23 سبتمبر 2024
إثيوبيا.. مستقبل الفيدرالية الإثنية بعد استقالة ديسالين
على الرغم من استمرار الاحتجاج على مدى أكثر من عامين، تتزايد احتمالات الانتقال السلمي للسلطة، وهو تطور يمكن قراءته واحدا من مؤشرات تطور النظام الفيدرالي، ومدى قدرته على استيعاب التطلعات الإثنية. وبالتالي، فإن إعلان هايله ميريام ديسالين استقالته، من دون انتظار انعقاد مؤتمر الجبهة الثورية الشعبية (EPRDF) في مارس/ آذار الجاري، يمكن أن يشكل عنصراً مفاجئاً ، بسبب أنها جاءت في منتصف الدورة الانتخابية، كما يلقي بظلال حول طبيعة الأزمة السياسية وتأثيرها على مستقبل نظام الفيدرالية الإثنية، وهو ما يشكل أهم التحديات التي تواجه السياسة الإثيوبية التي تعمل في بيئة معقدة، وخصوصاً ما يرتبط بقضايا الاندماج القومي وتوزيع السلطة والثروة وتوجهات السياسة الخارجية.
اتجاهات نشر السلطة
وبغض النظر عن خلفيات استقالة ديسالين، يبدو من الأهمية الاقتراب من الخيارات المتاحة في إثيوبيا، وخصوصاً ما يتعلق بمدى حدوث انتقال سياسي، أو اندلاع صراعات إثنية، حيث تتضمن هذه البدائل أهم المؤشرات على الخيارات الحدية في السياسة الإثيوبية، ولعل سياسة التعامل مع تداعيات الاحتجاج، سوف تكشف عن البدائل المحتملة، ومن ثم فإن استمرار النقاش حول توسيع قاعدة المشاركين في السلطة، سوف يرسي أعرافا سياسية، تتيح الفرصة لوصول كل القوميات للسلطة.
فقد بدا توزيع السلطة، بعد وفاة ميلس زيناوي، أكثر انفتاحاً على القوميات الأخرى، حيث
ينحدر ديسالين من شعوب جنوبي إثيوبيا، فيما ظل الأمهرا والأورومو بعيدين عن منصب رئاسة الوزراء، وهذا ما يفسر جانباً من اندلاع الاحتجاجات في إقليمي الأمهرا والأورومو بعد انتخابات 2015، وبشكل يعكس التململ من توزيع السلطة الفيدرالية القائم على احتكار جبهة تحرير التغراي (TPLF)، ما وضع الحكومة الفيدرالية أمام أزمةٍ في الشرعية، بسبب استمرار المظاهرات وعدم قدرة حملات القمع على إخمادها، كما كان من اللافت أن رئيس الوزراء لم يستطع وقف القمع الحكومي ضد شعوب جنوبي إثيوبيا، وهو ما يرجع إلى تغلغل التغراي في مؤسسات الدولة، سواء في الجيش أو الأمن أو الاقتصاد أو التجارة. ولذلك، تمكّنت من فرض حالة الطوارئ عبر مجلس الأمن القومي، على الرغم من عدم اختصاصه دستوريا. ومن ثم، فإن انحسار السلطة الفعلية لرئيس الحكومة وانخفاض نفوذه ساهما في انتشار الاحتجاجات في إقليمي الأمهرا والأورومو، حيث مارس التغراي السلطة خارج نطاق الفيدرالية، ويمكن النظر لفترة الاحتجاجات، والتي بدأت في أغسطس/آب 2015، اختبارا لمدى استمرار هيمنة التغراي، من دون أن تكون في منصب رئاسة الوزراء.
وفي ما يتعلق بجماعة الأمهرا، كان الجانب الأساسي للاحتجاجات متمثلاً في المطالبة بالحقوق السياسية واحترام حقوق الإنسان وزيادة الاستثمار الاقتصادي، لأجل التوظيف والتنمية. ومع تزايد الاحتجاج، صدرت قرارات في عام 2016 باعتقال المحتجين الأمهرا تحت قانون مكافحة الإرهاب، وهو ما أدى إلى تنامي السخط على النخبة الحاكمة، والمطالبة بإسقاطها، كما لا تخلو احتجاجات الأمهرا من الخلفيات التاريخية لاستعادة السلطة، وإسقاط هيمنة التغراي.
وفي ما يتعلق بجماعة الأورومو، اندلعت المظاهرات في 2015، بعد الإعلان عن مشروع التنمية المستمرة للعاصمة أديس أبابا، ما دفع بمسألة "المصالح الخاصة" للأورومو لمواجهة المطالب السياسية، وذلك حسب المادة 49/ 5 من الدستور، ومنذ وضعها تحت الإدارة المباشرة لمكتب رئيس الوزراء في عام 2000، شهدت المدينة تغيرات ديموغرافية واقتصادية، واتخذت الحكومة إجراءات بطرد الأورومو من أراضيهم، لإفساح المجال للمستثمرين التغراي، ومنحتهم عقود إيجار طويلة الأجل، وتحت ضغوط الوعي القومي والاحتجاج الشعبي، وضعت منظمة الأورومو (OPDO) مسودة قانون أديس أبابا في مارس/ آذار 2017، واعتمده مجلس الوزراء في 27 يونيو/ حزيران. وقبل عرضه على البرلمان، واجه اعتراضات قوية من التغراي والأمهرا، حالت دون إقراره، بسبب الخلاف بشأن تعريف المصالح الخاصة.
ويمكن قراءة مشروع قانون أديس أبابا على أنه بمثابة استعادة الهوية التاريخية للمدينة، بحيث
لا يعني أنها عاصمة فيدرالية الاستيلاء على حقوق السكان الأصليين. ولذلك، توسع المشروع في التعريف التاريخي للمدينة والمطالبة باستعادة اسمها القديم فينفينا (FINFINE) بجانب الحقوق اللغوية، وتوسيع سلطة الحكم الذاتي، بحيث يعزز الدور السياسي للأورومو، كما أن طرحه من منظمة الأورومو، يمكن أن يدفع باتجاه تغيير اتجاهات التأثير داخل التحالف الحاكم.
مناقشات نقل السلطة
بالنظر إلى خطاب استقالة ديسالين، كان من الملاحظ أنه يسعى إلى تكوين صورة ذهنية بأنه بمثابة تمهيد لإفساح الطريق أمام سياسات جديدة للإصلاح السياسي، حيث تبدو حلا لمنع الحرب الأهلية، لكن تحقيق هذه الأهداف يتوقف على طريقة إدارة الخلاف على شغل المنصب وحل الأزمات بين الأقاليم المختلفة، فالوصول إلى السلام والديمقراطية يرتبط بتوفر مناخ للتسويات داخل الجبهة الثورية بشأن المناصب السيادية والثروة، ويعد التفاهم على منصب رئيس رئاسة الوزراء الاختبار الأساسي لقدرة التحالف الحاكم على ترسيخ قاعدة التفاوض حول تسيير شؤون الدولة.
فالتوافق والتراضي على طريقة تداول المنصب سوف يكون من العوامل الحاكمة للعلاقات الإثنية في المستقبل. وفي هذه المرحلة، تبدو التنافسية أكثر صعوبة من 2012، بسبب حدة التنافس بين الأمهرا والأورومو، فهناك تنافس بين نائب رئيس الجبهة الثورية، لما ماجاسا، وينتمي لجماعة الامهرا، وآبي أحمد المنتمي لمنظمة الأورومو الديمقراطية، وقد يكون اللجوء إلى تشكيل حكومة انتقالية حتى الانتخابات المقبلة واحداً من الخيارات، لكنه يديل يساهم في تراكم الأزمات، بسبب استمرار الحكومة الحالية، وعدم قدرتها على التصدي لاحتواء القلق والتوتر العرقي.
ويعكس دخول شعوب الجنوب ووتزايد احتمالات وصول الأورومو إلى قمة هرم السلطة تغيرا مهما في الثقافة السياسية، حيث ظلت الجماعتان بعيدتين عن السلطة على مدى تاريخ إثيوبيا الحديث، وبالتالي فإن دخولهما إلى مركز السلطة يمكن أن يساهم في تقريب فكرة الاندماج القومي من المخيلة الإثيوبية. وبغض النظر عن وصول آبي أحمد إلى السلطة، من المحتمل أن تظهر توجهات نحو المطالبة بتعديل النظام الفيدرالي، حيث يشغل استرضاء الجماعات الأخرى خارج التحالف أولويةً لمنع فرص المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي.
الانتخابات والنخبة السياسية
منذ عام 1995، تكشف نتائج انتخابات مجلس نواب خلال الفترة 1994 – 2015 مدى استحواذ تحالف الجبهة الثورية وحلفائها على مقاعد مجلس النواب في الانتخابات التشريعية المختلفة، وفي انتخابات 2015 استحوذت على جميع المقاعد التشريعية والمحلية، لكن اندلاع الاحتجاجات في العام نفسه، وبشكل يشابه فترة ما بعد انتخابات 2005، يثير الجدل حول ملاءمة الانتخابات، للتعبير عن تطلع القوميات الإثيوبية.
لعل المشكلة الأساسية تكمن في أنه منذ العام 2000، لم تغير الجبهة الثورية سياستها في إدارة الانتخابات، فقد شكل قمع المعارضة سياسة مستمرة، كما تدخلت في صناعة أحزاب إقليمية وقومية، لتكون ذراعا للسيطرة، أو تقسيم الأحزاب المنافسة وتقويضها، كما عملت جبهة التغراي والحكومة الإثيوبية على تقويض محاولات إنشاء أحزاب وطنية (غير إثنية) باعتبارها تشكل تهديداً للفيدرالية الإثنية.
وفي هذا السياق، شهدت جبهة التغراي تحولات داخلية، تمثلت في حدوث تغيير شامل للمكتب السياسي، ففي انتخابات 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 انتخبت ديبرتسيون جبرميكايل رئيساً للجبهة، في ما خرجت أزب مسفن (أرملة ميلس زيناوي) وآخرون، وبالنظر إلى خبرة ديبرتسيون في جبهة التغراي، وتقلده عدة مناصب في الدولة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وشغل مواقع عديدة في وزارة الداخلية، وانخرط في الجبهة في فترة الحرب الأهلية (1975 – 1992)، لكنه لم يكن من المجموعات القيادية في الجبهة. قد تشير هذه التغيرات إلى وجود احتمالات لمراجعة التوجهات القومية للتغراي، تحت تأثير عاملين؛ تصاعد التنافسية مع القوميات الأخرى حول مركزية التغراي في السياسة الإثيوبية، وغياب الزعامة السياسية، ما يجعل القيادات الجديدة تحظى بشرعيةٍ أقل في فرض نوع من الإكراه القومي من جانب التغراي ضد القوميات الأخرى.
تترافق هذه التغيرات مع حدوث تغير مواز في الجبهة الثورية، لم يتوقف عند وصول ديسالين
إلى السلطة، لكنه امتد إلى ظهور تحولات جيلية، يمكن أن تساعد في تغيير السياسات في إثيوبيا، فبينما ارتبطت مسألة التحرر القومي بالأجيال الأولى من الفلاحين وأسرى الحرب في ثمانينيات القرن الماضي، فإنه مع دخول أعضاء جدد في عام 1991، ترافق الوعي القومي مع المضي في تكوين مظلة الوحدة الإثيوبية، ويعد آبي أحمد من الأجيال الجديدة في تحالف الجبهة الثورية، ويميل تكوينه الثقافي إلى الإطار الوطني، بغض النظر عن انتماءاته الدينية أو العرقية.
وبشكل عام، نظر خطاب جبهة التغراي السياسي لاستقالة ديسالين باعتبار وجوده في السلطة كان بمثابة مشكلة، وهي خطوة للاستعداد لمؤتمر الجبهة الثورية، كما حاولت أن تعطي انطباعا للدول الغربية بإمكانية التداول السلمي وتحسين المناخ السياسي. وهنا أهمية القيود الخارجية مانعا لتفكك الدولة، ومن ثم، يشير المسار الحالي إلى وجود رغبة في عدم الانزلاق نحو حرب أهلية، حيث يبدو التغراي أقل استعدادا لخسارة مكاسب الفيدرالية، كما يشير أيضاً إلى احتمال حدوث تغيرات محدودة في السياسة الخارجية، وخصوصاً بعد تزايد الاعتماد على الاستثمارات الخارجية، والتكيف مع اتجاهات السوق الدولية. في هذا السياق، تشكل إثيوبيا مصلحة مشتركة لأطراف دولية وإقليمية كثيرة، حيث تميل البلدان الغربية إلى استمرار النظام القائم، حيث أن الدخول في صراعات أهلية سوف يؤدي إلى تدهور في منطقة القرن الإفريقي.
ولذلك يمكن القول إن النظام الفيدرالي يواجه خيارين؛ إجراء إصلاحات سياسية أو انتشار الحرب الأهلية. وحتى الوقت الحالي، تبدو الاستجابة غير مواكبة لتطلعات القوميات وحركات الشباب، فعلى الرغم من إمكانية اختيار رئيس الوزراء من قومية أخرى غير التغراي، لم يقلل من الوعي القومي، لكنه يوفر طريقة لامتصاص التناقضات الإثنية، وهي خياراتٌ تلقى إطاراً دستورياً مرناً يتيح الفرصة لتعديل النظام الفيدرالي، كما تلقى دعماً دولياً.
اتجاهات نشر السلطة
وبغض النظر عن خلفيات استقالة ديسالين، يبدو من الأهمية الاقتراب من الخيارات المتاحة في إثيوبيا، وخصوصاً ما يتعلق بمدى حدوث انتقال سياسي، أو اندلاع صراعات إثنية، حيث تتضمن هذه البدائل أهم المؤشرات على الخيارات الحدية في السياسة الإثيوبية، ولعل سياسة التعامل مع تداعيات الاحتجاج، سوف تكشف عن البدائل المحتملة، ومن ثم فإن استمرار النقاش حول توسيع قاعدة المشاركين في السلطة، سوف يرسي أعرافا سياسية، تتيح الفرصة لوصول كل القوميات للسلطة.
فقد بدا توزيع السلطة، بعد وفاة ميلس زيناوي، أكثر انفتاحاً على القوميات الأخرى، حيث
وفي ما يتعلق بجماعة الأمهرا، كان الجانب الأساسي للاحتجاجات متمثلاً في المطالبة بالحقوق السياسية واحترام حقوق الإنسان وزيادة الاستثمار الاقتصادي، لأجل التوظيف والتنمية. ومع تزايد الاحتجاج، صدرت قرارات في عام 2016 باعتقال المحتجين الأمهرا تحت قانون مكافحة الإرهاب، وهو ما أدى إلى تنامي السخط على النخبة الحاكمة، والمطالبة بإسقاطها، كما لا تخلو احتجاجات الأمهرا من الخلفيات التاريخية لاستعادة السلطة، وإسقاط هيمنة التغراي.
وفي ما يتعلق بجماعة الأورومو، اندلعت المظاهرات في 2015، بعد الإعلان عن مشروع التنمية المستمرة للعاصمة أديس أبابا، ما دفع بمسألة "المصالح الخاصة" للأورومو لمواجهة المطالب السياسية، وذلك حسب المادة 49/ 5 من الدستور، ومنذ وضعها تحت الإدارة المباشرة لمكتب رئيس الوزراء في عام 2000، شهدت المدينة تغيرات ديموغرافية واقتصادية، واتخذت الحكومة إجراءات بطرد الأورومو من أراضيهم، لإفساح المجال للمستثمرين التغراي، ومنحتهم عقود إيجار طويلة الأجل، وتحت ضغوط الوعي القومي والاحتجاج الشعبي، وضعت منظمة الأورومو (OPDO) مسودة قانون أديس أبابا في مارس/ آذار 2017، واعتمده مجلس الوزراء في 27 يونيو/ حزيران. وقبل عرضه على البرلمان، واجه اعتراضات قوية من التغراي والأمهرا، حالت دون إقراره، بسبب الخلاف بشأن تعريف المصالح الخاصة.
ويمكن قراءة مشروع قانون أديس أبابا على أنه بمثابة استعادة الهوية التاريخية للمدينة، بحيث
مناقشات نقل السلطة
بالنظر إلى خطاب استقالة ديسالين، كان من الملاحظ أنه يسعى إلى تكوين صورة ذهنية بأنه بمثابة تمهيد لإفساح الطريق أمام سياسات جديدة للإصلاح السياسي، حيث تبدو حلا لمنع الحرب الأهلية، لكن تحقيق هذه الأهداف يتوقف على طريقة إدارة الخلاف على شغل المنصب وحل الأزمات بين الأقاليم المختلفة، فالوصول إلى السلام والديمقراطية يرتبط بتوفر مناخ للتسويات داخل الجبهة الثورية بشأن المناصب السيادية والثروة، ويعد التفاهم على منصب رئيس رئاسة الوزراء الاختبار الأساسي لقدرة التحالف الحاكم على ترسيخ قاعدة التفاوض حول تسيير شؤون الدولة.
فالتوافق والتراضي على طريقة تداول المنصب سوف يكون من العوامل الحاكمة للعلاقات الإثنية في المستقبل. وفي هذه المرحلة، تبدو التنافسية أكثر صعوبة من 2012، بسبب حدة التنافس بين الأمهرا والأورومو، فهناك تنافس بين نائب رئيس الجبهة الثورية، لما ماجاسا، وينتمي لجماعة الامهرا، وآبي أحمد المنتمي لمنظمة الأورومو الديمقراطية، وقد يكون اللجوء إلى تشكيل حكومة انتقالية حتى الانتخابات المقبلة واحداً من الخيارات، لكنه يديل يساهم في تراكم الأزمات، بسبب استمرار الحكومة الحالية، وعدم قدرتها على التصدي لاحتواء القلق والتوتر العرقي.
ويعكس دخول شعوب الجنوب ووتزايد احتمالات وصول الأورومو إلى قمة هرم السلطة تغيرا مهما في الثقافة السياسية، حيث ظلت الجماعتان بعيدتين عن السلطة على مدى تاريخ إثيوبيا الحديث، وبالتالي فإن دخولهما إلى مركز السلطة يمكن أن يساهم في تقريب فكرة الاندماج القومي من المخيلة الإثيوبية. وبغض النظر عن وصول آبي أحمد إلى السلطة، من المحتمل أن تظهر توجهات نحو المطالبة بتعديل النظام الفيدرالي، حيث يشغل استرضاء الجماعات الأخرى خارج التحالف أولويةً لمنع فرص المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي.
الانتخابات والنخبة السياسية
منذ عام 1995، تكشف نتائج انتخابات مجلس نواب خلال الفترة 1994 – 2015 مدى استحواذ تحالف الجبهة الثورية وحلفائها على مقاعد مجلس النواب في الانتخابات التشريعية المختلفة، وفي انتخابات 2015 استحوذت على جميع المقاعد التشريعية والمحلية، لكن اندلاع الاحتجاجات في العام نفسه، وبشكل يشابه فترة ما بعد انتخابات 2005، يثير الجدل حول ملاءمة الانتخابات، للتعبير عن تطلع القوميات الإثيوبية.
لعل المشكلة الأساسية تكمن في أنه منذ العام 2000، لم تغير الجبهة الثورية سياستها في إدارة الانتخابات، فقد شكل قمع المعارضة سياسة مستمرة، كما تدخلت في صناعة أحزاب إقليمية وقومية، لتكون ذراعا للسيطرة، أو تقسيم الأحزاب المنافسة وتقويضها، كما عملت جبهة التغراي والحكومة الإثيوبية على تقويض محاولات إنشاء أحزاب وطنية (غير إثنية) باعتبارها تشكل تهديداً للفيدرالية الإثنية.
وفي هذا السياق، شهدت جبهة التغراي تحولات داخلية، تمثلت في حدوث تغيير شامل للمكتب السياسي، ففي انتخابات 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 انتخبت ديبرتسيون جبرميكايل رئيساً للجبهة، في ما خرجت أزب مسفن (أرملة ميلس زيناوي) وآخرون، وبالنظر إلى خبرة ديبرتسيون في جبهة التغراي، وتقلده عدة مناصب في الدولة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وشغل مواقع عديدة في وزارة الداخلية، وانخرط في الجبهة في فترة الحرب الأهلية (1975 – 1992)، لكنه لم يكن من المجموعات القيادية في الجبهة. قد تشير هذه التغيرات إلى وجود احتمالات لمراجعة التوجهات القومية للتغراي، تحت تأثير عاملين؛ تصاعد التنافسية مع القوميات الأخرى حول مركزية التغراي في السياسة الإثيوبية، وغياب الزعامة السياسية، ما يجعل القيادات الجديدة تحظى بشرعيةٍ أقل في فرض نوع من الإكراه القومي من جانب التغراي ضد القوميات الأخرى.
تترافق هذه التغيرات مع حدوث تغير مواز في الجبهة الثورية، لم يتوقف عند وصول ديسالين
وبشكل عام، نظر خطاب جبهة التغراي السياسي لاستقالة ديسالين باعتبار وجوده في السلطة كان بمثابة مشكلة، وهي خطوة للاستعداد لمؤتمر الجبهة الثورية، كما حاولت أن تعطي انطباعا للدول الغربية بإمكانية التداول السلمي وتحسين المناخ السياسي. وهنا أهمية القيود الخارجية مانعا لتفكك الدولة، ومن ثم، يشير المسار الحالي إلى وجود رغبة في عدم الانزلاق نحو حرب أهلية، حيث يبدو التغراي أقل استعدادا لخسارة مكاسب الفيدرالية، كما يشير أيضاً إلى احتمال حدوث تغيرات محدودة في السياسة الخارجية، وخصوصاً بعد تزايد الاعتماد على الاستثمارات الخارجية، والتكيف مع اتجاهات السوق الدولية. في هذا السياق، تشكل إثيوبيا مصلحة مشتركة لأطراف دولية وإقليمية كثيرة، حيث تميل البلدان الغربية إلى استمرار النظام القائم، حيث أن الدخول في صراعات أهلية سوف يؤدي إلى تدهور في منطقة القرن الإفريقي.
ولذلك يمكن القول إن النظام الفيدرالي يواجه خيارين؛ إجراء إصلاحات سياسية أو انتشار الحرب الأهلية. وحتى الوقت الحالي، تبدو الاستجابة غير مواكبة لتطلعات القوميات وحركات الشباب، فعلى الرغم من إمكانية اختيار رئيس الوزراء من قومية أخرى غير التغراي، لم يقلل من الوعي القومي، لكنه يوفر طريقة لامتصاص التناقضات الإثنية، وهي خياراتٌ تلقى إطاراً دستورياً مرناً يتيح الفرصة لتعديل النظام الفيدرالي، كما تلقى دعماً دولياً.