إسراء الطويل.. لن يخنقها قفص

09 يوليو 2015
تلتقط الصور كما تضحك ببساطة وجمال (العربي الجديد)
+ الخط -
إسراء الطويل.. ربما تعرف اسمها الآن بعد كثرة ما نشر عنها في الصحف الأجنبية والعربية، قد تعتبر اختفاءها وحبسها أمرا عاديا، وسط كل هذه الأخبار عن اختفاء شباب ثم ظهورهم في السجون أو اختفائهم والسلام، ولكن عليك أن تقلب في حسابها الشخصي عبر مواقع التوصل الاجتماعي فيسبوك، أو تشاهد لقطاتها لدى أصدقائها فحتما ستغير رأيك.


إسراء ليست مجرد فتاة اختفت قسريا، وغابت عن منزلها 18 يوما دون أن يعرف أهلها عنها شيئا، ليعرفوا من غرباء أن ابنتهم في أحد السجون، ويقرأوا في الصحف اتهامها بالتخابر مع جهات أجنبية؟!

هل يذكرك رقم 18 بشيء؟!.. ربما ينعش ذاكرتك بثورة يناير التي استمرت 18 يوما بالتمام والكمال، وقتها شاركت إسراء في الثورة وافترشت الميدان مع أصدقائها، نامت على الرصيف وغنت ورسمت أحلاما وردية لوطنها ما بعد يناير، وقتها كانت لم تكمل عامها العشرين بعد، مجرد فتاة غضة، تذهب للجامعة بروح مرحة، وتعود وكلها آمال أن تجد غايتها في وطن حلمت بتغييره، وظنت أن أياما في ميدان التحرير وأرواح بعض من شبابه قد تجعله أفضل. 
مثل الكثيرين وجدت غايتها في تلك الثورة التي ألهبت روحها كما الكثيرين، فأصبح التصوير هوايتها المفضلة، اشترت كاميرا، وأصبحت تلتقط الصور كما تضحك ببساطة وجمال. بضغطة زر تسجل تاريخها وأحباءها يوميا بل لحظيا، فهذه بسمة زملائها في الجامعة وتلك صور عيد ميلاد صديقتها، بل أصبحت تتطوع لتصوير زفاف الأصدقاء فلقطة كهذه لا تعوض.

عندما تقلب صورها ستجدها بالكاد تسكن في مكانها، فهي كالعصفورة المهاجرة لا تهوى السكون، ولا تكف عن الدوران وحقيبتها على ظهرها تكاد لا تفارقها، والكاميرا التي كانت الحلم وأصبحت التهمة مصدر بهجتها وعذابها أيضا.

استمر في التصفح فما زال هناك الكثير لتعرفه عن هذه الفتاة التي دافعت عن المظلومين، ولو كانوا في غير معسكرها الذي هو معسكر الكثيرين، فقد اكتفت بنصرة المظلوم وقول الحق في وجه الظالم، فها هي تنشر صور هؤلاء الفتيات اللاتي اختفين قبل أيام، وتتضامن مع أولئك الشبان الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية، وتعبر عما تشعر به من حزن جراء ما انتهت إليه الثورة التي شكلت حلمها، لتبقى وفية لفكرة يناير وحكمتها.

حتما في رحلة بحثك صادقتها بالحجاب تارة وبدونه تارة أخرى، كما الكثيرين لم تقنع روحها بمجرد المضي في طريق عادي، رسم لها بالمسطرة فقررت التخلي عن الحجاب ثم عادت وارتدته مرة أخرى. بحرية اختارت مظهرها فلم يخوفها قرار نزعه ولم تخجل من العودة إليه.
على الدراجة تجوب الكورنيش بروح مرحة، وضحكتها تشاكس من تطوع ليصورها هذه المرة فخيرها سابق لدى الجميع، تتجول بالدراجة في خفة طفلة مرحة، ولا تعبأ بالآخرين، فها هي تفعل ما تريد وتحرك ساقيها بسرعة تنافس الريح، وتأخذ نفسا عميقا يخرج بضحكة ساحرة.

هل وصلت الآن لتلك الصورة على كرسي متحرك، لا تتعجب فهذه هي نفس الفتاة التي شاهدتها منذ قليل على الدراجة باتت غير قادرة على الحركة وتعتلي كرسيا متحركا. ورغم الأسى تبتسم، هذه روح إسراء التي تسيطر على الصورة رغم مأساوية اللقطة فالبهجة تشع منها رغم سكونها الاضطراري.

صارت الفتاة التي ملأت الدنيا صخبا ولعبا غير قادرة اليوم على المشي، جراء إصابتها بطلق ناري في الظهر لتصور ذكرى ثورة يناير قبل عام، وبعد رحلة علاج أصبحت بالكاد تمشي باستخدام عكازين لرفضها الاستسلام للكرسي الذي يخنق روحها، ويحبس أقدامها في صندوق لم تعتده ولن تفعل.

فكر لحظات في تلك الصورة التي تظهر فيها مع قطتها وتخيل كيف تبدو الآن؛ وهي قابعة هناك في محبسها المكتظ بغيرها ممن اختفوا أو سجنوا ظلما أو حتى من المجرمين حقا، كيف عساها تتعامل مع هذه الجدران المصمتة بلا هواء ولا نور وهي التي اعتادت التحليق عاليا، وكيف تبدو نظرتها المتفائلة بعد كل ما عانته؛ وهي لا تزال لم تتم عامها الثالث والعشرين.
هل تراها الآن تتألم من إصابتها وسجنها وتود الوقوف والعودة ثانية لصفوف غيرها من فتيات الثورة اللاتي تعذبن وشهدن الكثير من الاختبارات الثورية حقا، أم تفكر في إعلان الكفر بتلك العهود والاستسلام لواقع سلبها حتى حقها في الشفاء، وتضميد جرح غائر في روحها، ما لبث أن يندمل بقدرتها على التحرك بالمساعدة إلا وفقدت حريتها التي كانت ترياق نجاتها من كل تلك الهموم التي تعصف بحاضرها ومستقبلها؟!

والآن هل ما زلت تعتبرها مجرد فتاة اختفت وظهرت متهمة بخيانة الوطن وإرسال صور لجهات أجنبية؛ وهي التي فقدت قدرتها على الحركة لأجل وطنها، أم بت تعرف الآن أن الخطر قريب جدا منك ومن أحبائك؟!

يبقى ألم الفقد بعيدا عن تصورك ما دام لم يقترب ممن تحب، ولكن هؤلاء الذين يسجنون ويخطفون ويختفون، لديهم أحباء أيضا ولديهم مخاوف قد تكون فوق التصور.

رغم صغر سنها واجهت إسراء صعابا عدة، ومع طبيعتها التي وصفتها زميلتها في الزنزانة بالطفلة البريئة، إلا أن نظرتها القوية وضحكتها المبهجة وتمسكها بحلمها، رغم ما عانته من قبل وإصرارها على تطمين أهلها في زيارتهم الأولى لها في الحبس يشي بفتاة قوية تشكلت روحها بالمحن، وحتما ستخرج قوية.

(مصر)
دلالات