إن كان برنامج "اللوبي" الذي وثّقت فيه قناة الجزيرة الإنكليزية بالصوت والصورة أساليب عمل اللوبي الصهيوني في بريطانيا، قد كشف عن نشاط الدبلوماسيين الإسرائيليين المعتمدين في لندن، ومعهم سياسيون بريطانيون مجندون لخدمة المصالح الإسرائيلية، فقد كشف أيضاً عن مستوى الصلف والعجرفة الإسرائيلية التي لا تعرف محرّمات، ولا تقيم اعتباراً لسيادة صديق أو حليف، إذ لم تتورع السفارة الإسرائيلية في لندن، وهي تمثل الكيان الصهيوني، عن تجاوز كل الخطوط الحمراء، وتخطي كل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، والتدخل بشكل سافر في المؤسسات البريطانية المُنتخبة ديمقراطياً، في محاولة للنيل من الأصوات التي ترتفع منددة بإسرائيل وسياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
كما كشف الفيلم كيف تُولي منظمات اللوبي الصهيوني أهمية خاصة لبناء العلاقات المباشرة مع الشخصيات المؤثرة في صنع القرار البريطاني، عبر تنظيم أو تمويل رحلات وزيارات للصحافيين وصناع القرار والنواب البريطانيين إلى إسرائيل، وتقديم التبرعات والهبات للأحزاب السياسية ومرشحيها للانتخابات العامة، وللنواب من مختلف الأحزاب السياسية. وإذا ما فشلت هذه الأساليب الناعمة، تلجأ السفارة الإسرائيلية وأدواتها إلى الأساليب الخشنة التي تتراوح ما بين تشويه السمعة إلى "الاغتيال المعنوي"، مروراً بكل أشكال الضغط المادي والنفسي، الذي يستهدف الجماعات والأحزاب والأفراد الذين تصدُر عنهم مواقف أو تصرفات غير مؤيدة لإسرائيل أو تنتقدها، أو حتى تعبر صراحة عن تأييد الشعب الفلسطيني، كما هي حالة الوزير المتخصص في الشؤون الأوروبية والأميركية في الخارجية البريطانية، آلان دنكن، الذي توعّد الدبلوماسي الإسرائيلي، الذي ظهر في شريط الجزيرة، بالخلاص منه لأنه "مُزعج لإسرائيل".
وفي خلفية المشهد، يكشف وثائقي الجزيرة عن عجز الدعاية الصهيونية وخطاباتها ومزاعمها الدينية والعاطفية التقليدية القائمة على إبراز "الاضطهاد والظلم الذي لحق باليهود على مر العصور"، و"تلميع صورة إسرائيل الديمقراطية"، عن التأثير في جيل الشباب البريطاني، الذي انتخب شابة من أصول عربية على رأس أكبر اتحاد للطلاب الجامعيين في بريطانيا، فهذا الجيل الجديد يبدو أقل تأثراً بالخطاب الدعائي الصهيوني. كما أن الرأي العام البريطاني، الذي طالما تبنى "الرواية الصهيونية"، لم يعد قادراً أخلاقياً على الاستمرار في تغطية الممارسات العدوانية لإسرائيل التي تجاوزت كل القوانين والمواثيق الدولية والأعراف الإنسانية، ووصل بها الغرور إلى التدخل في الشؤون الداخلية لدولة حليفة بمستوى بريطانيا.