لدى جميع الأحزاب الإسلامية الناشطة على الساحة الجزائرية. ودخلت عملية الاندماج في مسارين منفصلين.
فالأحزاب الثلاثة التي حسمت خيارها الوحدوي لم تستطع ضم حركة "مجتمع السلم" وجبهة "التغيير"، اللتين حسمتا خيارهما الوحدوي وإعادة الاندماج معاً والعودة إلى ما قبل 2008. كذلك، ظل حزبان إسلاميان هما حركة "الإصلاح" و"الجزائر الجديدة" خارج سياق الانخراط في أي من التكتلين، إضافة إلى بعض المشاكل والخلافات السياسية المزمنة بين بعض القيادات الإسلامية. غير أن ذلك قد لا يمنعها من التنسيق السياسي في إدارة ومراقبة العملية الانتخابية المقبلة.
ويرى مراقبون للشأن السياسي الجزائري أن الظروف والخيبات السياسية السابقة التي تعرضت لها الأحزاب الإسلامية، وخوفها من تفاقم هذه الخيبات في الاستحقاقات الانتخابية والسياسية المقبلة، كانت وراء دفع هذه الأحزاب إلى البحث عن تكتلات سياسية وانتخابية، مستفيدة من مرجعيتها الموحدة والتقاطعات الفكرية والسياسية التي تجمعها.
لكن ذلك لا يوفر لها كامل أسباب النجاح في المرحلة السياسية المقبلة. ويعتقد المحلل السياسي، عبدالقادر حريشان، أن "هناك محاولة للعودة إلى الثنائية الإسلامية التي كانت في المشهد السياسي الجزائري في تسعينيات القرن الماضي، عبر حركة النهضة التاريخية بقيادة عبدالله جاب الله، وحركة مجتمع السلم بقيادة الراحل محفوظ نحناح، لكن المعطيات السياسية في الساحة الجزائرية تغيرت كثيراً في مقابل عدم تغير الخطاب السياسي وآليات عمل الأحزاب الإسلامية"، وفق قول حريشان. ويشير إلى أن "مأزق الزعامة الذي تعاني منه الأحزاب الإسلامية لا يزال قائماً، إذ لا شيء تغير، ولم يغيّر القادة السابقون أسلوبهم الرامي إلى وضع الآخرين تحت جناحهم دون تنازل في الأسلوب"، حلى حد وصفه. ويضيف أن "الخطاب السياسي لهذه الأحزاب لم يتغير وكأن الوضع عادي بالنسبة للساسة الذين قبعوا في مواقعهم منذ فترة طويلة فتعودوا على التأقلم مع الوضع القائم أو المفروض عليهم"، وفق تعبيره.
ويذهب تحليل رئيس القسم السياسي لصحيفة "الخبر"، محمد شراق، بالاتجاه نفسه، إذ يعتبر أن الإسلاميين أنفسهم يدركون حقيقة مأزقهم، لافتاً إلى أن التحالفين "ولدا تحت ضغط القواعد الشعبية وليس بإرادة بحتة من قيادات تلك الأحزاب التي رأت أنها وظفت جميع الأوراق من أجل إحداث دينامية سياسية وقد عجزت عن ذلك"، بحسب قوله.
ولا يتعلق السؤال الذي يركز عليه المتابعون اليوم، بإمكانية نجاح مرحلة التوحد في حزب واحد والاندماج الكلي بين كتلة "حركة مجتمع السلم" وجبهة "التغيير" من جهة، وكتلة حركة "النهضة" وحركة "البناء" وجبهة "العدالة والتنمية"، بقدر ما يتعلق بمدى تأثير ونجاح الأحزاب الإسلامية في تحقيق اختراق وإنجاز انتخابي في الاستحقاق المقبل. وفي هذا السياق، يعتقد حريشان أن تكتل الأحزاب الإسلامية قد يمنحها بعض المقاعد الإضافية لكنه لن يكون ذا تأثير عميق على النتائج العامة للانتخابات المقبلة، لا سيما في ظل "تحكم السلطة في زمام اللعبة الانتخابية تنظيماً وإشرافاً ونتائج"، وفق تعبيره.
كذلك، يربط شراق توقعاته بعدم تأثير التكتل الانتخابي للإسلاميين على الانتخابات المقبلة بالظروف والملابسات التي تحيط بالعملية الانتخابية في الجزائر. ويقول: "بالنظر إلى المشهد السياسي الراهن، ونمط تعامل السلطة مع الأحزاب السياسية، بدءاً من قانون الانتخابات ووصولاً إلى استحداث هيئة مراقبة الانتخابات، فإن تكتلات الإسلاميين لا يمكنها خلخلة منظومة الانتخابات التي دأبت على إفراز نتائج نمطية للإسلاميين تضعهم خلف أحزاب السلطة"، في إشارة إلى جبهة "التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي". ويضيف أن التجربة السابقة لثلاثة أحزاب إسلامية في إطار تكتل "الجزائر الخضراء"، في الانتخابات البرلمانية عام 2012، هي خير دليل على ذلك، لأن هذا التحالف لم يفز سوى بـ48 مقعداً من أصل 466. وانطلاقاً من ذلك، يتوقع أن التحالفين الجديدين اليوم لن يحصدا أكثر مما تنوي السلطة منحهما إياه، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أن دخولهما في قوائم مشتركة لن يغير في واقع النتائج المرتقبة.
يطمح الإسلاميون في الجزائر لتحقيق إنجاز سياسي في الاستحقاقات السياسية والانتخابية المقبلة، على غرار الإسلاميين في تونس، في مقدمتهم حركة "النهضة" التونسية. وتبدو الظروف السياسية ملائمة لتحقيق تقدم انتخابي. بعض المعطيات تشير إلى أن السلطة تبدو مقتنعة أيضاً بتمكين الإسلاميين من تحقيق هذا التقدم، دون السماح لهم بتأمين نفوذ كبير في البرلمان والحكومة، بما يساعد السلطة على تجاوز الوضع السياسي والاجتماعي المتوتر داخلياً، لا سيما أن القوى الإسلامية لا تزال الأكثر تنظيماً في الجزائر مقارنةً مع بقية القوى السياسية.