إدلب في عامها الحاسم: أولوية للنظام السوري في معقل المعارضة

02 يناير 2020
من المرجح تكثّف موجات النزوح بفعل المعارك(محمد عبدالله/الأناضول)
+ الخط -



عاود الطيران الحربي التابع لقوات النظام السوري قصف الشمال الغربي من البلاد، إذ إن السيطرة عليه في العام الحالي تشكّل أولوية لدى النظام. في المقابل، تدرك فصائل المعارضة السورية أهمية المعركة في إدلب، فأرسلت أكثر من 1500 مقاتل على نقاط التماس مع قوات النظام التي تشي تحركاتها باستعدادها لجولة أخرى من العملية العسكرية التي بدأتها نهاية العام الماضي. واستهل النظام السوري وروسيا العام الجديد بشنّ المزيد من الغارات الجوية التي استهدفت محيط مدينة إدلب، وكشفت مصادر محلية أن الطائرات الحربية الروسية شنّت نحو 20 غارة جوية استهدفت منطقة السجن المركزي والغابات والمزارع المحيطة من الجهة الغربية في المدينة. كما قصفت مدفعية قوات النظام قرى عدة في ريف مدينة معرة النعمان مثل معرشورين ومعرشمشة وتلمنس ومعصران والدير الشرقي والدير الغربي، وسُمع دوي انفجارات في ريف مدينة جبلة على الساحل السوري غربي البلاد، نتيجة تصدي قاعدة حميميم الروسية، لأهداف مجهولة، لم يعرف ما إذا كانت طائرات مسيرة أو قذائف أطلقتها الفصائل فجر أمس الأربعاء. مع العلم أن المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بأن قذائف صاروخية عدة سقطت في محيط القاعدة الروسية حميميم. كما قُتل 7 مدنيين بينهم أطفال وجرح آخرون، أمس، جراء قصف صاروخي للنظام استهدف مدرسة "عبدو سلامة" الابتدائية ومحيطها في مدينة سرمين شرق مدينة إدلب.

بدورها، قصفت الفصائل المقاتلة أمس مناطق جورين وشطحة العزيزية والرصيف والجيد الخاضعة لسيطرة قوات النظام بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. وقد قتل ضابط وأصيب 4 عناصر من قوات النظام، نتيجة هذا القصف بحسب وكالة "سانا" الرسمية. ونقلت الوكالة عن مصدر عسكري قوله أن "التنظيمات الإرهابية المتمركزة في محيط منطقتي ميدان غزال ومعر حطاط، أطلقت العديد من القذائف الصاروخية على القرى والبلدات في الريف الشمالي لحماة، ما تسبب بمقتل ضابط وإصابة عدد من العناصر بجروح إضافة إلى خسائر في الممتلكات في بلدات جورين وعين سليمو وأصيلة والمحروسة".

وأفادت مواقع مقرّبة من النظام عن مقتل ضابط كبير برتبة لواء خلال المعارك الدائرة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي منذ حوالي الشهر. وقالت إن اللواء سامي محمد، المتحدّر من مدينة حمص، قُتل في معارك ريف إدلب، عقب قصف صاروخي شنته الفصائل المقاتلة على أحد مواقع قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي الشرقي.

سياسياً، لا يزال النظام السوري يعتبر استعادة السيطرة على الشمال الغربي في مقدمة أهدافه في العام الجديد، ما يؤكد أن محافظة إدلب ومحيطها مقبلان على تصعيد عسكري واسع النطاق، إلا إذا اتفق الجانبان الروسي والتركي على تبريد الجبهات مرة أخرى، وهو ما يبدو أنه بعيد المنال في الوقت الحاضر، إذ لم تتوصل تركيا وروسيا إلى اتفاق بعد أكثر من أسبوع من المفاوضات في العاصمة الروسية موسكو. ونقل موقع "تلفزيون سوريا" عن مصادر مطلعة على المفاوضات التركية – الروسية، أن موسكو تمسكت بشرط عودة مؤسسات النظام للعمل في محافظة إدلب بما فيها جهاز الشرطة، مع رفع أعلام النظام على الدوائر الخدمية، واشتراطها إخلاء المدن الواقعة على الطرق الدولية التي تصل دمشق بحلب، وحلب باللاذقية من مقاتلي فصائل المعارضة السورية، بالإضافة إلى بعض التلال في ريف اللاذقية، مقابل إيقاف الحملة العسكرية وقصف المدنيين. وأضافت المصادر أن تركيا لم تبدِ موافقتها على تلك البنود، وأكدت لروسيا أنها لا تضمن موافقة الفصائل السورية على مثل هذه الشروط.



في غضون ذلك، اعتبر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أن معركة إدلب تعد أولوية بالنسبة لما سماها بـ "الدولة السورية" متهماً المعارضة السورية بوضع العراقيل أمام عمل اللجنة الدستورية. وذكر بيان رئاسة النظام بعد لقاء عقده الأسد مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، يوم الثلاثاء، أن معركة إدلب هدفها القضاء على ما دعاه "الإرهاب"، وهي عملية مستمرة و"تشكل أولوية بالنسبة للدولة السورية قبل أي شيء آخر".

وتدرك فصائل المعارضة السورية أهمية معركة محافظة إدلب، وتعتبرها معركة وجود، وفي حال خسارتها ستخرج تماماً من مشهد الصراع، وتضطر إلى قبول تسوية سياسية تعيد تأهيل النظام وفق الرؤية الروسية.

في هذا الإطار، لفتت مصادر في هذه الفصائل إلى وصول أكثر من 1500 مقاتل خلال الأيام القليلة الماضية من ريف حلب الشمالي إلى نقاط التماس مع قوات النظام في محافظة إدلب، عقب اتفاق مع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) المسيطرة على المحافظة. لكن المصادر أشارت إلى أن "الهيئة" رفضت دخول قوات من "فرقة المعتصم" و"جيش الإسلام" لقتال قوات النظام في محافظة إدلب. وعن أسباب الرفض، قال القيادي في "فرقة المعتصم" مصطفى سيجري في حديث لـ"العربي الجديد": "لأن "الهيئة" تدرك أن لفرقة المعتصم تأثيراً كبيراً على القاعدة الشعبية هناك، وإن دخلنا المنطقة (محافظة إدلب) فسوف تكون الخطوة الأولى لإنهاء سيطرة النصرة من الداخل". وتابع بالقول: "فرقة المعتصم" تملك تاريخاً أبيض من النضال والمقاومة والحكمة في إدارة الأزمات، وبالإضافة للعلاقات الدولية المتميزة، دخلت الفرقة الحرب على الإرهاب بدعم من وزارة الدفاع الأميركية.

وشدّد على أن الفرقة "استطاعت أن تحافظ على معاقلها في مواجهة تنظيم داعش ومنعت قسد من التقدم إلى معقلها الرئيس وهو مدينة مارع، يوم كان الاحتلال الروسي يمهد جواً لقوات سورية الديمقراطية (قسد) في مطلع عام 2016". وأضاف سيجري أنه "يحسب لفرقة المعتصم، أنها كانت الفصيل الوحيد من الجيش السوري الحر الذي تسلّم الدعم العسكري الأميركي من خلال الجو، ولم يفقد أي قطعة من سلاحه لصالح التنظيمات الإرهابية"، مؤكداً أن "فرقة المعتصم" لم تتورّط بأي عملية انتهاك أو تجاوز بحق المدنيين في العمليات العسكرية التركية، بل كانت دائماً عامل أمان واطمئنان للمدنيين من عرب وأكراد وتركمان، بالإضافة لامتلاكها علاقة متميزة أيضاً مع الجارة تركيا، وحملها المشروع الوطني ودعمها الكامل للحكومة السورية الموقتة. وختم سيجري بالقول: "فرقة المعتصم" فصيل تميز بالانضباط والالتزام، فهو يضم في صفوفه نخبة الضباط وصف الضباط المنشقين عن نظام الأسد، ونخبة من الثوار الأوائل ومن جميع المحافظات. وكل هذا وغيره يعتبر لدى "النصرة" عامل تهديد مباشر لها، ودخول "المعتصم" إلى المنطقة يعني التفاف الحاضنة الشعبية حولها، فضلاً عن قدرة الفرقة على استقدام الدعم الدولي لحماية إدلب.