إخوان أحمد الزند

14 فبراير 2015

قبل محاكمة معارضين لقانون التظاهر في محكمة مصرية (أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

لم يكن حكم محكمة النقض في القاهرة غريباً، أو مفاجأة لي، بل كنت متفاجئا من تصريحات المحامين والزملاء أنهم فوجئوا من الحكم برفض الطعن منّا. لم يكن غريبا أن تؤكد محكمة النقض حكماً لـ 3 سنوات و50 ألف جنيه غرامة و3 سنوات أخرى للمراقبة، بسبب كسر قانون التظاهر، عندما تجمع نشطاء وصحافيون خارج محكمة عابدين، في أثناء تسليمي نفسي لنيابة عابدين في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وهو ما اعتبرته السلطات مظاهرة بدون ترخيص خارج محكمة عابدين، تستوجب السجن 3 سنوات.

لم يكن الحكم مفاجأة، بل تعجبت كيف أن هناك من كان يزعم، في يوم من الأيام، أن محكمة النقض مختلفة عن باقي المحاكم، فلماذا تكون مختلفة، وعلى أي أساس، ولأي سبب؟

ربما كان يمكن الحديث عن نزاهة محكمة النقض قديماً، عندما كان هناك قضاة يتمتعون بالنزاهة، أو على الأقل عندما كان يوجد قضاة يناضلون من أجل استقلال القضاء، وهذا للأسف ليس موجودا الآن، فحتى في عهد عبد الناصر الذي بذل كل جهده لتأميم القضاء، والسيطرة عليه، كان هناك أيضا قضاة يدافعون عن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، ما دفع عبد الناصر لتنفيذ مذبحة القضاء، وإقالة كل من يدافع عن استقلال القضاء ونزاهته. وفي عهد السادات، كانت هناك، أيضاً، وقائع عديدة للقضاة، وخصوصا محكمة النقض لإبطال أحكام جائرة على المعارضين، خصوصاً بعد انتفاضة يناير/كانون الثاني 1977. حتى في عهد حسني مبارك، كان هناك تيار الاستقلال الذي بدأ منذ 2005 للدفاع عن حقوق القضاة، ورفض تورط القضاء المصري في تزوير انتخابات مجلس الشعب، أو انتخابات الرئاسة.

وقد شهد القضاء المصري منذ تأسيس المحاكم المختلطة، ثم المحاكم الأهلية في القرن الـ19 موجات عدة من الازدهار والانحدار. ولكن، لم يكن هناك موجات من الانحدار، كالتي نعيشها الآن على مدار تاريخ القضاء المصري، اضمحلال وانحدار ناتج عن التوريث، فكما أن ابن الضابط لا بد أن يكون ضابطاً، بغض النظر عن الأهلية والكفاءة، أصبح لا بد، أيضاً، أن يكون ابن القاضي قاضياً، هو الآخر، بغض النظر عن أي أهلية، أو كفاءة، أو نزاهة.

وليس غريباً أن تجد طالباً فاشلاً، وقد أصبح وكيل نيابة، ثم قاضياً، لأن أباه القاضي أراد ذلك، وليس من الغريب أن تجد نسبة ضخمة من القضاة كانوا، في الأصل، ضباط شرطة، خرجوا من الخدمة، ليعملوا بالنيابة والقضاء، وليجاملوا ضباط الشرطة في القضايا المختلفة. ومن يتابع خطب وتصريحات الزند التي يعلن فيها عن انحيازاته السياسية، وإطلاقه الأحكام قبل إجراء أي تحقيق، يدرك جيداً أن عيّنة القضاء عينة إخوان أحمد الزند. فهذا الرجل الذي تطارده عدة قضايا فساد واستيلاء على أراضٍ يعمل على هدم مبدأ استقلال القضاء، منذ أن دفع به الحزب الوطني، قبل الثورة، لمواجهة تيار الاستقلال وفكرة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، فالزند يعلن، دائماً وبوضوح، أنه ضد أي إصلاح في المنظومة القضائية التي تعاني من مشكلات كثيرة متراكمة، تؤدي إلى العدالة البطيئة، أو الظلم الصريح أحياناً، بجانب عدم الاستقلالية الفعلية للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.

أصبح معظم القضاة، الآن، من عينة إخوان أحمد الزند الذين تربطهم مصالح بالسلطة التنفيذية وباقي أجهزة الدولة، أصبح هؤلاء طائفة، لها مصالحها التي تدافع عنها ليس أكثر، وأحذر من التعليق على أحكام القضاء، حتى لو كانت ظالمة واضحة الظلم، وأحذر من مجرد التلميح لفساد المنظومة والإجراءات أو فساد بعض القضاة، فعقوبة إهانة القضاء جاهزة، ومسلطة على رقاب الجميع.

أصبح ليس من الغريب أن تأخذ محكمة أول درجة، ثم محكمة الاستئناف، ثم محكمة النقض، بتحريات الشرطة فقط، على الرغم من عدم وضوح المصادر التي قد تكون خيال ضابط المباحث، أو أن تستمع لشهادة شهود مسجلين بقضايا سرقة واغتصاب، ويعملون مرشدين لدى ضابط المباحث، ثم تتجاهل الفيديوهات التي تثبت عكس ما كذب الضابط وشهوده الذين كلفهم بالشهادة الزور.

ليس من الغريب في مصر أن يحصل حسني مبارك وأبناؤه ووزراؤه على براءة، على الرغم من أن الفساد كان واضحا، في حين أنه يتم معاقبة شباب الثورة، أو من يمارس حقه في التظاهر السلمي بأقصى العقوبة، وبالسجن لمجرد الاعتراض. ليس من الغريب في مصر أن يكون القضاء ظالماً، ومنحازا للسلطة الفاسدة، فهذا هو المتوقع من طائفة إخوان الزند التي تتشابك مصالحها مع السلطة التنفيذية، ومع المؤسسة العسكرية. ولكن، متى يمكن إصلاح المنظومة القضائية، لكي يتم تحقيق الاستقلال وتحقيق العدالة ومواجهة الفساد؟ ربما في الأجيال القادمة التي ستجد الأسباب نفسها لثورة 25 يناير لا تزال مستمرة، وربما تكتشف أن هناك تحالفا بين المنظومة القضائية والسلطة التنفيذية، تحالف مصالح لعرقلة نتائج الثورة، ولعرقلة أي إصلاح في أي مجال.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017