إسبر ووِب: الفن مثلثاً للإنسان المتمرد

18 يناير 2015
جايمس وِب / جنوب أفريقيا
+ الخط -

يدعونا معرض السورية نينار إسبر والجنوب أفريقي جايمس وِب، الذي افتُتح حديثاً في "غاليري إيمان فارس" الباريسي، إلى أشكال من العصيان تهدف إلى كشف أنظمة التسلّط المجتمعي على الفرد.

وفي هذا السياق، يقترح الفنانان، في تحدّيهما للرقابة الأخلاقية والتكنولوجية التي تميّز عصرنا، سُبُلاً رمزية وسردية لمقاومة هذه الأنظمة. سُبُل تطرح أسئلة تحوُّل العلاقات التي نعيش داخلها، وبالتالي سؤال المقاومة الذي صاغه الفيلسوف ميشال فوكو حول كيفية إنتاج تحوّلات إيجابية للأجساد، والذاتيات، والعالم، عبر اشتغال نقدي على أنفسنا، على ظروف فكرنا الخاص وعلاقاتنا بالآخرين، وعلى ظروف ونتائج وجودنا.

منذ عام 2000، تطوّر إسبر ممارسة فنية متعددة الأشكال وذات طابع سياسي. من خلال فنون الأداء والفيديو والفوتوغرافيا والنحت، تفضح التمييز المجحِف وعدم المساواة اللذين يخلّفهما الفكر البطريركي، وتتفحّص خصوصاً موقع المرأة والدور المحدَّد لها في مناطق مختلفة من العالم. ولإبراز العبثية والعنف والجور الذين تخضع لهم، تستعين بجسدها وتؤسِّس بشكلٍ منهجي لانزياح تشكيلي مع المواضيع الشائكة، متلاعبةً بالأفعال المغرية، ومثيرةً فضولنا، لدفعنا إلى الغوص في تأمّل العلاقة بالآخر.

عملها "مثلث لنساء متمرّدات"، المعروض حالياً، يتمحور حول فيديو أنجزته عام 2012، وتعبر على شاشته سلسلة فتاوى وقوانين موجّهة ضد النساء في منطقتنا والعالم. بعبارة أخرى، تجمع الفنانة وتسطّر الأوامر البطريركية التي تتحكّم بحياة المرأة المحجور عليها اجتماعياً وسياسياً والممنوعة من امتلاك جسدها، أو التفكير بأنها معادلة للرجل، إلخ. محظورات تختلف وفقاً للبلد الذي تعيش فيه المرأة، وتعزز مسألة قهرها والتحكّم بها. وباقتلاعها من ظرفها وبزجّها، واحدةً تلو الأخرى، داخل مثلثٍ، تترجم هذه المحظورات اختناق المرأة ومأساتها المتواصلة.

"بوابة العصيان" لـ نينار إسبر


وفي السياق نفسه، يندرج عملها الآخر، "باب لنساء متمرّدات"، الذي استلهمته إسبر من "بوابة عشتار"، إحدى البوابات الثماني لمدينة بابل، التي شيّدت على شرف الإلهة الآشورية. عملٌ يتألف من مثلثات زجاجية ترمز إلى قصص النساء المقهورات وتجاربهن، وتشكّل مجتمعةً باباً مضيئاً ومتعدد الألوان يدعو إلى العصيان والمقاومة، وبالتالي يعكس استمرارية نضال المرأة اليومي للمحافظة على عزة نفسها وكرامتها.

"امرأة تغيّر معتقدها" لـ نينار إسبر

من جهته، يستكشف جايمس وِب طبيعة الإيمان ضمن ديناميكية نقل مبتكَرة، مستعيناً بالدعابة، وأيضاً بفن الاختطاف (détournement)، اختطاف التكنولوجيات الأكثر استخداماً، ومطوِّراً بطريقة مفرداته الفنية وفقاً للمواضيع التي يقاربها. وفي هذا السياق، نلاحظ تفضيله الأشكال غير المادية، كالصوت والضوء وآليات الاتصال، وتلاعبه بوظيفة الأماكن التي يتدخّل فيها.

ففي تجهيزه "طيف"، المعروض حالياً، يمسرح الضوء والصوت بطريقة تستحضر خللاً في وظيفة كل منهما. أكثر من ذلك، يُشرك فن المسرحة بالخرافة بطريقة تدفعنا إلى استنتاج أن كل شيء يمكن قلبه، وإن بدا لنا ذا وظيفة خاصة.

وفي فيديو "السوق الشرقي"، نشاهد إماماً يؤدِّن داخل ما تبقّى من مبنى يعود إلى حقبة التمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية. عملٌ لا يدوم طويلاً لكنه يضع مُشاهده داخل ذلك الفضاء المرصود للهدم، بعد إشباعه بضوءٍ وصوتٍ رقيقَين يرمزان إلى مقاومة الإنسان الأسوَد للعنصرية في بلده، وبالتالي إلى الظلم الذي تعرّض له. أما عمله الحروفي "اعرَف قيمتك"، فيستحضر القيمة التي نمنحها لأنفسنا، ويستهدف بطريقة ساخرة مثال الرأسمالية التي تقيّم نفسها بنفسها، بينما لا ترتكز قيمها سوى على الكسب المادي.

المساهمون