إبراهيم عبد المجيد وحوار الحواجز

11 مايو 2014
عمل لـ ميرون / السودان
+ الخط -

لم تكن جلسة الحوار المفتوح بين الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد والكتّاب السودانيين، التي استضافتها دار اتحاد الكتاب السودانيين في الخرطوم مؤخراً، موضوعة ضمن برنامج زيارته إلى السودان. فصاحب "طيور العنبر" و"البلدة الأخرى" و"لا أحد ينام في الإسكندرية" وغيرها من الروايات والمجموعات القصصية؛ حط رحاله في السودان ضمن وفد مصري ضم عدداً من المبدعين يشارك في مبادرة "شباب وادي النيل في مصر والسودان للتواصل الاجتماعي" تحت عنوان "مصر في عيون السودان".

وهي مبادرة يشرف على تنظيمها "الاتحاد الوطني للشباب السوداني" (منظمة يسيطر عليها الحزب الحاكم)، ووزارة الثقافة السودانية، مع الأخذ في الاعتبار التعاطي الحذر ـ بل والمقاطعة أحياناً ـ من معظم المثقفين والكتاب السودانيين لكل ما يندرج تحت مظلة رسمية. لذا كان مفهوماً أن لا تضم القاعة الصغيرة أكثر من خمسة عشر شخصاً، إذ لم يكن هناك وقت كاف للتنويه بمثل هذا النشاط الذي جاء مفاجئاً وقبل ساعات قليلة فقط من موعد مغادرته الخرطوم.

وكذلك كان مبرراً - لي على الأقل - شعور عبد المجيد بحاجته إلى تعريف نفسه للحاضرين، عبر سرد سيرته الذاتية عليهم وتلخيص رواياته وقصصه. فأنا من جيل لم يسمع معظمه بعبد المجيد ومجايليه من الكتاب المصريين. إذ أدى منع السلطات السودانية في منتصف التسعينيات دخول المطبوعات المصرية إلى السودان، على خلفية توترات سياسية، إلى انفتاح جيلنا على قراءات أخرى من المتاح من المطبوعات. وعند انتهاء الأزمة السياسية بين النظامين الحاكمين في البلدين بعد سنوات، كان من الصعب على أكثرنا "استطعام" الأدب المصري الذي لم تستمرئه ذائقتنا لعدم معرفته مبكراً.

قبل ذلك، كانت المطبوعات المصرية هي المغذّي الأول للمشهد الأدبي في السودان، والمؤثّر الأكبر على المثقفين في أرض النيلين. وباختفائها مع التأثير الثقافي المصري المباشر على مستوى الدراما المصرية- التي استبدلت بالدراما السورية والأردنية؛ خفّ الاهتمام الأدبي بمصر وسط الأجيال اللاحقة. وهو ما ظهر في الجلسة الحوارية الأحد الماضي، حيث بدا أن أصغر الحاضرين الملمّين بأعمال إبراهيم عبد المجيد كان في منتصف العقد الرابع.

لم يكن هذا الحاجز فقط هو ما حال بين عبد المجيد والقارئ السوداني، إذ ثمة حاجز آخر من جانبه أيضاً، كان مثار استياء بعض الحاضرين، كما تجلّى ذلك في تعليقاتهم بعد انتهاء الجلسة. فعند أول مداخلة من أحدهم، بدر تنبيه من إبراهيم عبد المجيد بأنه لا يفهم اللهجة السودانية! مما اضطر المتداخل إلى الحديث بالفصحى، وهو أمر له حساسيته التي ربما لا علم لعبد المجيد بها، مثل كثير من الإخوة المصريين الذين لا ينتبهون إلى الانطباع السلبي الذي يخلفونه لدى السودانيين حين لا يبذلون قليلاً من الجهد لفهم اللهجة السودانية، خصوصاً في ظل استقطابات سياسية واجتماعية مستمرة منذ وقت ليس بالقليل. وهو أمر يفقد مصر كل يوم الكثير من أراضيها في الوجدان السوداني، مقارنةً بتعاطي جنسيات عربية أخرى، كالعراقيين والسوريين والفلسطينيين، مع اللهجة السودانية بلا مشاكل تُذكر.

بعيداً عن التجاذبات السياسية أظن أن هذه الجلسة "الحوارية"، بيّنت الحاجة الملحة إلى فتح حوار حقيقي وعميق بين المثقفين في كل من السودان ومصر، من أجل تصحيح بعض الاختلالات التي يرى فيها بعض أبناء جيلي والأجيال التي تلته حاجزاً بين البلدين الشقيقين.

دلالات
المساهمون