إسرائيل أمام سؤال "القدس الموحدة": إنها بلفاست الثانية

18 نوفمبر 2014
اعتداءات المستوطنين زادت في الآونة الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

نسفت عملية القدس، اليوم الثلاثاء، في سياقها وكونها جزءاً من الانتفاضة المندلعة في القدس منذ عملية اغتيال الفتى، محمد أبو خضير، في يوليو/تموز الماضي، أكذوبة "العاصمة الموحدة" التي يرددها الاحتلال الإسرائيلي منذ فرض القانون الإسرائيلي على القدس، والإعلان عن توحيد "شطري المدينة" غداة حرب يونيو/حزيران 1967.

فقد كرست العملية الفدائية فقدان الإسرائيليين في القدس الأمن والاطمئنان، فيما بدأت المواقع الإسرائيلية تضع عناوين عن "العاصمة في حرب"، وأخذ الإسرائيليون يتحدثون جهارة عن الحواجز القائمة بين القدس المحتلة إبان النكسة، والقدس المحتلة منذ النكبة. ودفع هذا الوضع عضو الكنيست الإسرائيلي، والمتحدث الأسبق بلسان الجيش الإسرائيلي، نحمان شاي، إلى الحديث عن الانهيار التام للأمن الإسرائيلي، فيما دعت زعيمة حزب "العمل" السابقة، عضو الكنيست، شيلي يحيموفيتش، إلى "التخلص من الأحياء العربية التي ضمتها إسرائيل للقدس بعد الحرب" مع إشارتها إلى القرى الفلسطينية، التي حولتها إسرائيل عنوة إلى أحياء مقدسية وفي مقدمتها جبل المكبر، بلدة منفذي العملية، اليوم الثلاثاء، والعيساوية والطور والعيزرية وغيرها.

وبموازاة ذلك، اعتبر المختص بشؤون المجتمع الفلسطيني، الأستاذ الجامعي، مناحيم كلاين، في مقابلة مع القناة "العاشرة" الإسرائيلية، أن القدس تسير في واقع الحال، وفق كافة الدلالات على طريق بلفاست في إيرلندا الشمالية، خصوصاً بعد قرار الحكومة الإسرائيلية إعادة نصب الحواجز على مشارف "الأحياء العربية"، والاقتراحات التي تتعالى مطالبة بمنع سكان القدس المحتلة من دخول الأحياء اليهودية غربي المدينة.

وأشار كلاين إلى أنه منذ اتخذت حكومات اليمين في عام 2002 قراراً بإغلاق بيت الشرق ومنع أي نشاط لقيادة فلسطينية مقدسية، فقد نشأ جيل كامل عملياً من دون مرجعية قيادية توجه نشاطه، أو يمكن لها أن تؤثر باتجاه تهدئة الأوضاع في المدينة، ناهيك عن التأثير السلبي لسياسات حكومات إسرائيل في الأحياء الفلسطينية في القدس من حيث التمييز العنصري والإهمال المتواصل.

وتعكس حالة الضم القسرية للقدس الشرقية من قبل الاحتلال، في ظل تدهور الظروف الأمنية فيها، وتصاعد ألسنة نار الانتفاضة فيها مع تطورها من عمليات لرشق قطار القدس في حي شعفاط وبيت حنينا بالحجارة والزجاجات الحارقة بدءاً من يوليو/تموز الماضي، مروراً بعمليات الدهس المتوالية في الأسبوعين الماضيين، مع التصعيد اليوم باتجاه استخدام الأسلحة النارية، أكبر تحدٍّ أمني لحكومة إسرائيل، ولحكومة بنيامين نتنياهو، على وجه الخصوص.

فقد أشار أكثر من محلل إسرائيلي، ومنهم محلل الشؤون الأمنية في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، والمسؤول السابق في جهاز "الشاباك" يرون بليخ، في حديث مع القناة "الثانية"، إلى أن الحكومة الإسرائيلية في واقع الحال لا يمكنها التصرف في القدس بالحرية نفسها، التي يمكنها العمل والتحرك في مناطق الضفة الغربية. فهي لا تستطيع استقدام قوات الجيش، لأن ذلك يعني عملياً اعترافاً منها بأن القدس محتلة وأن العاصمة ليست موحدة، كما أن الوضعية الخاصة لسكان القدس المحتلة بين كونهم "مقيمين" وليسوا مواطنين، أي أعلى درجة من الواقعين تحت الاحتلال في الضفة الغربية، وأقل درجة من المواطنين في إسرائيل، تحول دون اتخاذ خطوات بموجب الأنظمة العسكرية لأن الجهاز المدني القضائي يضع في هذه الحالة عراقيل أمام الاحتلال، كما أن اللجوء لأنظمة الحكم العسكري  لن يكون قانونياً، ولا حتى في حالة الاعتقالات الإدارية، التي تسعى حكومة نتنياهو، إلى العودة إليها كما في أيام الانتفاضة الأولى. كما أن هذه الحالة تمنع إسرائيل من فرض نظام منع التجول على الأحياء الفلسطينية لأن ذلك سيدلل على هشاشة سيطرة الحكومة على "عاصمتها".

في المقابل، فإن تأكيد كبار المختصين ومن بينهم قادة الشرطة الإسرائيلية، ورئيس الشاباك، بأن الانتفاضة الحالية والعمليات الأخيرة لا تتم بإيعاز من جهة منظمة ولا من فصيل فلسطيني أياً كان، يزيد من عجز اللجوء لحملات اعتقالات واسعة في صفوف مجموعة محسوبة على "حماس" أو غيرها.

وفي هذا السياق، كان لافتاً تأكيد رئيس "الشاباك" الإسرائيلي، يورام كوهين، أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لا يشجع العمليات في القدس ولا يسعى إلى التصعيد، من جهة، وإشارته إلى استمرار تدهور الأوضاع في المدينة منذ استشهاد الطفل، محمد أبو خضير، وما تبع ذلك من تصعيد في لهجة الساسة الإسرائيليين في ملف الأقصى والزيارات الاستفزازية للحرم القدسي الشريف.

إلى ذلك، سبق أن أقر عدد من المسؤولين الإسرائيليين، وبينهم قادة الأجهزة الأمنية، بصعوبة توقع وإحباط العمليات الفردية، وهو ما حدا باثنين من المعلقين الإسرائيليين إلى الاتجاه للحديث عن تأثير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وعملياته، في نفوس الشباب الفلسطيني في القدس، إذ اعتبر كل من رون بن يشاي، وتسفيكا يحزقيلي أن بصمات تأثير "داعش" تظهر في عملية القدس، بحجة أنه كان بمقدور منفذي العملية قتل المتواجدين في الكنيس اليهودي بالعيارات النارية من دون الحاجة لاستخدام البلطة والسكاكين.

المساهمون