إسرائيل تدعم استقلال كردستان: حليف بأذرع متعددة

27 يونيو 2014
أكراد يرفعون العلم الإسرائيلي ويطالبون بالاستقلال(جاك جيوز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لم يأتِ تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أمس الخميس، خلال لقائه في باريس بوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بأن "قيام دولة كردية شمالي العراق بات حقيقة"، محض مصادفة. فهو جاء بعد ساعات معدودة من تصريح مشابه للرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته، شمعون بيريز، الذي طالب أول من أمس الأربعاء، خلال لقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالاعتراف بدولة كردية مستقلة، لأن الأكراد اليوم يبيعون النفط بشكل مستقل، وهو ما قد يعرضهم لعقوبات قانونية دولية.

وكان بيريز يشير بذلك إلى حقيقة تسلم إسرائيل، السبت الماضي، أول شحنة نفط من إقليم كردستان الكردي في شمالي العراق، عبر ميناء أشدود الإسرائيلي.

لكن تصريحات بيريز وليبرمان تؤشر إلى قطع شوط طويل في العلاقات الكردية -الإسرائيلية في العراق، منذ أن وَضع أسسها الأولى رئيس الموساد الإسرائيلي السابق، مئير عميت، مع الزعيم الكردي السابق، مصطفى برزاني، في أواسط الستينيات.

وقامت إسرائيل بتسليح الأكراد شمالي العراق، وتقويتهم كقوة قادرة على استنزاف قوة نظام البعث والدولة في العراق، ما يجعل الأخيرة تنشغل عن الصراع مع إسرائيل ويوفر للأخيرة دليلاً إعلامياً عن حالة "الأقليات المستضعفة والمضطهدة من قبل القوى العربية في الشرق الأوسط".

وعلى الرغم من سنوات التعاون والحلف المعلن بين إسرائيل وأكراد العراق، إلا أن الدولة العبرية تبنت في المقابل موقفاً مناهضاً ومعارضاً لتطلعات الأكراد في تركيا، وذلك بفعل الحلف التركي ــ الإسرائيلي.

وبناءً على هذا التحالف، باعت إسرائيل تركيا شحنات أسلحة بعشرات مليارات الدولارات على مرّ هذه السنوات، استخدم قسم كبير منها في قمع أكراد تركيا، في الوقت الذي ساندت فيه، وخصوصاً خلال الحرب العراقية -الإيرانية، أكراد العراق وحثّتهم على التمرد على الدولة العراقية.

ويعيد تصريحا بيريز وليبرمان الأنظار إلى مقالة مشتركة لكاتبين إسرائيليين، تفسّر عملياً المخططات الإسرائيلية، في كيفية الاستفادة من الربيع العربي واستغلال الثورات العربية. استغلال لجهة تضخيم وتعزيز الخط الاستراتيجي الإسرائيلي الداعي لإقامة تحالفات مع الأقليات في المنطقة، وإقامة دول طائفية إذا أمكن، أو اللعب في الورقة الطائفية، إذا تعذر تأسيس بيئة سياسية من الكيانات الطائفية، كما كان الحال في الحالة اللبنانية، وفصل الدروز الفلسطينيين في الداخل عن عروبتهم واختراع قومية درزية، وحالة الأكراد في عراق صدام حسين.

وبحسب المقالة، التي كتبها الكاتب الإسرائيلي من مركز أبحاث الأمن القومي، عيران عوديد، بالتعاون مع الكاتب من مركز "ديان" للدراسات وعوفرا بينجو، ونشرت في فبراير/شباط من العام الماضي في صحيفة "هآرتس"، فإن الكاتبين يدعوان الحكومة الإسرائيلية إلى دراسة "الإيجابيات" الكامنة في الخروج من "صندوق" العلاقات مع تركيا ومحاولة الاستفادة من التأسيس لعلاقات مع القوة الصاعدة، أي الأكراد.

وبحسب المقالة المذكورة، فإنه من شأن كيان كردي مستقر وقوي في العراق أن يكون كنزاً استراتيجياً لإسرائيل، وخصوصاً في حال ارتبط هذا الكيان، بحبل سرة مع الأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا وخلق حضوراً إثنياً مهماً يتمتع بتواصل جغرافي.

واتخذ الكاتبان في مقالتهما منحى أساتذة وخبراء إسرائيليين سابقين روجوا إلى سياسة احتواء واحتضان الأقليات، مثل الأستاذ الجامعي الراحل والمختص في شؤون تركيا وإيران، يعقوف لنداو، والمستشرق موشيه معوز. واعتبرا أن الأكراد يرون في إسرائيل قدوة يحتذى بها.

ويكشف الكاتبان الإسرائيليان أن قادة الإقليم الكردي في العراق صرحوا في أكثر من مناسبة بأنه لا مانع من إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل، لكن هناك تخوفاً كبيراً من ردود فعل الدول العربية وإيران من إقامة علاقات كهذه مع إسرائيل.

في المقابل، يرى الكاتبان أنه حان الوقت لتغيير المفهوم الإسرائيلي السائد الذي يرى أن العلاقات مع الأكراد من شأنها أن تضر بالعلاقات مع أنقرة، وهو مفهوم يتجاهل، بحسب الكاتبين، التغييرات الجارية في العلاقات الكردية ــ التركية والعلاقات التركية الإسرائيلية، فقد تحولت تركيا اليوم إلى شريان أساسي ورئيسي لحياة الإقليم الكردي في العراق، كما أن أنقرة تعمل جاهدة لحل المشكلة الكردية الداخلية.

ويعتبران أن إسرائيل تفضل العلاقة مع الأكراد اليوم، على العلاقات مع تركيا التي أخذت في السنوات الأخيرة تميل إلى الجانب العربي وتساند حركة "حماس" وتهاجم إسرائيل عند كل فرصة في المحافل الدولية.
ومع ذلك ينصح الكاتبان بتحسين العلاقات مع تركيا، لكن هذا لا يوجب على إسرائيل قطع علاقاتها مع الأكراد بل على العكس من ذلك المحافظة على هذه العلاقات تماماً كما حافظت تركيا على علاقات مستقلة مع الجانب الفلسطيني.

مع ذلك يحذر الكاتبان من أنه لا يجوز أن تظهر إسرائيل بمظهر الدولة التي تتدخل في الشؤون الداخلية لتركيا، لكنها مطالبة ببلورة سياسية في المسألة الكردية. وفي موازاة ذلك، لا مانع أن تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع الأكراد في إيران، الذين يعيشون، بطبيعة الحال، صداماً مع النظام الإيراني.

وتبدو تصريحات ليبرمان وبيريز، ترجمة عملية لتوصيات كاتبي المقال اللذين أوصيا، بأنه "يجدر لإسرائيل أن تتبنى سياسة أكثر فاعلية تعتبر وجود كيان كردي شمالي العراق، وأذرعه في سورية وإيران حلفاء لها".

ويعني تبني مثل هذه السياسة المزيد من المساعدات الإنسانية والاقتصادية والسياسية. وهذا بالضبط ما يمكن قوله عن تصريحات ليبرمان وبيريز، في المستوى السياسي، وترجمته بشراء النفط الكردي، في المجال الاقتصادي.
المساهمون