تحول المراهق اللبناني فادي من إدمان الكحول إلى الترامادول، ما عرضه للإصابة بنوبات صرع وتشنج، لم تنجح في ردعه عن تعاطي الحبوب رخيصة الثمن والمنتشرة بين أقرانه، لينتهي به الحال بعد ثلاثة أعوام، مصابا بفشل كلوي وهو في ريعان شبابه.
اعتاد فادي شراء علبة الترامادول التي تحتوي على 30 حبة، بستة آلاف ليرة (ما يعادل أربعة دولارات)، في حين يشتري رفاقه العلبة التي تحتوي على 100 حبة بسعر 60 ألف ليرة لبنانية، (ما يعادل 40 دولاراً) وهو ما يراه رئيس مكتب مكافحة المخدرات في الجنوب الرائد هيثم سويد، تفاوتا في الأسعار يرجع إلى اختلاف درجات تقليد الأنواع المنتشرة من الدواء الذي أدمن عليه مراهقون، ما جعله أكثر خطورة وفتكاً بهم، إذ "تحتوي الحبوب المزورة من الترامادول على مواد مخدرة مثل المورفين والهيروين كما يحتوي بعضها على مواد كيميائية مثل الكلور، ما يؤدي إلى سرعة تدمير خلايا المخ وظهورعلامات الهلوسة بشكل سريع على المتعاطين"، وفقا لما تؤكده نتائج تحاليل المختبر الجنائي، كما يشير سويد.
لا يقتصر الأمر على هذه الإضافات الخطيرة بحسب منسق عام الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات، محمد عثمان، والذي قال لـ"العربي الجديد"، "يقوم البعض بإضافة مادة الأمفيتامين وحتى الطبشور وأسيد البطاريات، ما يجعل من تاثير هذه المخدرات شديد الخطورة، لا سيما على الجهاز العصبي المركزي".
ويؤكد نقيب الصيادلة جورج صيلي على خطورة الترامادول، وتأثيره الذي قد يؤدي إلى الوفاة في حال تعاطي المريض جرعة زائدة، وتابع قائلا لـ"العربي الجديد":"تؤدي الجرعات الزائدة إلى هبوط في ضغط الدم، وضيق التنفس، وعلى المدى البعيد تؤدي تلك الحبوب إلى ضعف البنية، فقدان الشهية، تشققات في الشفاه وجفاف في الحلق، اصفرار لون الجسد، عجز جنسي، تسمم الدم والكبد".
ضبط آلاف الحبوب
في عام 2015 تم ضبط 22525 حبة ترامادول مقلدة في لبنان، ومنذ بداية العام حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي تم ضبط 13190 حبة، بحسب الرائد سويد، والذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أن المتداول في السوق قد يصل إلى عشرات الأضعاف، مشيرا إلى ضبط ضبط مليون و50 ألف حبة ترامادول أصلية في مطار رفيق الحريري الدولي قادمة من الهند وتوقيف لبنانيين في سبتمبر/أيلول الماضي.
وتابع "الترامادول المقلد، تفوق عدد الحبوب المضبوطة منه بكثير باقي المخدرات المضبوطة من نفس النوعية، إذ تم ضبط 1025 حبة ريفوتريل و782 حبة بنزكسول، ما يشير إلى خطورة الظاهرة المنتشرة بين الشباب والمراهقين".
وتدخل حبوب الترامادول المقلدة إلى لبنان عبر المعابر البرية والبحرية والجوية "من مصر وسورية والهند ودول شرق آسيا، إذ لا يمكن الرقابة على كل الشحنات والحاويات، بحسب سويد.
علاج يطول
"الحبوب المقلدة تطلبها شريحة كبيرة من اللبنانيين من الأغنياء والفقراء، أعمارهم بين 15 و30 عاماً، يلجأون إليها إما بدافع التجربة أو الهروب من واقع معين كالفقر والبطالة"، وفقا لما يقوله منسق عام الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات، موضحا أن العلاج يعتمد على المادة المكونة للحبة والمدة والكمية التي تعاطاها المريض، مشيرا إلى أن العلاج يبدأ بمرحلة سحب السموم ثم متابعة العلاج ثم مرحلة التأهيل.
ولفت إلى أن الأعراض الانسحابية للترامادول تشمل ارتفاع ضغط الدم، وتشنجات عصبية وعضلية مفاجئة، والتعرق، والأرق وعدم القدرة على النوم وقلة التركيز، وقد تصل إلى فقدان الذاكرة المؤقت.
قلة عدد مراكز علاج الإدمان
يبلغ عدد مراكز علاج الإدمان في لبنان 10 مؤسسات موزعة على مختلف المحافظات اللبنانية، بحسب الناشط المجتمعي طارق أبو زينب، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن مراكز علاج الإدمان قليلة وغير موزعة بشكل يكفل تحقيق المرجو من علاج المرضى، إذ لا يوجد سوى مركز واحد، في الجنوب عيادته خارجية، وعلى صعيد لبنان لا يوجد سوى مستشفى واحد متخصص بعلاج الإدمان هو مستشفى ضهر الباشق في المتن، والذي يعمل تحت رعاية وزارة الصحة، في حين تقدر تكلفة علاج المريض بـ 1750 دولاراً لمدة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر يوما، يتم خلالها تنظيف جسم المريض من المواد المخدرة، ليتابع علاجه مع طبيب نفسي وطبيب أعصاب خارج المستشفى بعدها".
وتكشف منسقة قسم الوقاية بمركز سكون لعلاج الإدمان شنتال شديد، أن العديد من مدمني الهيروين ممن يترددون على المركز يلجؤون إلى تعاطي حبوب الترامادول، في محاولة لعلاج أنفسهم عند انقطاعهم عن المخدر، من أجل تخفيف عوارض الانسحاب الصعبة نفسيا وجسديا، لكن ما يحدث أنهم يدمنون النوعين معا".
كيف ينظر القانون اللبناني إلى المدمن؟
3336 موقوفاً بتهم ترويج وتعاطي المخدرات منذ بداية العام وحتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، من بينهم 2506 لبنانيين و820 عربياً و10 أجانب، بحسب إحصائية صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي.
وينظر القانون اللبناني إلى المدمن على أنه مريض، لذلك يحكم القاضي بضرورة علاجه في مركز إعادة تأهيل، بحسب المحامي صالح المقدم، والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن المحكمة لا تتابع مرحلة العلاج، ولذلك فإن معظم المدمنين لا يشفون إلا إذا تابعتهم العائلة بشكل جاد".
وأضاف" تهمة تعاطي المخدرات تدخل ضمن إطار الجنح، عقوبتها بحسب بحسب المادة 127 من قانون المخدرات في لبنان الصادر 16/3 من عام 1998: "الحبس من ثلاثة أشهر إلى 3 سنوات، وبالغرامة من مليوني ليرة (1333 دولارا) إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية (3333 دولارا)، كل من حاز أو أحرز أو اشترى مادة ضئيلة شديدة الخطورة، من دون وصفة طبيّة وبقصد التعاطي، وكانت ضآلتها تسمح باعتبارها مخصصة للاستهلاك الشخصي، ويتعرض لذات العقوبة من ثبت إدمانه على تعاطي هذه المادة، ولم يذعن لإجراءات العلاج المنصوص عليها، من الباب الثاني والجزء الثاني من هذا القانون، ويجوز منح المحكوم عليه وقف تنفيذ العقوبة المقضي بها أو إعفاؤه من تنفيذها إذا كان قاصرًا، أو تعهد بعدم التكرار وخضع لتدابير العلاج أو الرعاية التي فرضتها المحكمة، وتشدد العقوبة إذا كان الفاعل من المهنيين العاملين في مجال الصحة".