أعاد اغتيال المغني الإثيوبي هاشالو هونديسا، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في بلاده، ويعتبر أيقونة فنية والوجه الملهم لإثنية الأورومو، موجة الاضطرابات في إثيوبيا، والتي يواجه اليوم رئيس وزرائها آبي أحمد مجموعة تحديات داخلية، على رأسها السخط المتفاقم داخل عرقية الأورومو التي ينتمي إليها. هذا السخط الذي فاقمته أزمة وباء كورونا، يخشى من تحوله إلى حمام دم، وهو ما أثاره مقتل هونديسا، والمستفيدون منه، وكذلك سلوك آبي أحمد القمعي تجاه المعارضين، بعدما كان قد وصل للحكم في 2018 بخطابٍ واعد. واستهدف هاشالو هونديسا، مساء يوم الإثنين الماضي، في إحدى ضواحي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بنيران مسلحين فيما كان يستقل سيارته، ما أدى إلى إصابته، ثم وفاته بعد ساعات قليلة من نقله إلى المستشفى. وبدأت الاحتجاجات على مقتله في العاصمة أديس أبابا، وفي منطقة أوروميا، فور نقله إلى المستشفى، حيث تجمع الآلاف تنديداً، لتتسع رقعة المواجهات مع الشرطة، أول من أمس الثلاثاء، وتتحول إلى أعمال عنف وشغب، أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 81 شخصاً خلال يومين. وسجل يوم أمس تجدد الاحتجاجات، فضلاً عن 3 تفجيرات "مجهولة" في العاصمة، وقطع لشبكة الإنترنت، واعتقالات طاولت ناشطين بارزين، وعلى رأسهم الناشط الأورومي، المعارض حالياً لآبي أحمد، جوار محمد.
يعتبر هونديسا أيقونة فنية والوجه الملهم لإثنية الأورومو
وعلى الرغم من كونهم الإثنية الكبرى في إثيوبيا، التي تضم حوالي 90 إثنية، وتعد الأكثر تعداداً للسكان في القارة الأفريقية بعد نيجيريا، إلا أن الأورومو لطالما اشتكوا من تهميشهم اقتصادياً وسياسياً. وتميزت مسيرة هاشالو هونديسا (34 عاماً) بالتوجه إلى محاكاة قلق هذه الإثنية، والتعبير عن مطالبها، خاصة في عهد سلف آبي أحمد، هايلي ميريام ديسالين، الذي ينتمي إلى إثنية التغراي.
وتسلط عملية اغتيال هونديسا الضوء، مجدداً على عهد آبي أحمد، وازدواجية خطابه، الذي يتسم بالطموح إلى بناء ديمقراطية في إثيوبيا متعددة الإثنيات، من جهة، والتشدد في وجه المعارضين من جهة أخرى. وفتحت مقابلة لهونديسا، قبل أسبوع، انتقد فيها آبي أحمد، التساؤلات حول الجهات المنفذة للجريمة، التي قالت الشرطة أمس إنها لا تعرف دوافعها. وكانت أغنيات هونديسا من جملة العوامل المحرضة على تغيير وجه الحكم في البلاد قبل عامين، لكن التوتر الذي عاد إلى البلاد، والذي يحمل طابعاً إثنياً، بدا هذه المرة أكثر حدة، مع انقسام داخل الأورومو نفسها لجهة رضاها عن آبي أحمد.
وذكرت الشرطة مساء أمس أن 81 شخصاً قُتلوا في هذه المنطقة خلال احتجاجات اليومين الماضيين، في أنحاء مختلفة في البلاد، لا سيما تلك التي اندلعت حين رافق متظاهرون جثمان هونديسا إلى مسقط رأسه في منطقة أمبو، حيث سيشيع جثمانه اليوم الخميس. ولفت بالشا إلى أن القتلى، بينهم متظاهرون وأفراد من قوات الأمن، مشيراً إلى إضرام النيران في بعض الشركات، وأن قوات الأمن "لم تكن مستعدة لهذا"..
فتحت مقابلة لهونديسا انتقد فيها آبي أحمد التساؤلات حول الجهات المنفذة للجريمة
وفيما عرف هاشالو هونديسا بانتقاده العهد الإمبراطوري في بلاده كما الأنظمة المتعاقبة، حطم متظاهرون أول من أمس تمثال راس ماكونين، والد الإمبراطور هايلي سيلاسي (حكم من 1920 إلى 1974)، كما سجل مطالبة جاليات إثيوبية في الولايات المتحدة بالعدالة لمقتل المغني المعروف.
وتعليقاً على الحادثة التي وصفها بـ"المأساوية"، أعرب آبي أحمد، أول من أمس الثلاثاء، عن تعازيه، داعياً إلى الهدوء، وواعداً بتقديم الجناة للعدالة. وقال أحمد، الذي حاز على جائزة نوبل للسلام العام الماضي، إن "أعداءنا لن ينتصروا"، وإن حكومته "تنتظر الحصول من الشرطة على التقرير الكامل حول عملية القتل الشنيعة". وأضاف "نحن نتفهّم خطورة الموقف، ونرصد بانتباه للوضع والأنشطة داخل البلاد. نحن نعبر عن عزائنا، بالتوازي مع حماية أنفسنا وتجنب جرائم أخرى".
ويواجه آبي أحمد مهمة صعبة في مكافحة وباء كورونا وتداعياته، ومنها محاولته الحفاظ على النمو الاقتصادي، وتخفيف الغضب من تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان مقرراً إجراؤها في البلاد في أغسطس/ آب المقبل، لكنها رحلت إلى العام 2021 بسبب الفيروس. وحتى قبل إعلان تأجيل الاستحقاق الانتخابي، حذر محللون مختصون بالشأن الإثيوبي من أن استمرار الغضب لدى عرقية الأورومو قبل الانتخابات قد يقود إلى أحداث عنف دموية. ويأتي ذلك في وقت اتسم عهد آبي أحمد إلى الآن بتصاعد الاحتقان ضده حتى من داخل إثنية الأورومو التي ينتمي إليها، وتحول ناشطين كانوا الحجر الأساس لوصوله إلى السلطة إلى معارضين له، ومن أبرزهم جوار محمد.
وكان المغني الراحل قد أجرى الأسبوع الماضي مقابلة مع شبكة "أوروميا" الإعلامية، التي يمتلكها جوار محمد، حيث عبّر عن رفضه التام وتنديده بالعنف الذي ارتكبته أنظمة سابقة في إثيوبيا، لكنه انتقد أيضاً قيادة رئيس الحكومة الحالي آبي أحمد. وعلى الرغم من أن هذه الحكومة أقدمت على خطوات لدى بداية وصول آبي أحمد إلى السلطة، تعبر عن انفتاح تجاه المعارضين، مع عودة بعض منهم من المنفى، إلا أنها تعرضت لوابل من الانتقادات الحقوقية العالمية لتنفيذها اعتقالات تعسفية، لا سيما ضد صحافيين، وحجب الإنترنت، وقمع المتظاهرين. واتهمت منظمات حقوقية قوات الأمن في عهد آبي أحمد بتنفيذ إعدامات خارج إطار القانون، وجرائم اغتصاب، وتوقيفات تعسفية. وتقول هذه المنظمات أيضاً إن حكومة آبي أحمد أخفقت في سوق ضباط متهمين بقتل عشرات المتظاهرين المناهضين للحكومة العام الماضي، إلى العدالة.
يذكر أن شبكة "أوروميا" للإعلام أفادت بعد مقتل هاشالو هونديسا بأن السلطات الأمنية اقتحمت استديوهاتها في أديس أبابا واعتقلت الموظفين. وفي بيان ثانٍ لها، نشرته على موقع "فيسبوك"، أكدت الشبكة أن صاحبها، الناشط جوار محمد، بالإضافة إلى زعيم معارض آخر ومعروف، هو بيكيلي غاربو، قد اعتقلا، فيما تحدثت وكالة "الأناضول" عن اعتقال 34 متظاهراً منذ أول من أمس الثلاثاء.
(العربي الجديد، رويترز)