في الوقت الذي لا تزال فيه مقاتلات حربية روسية وأخرى تابعة للنظام السوري، تستهدف مدن وبلدات الشمال الغربي من البلاد موقعة المزيد من القتلى بين المدنيين، كشفت جهات مختصة بالتوثيق عن الصورة القاتمة للوضع الإنساني في محافظة إدلب ومحيطها، في ظل الاستهداف المتعمد للمستشفيات والمراكز الطبية من قبل قوات الأسد وروسيا. وبالتوازي مع تطورات الشمال الغربي من سورية، عاد الشمال الشرقي من البلاد إلى واجهة المشهد، مع اقتراب موعد اجتماعات تركية أميركية غايتها التوصل إلى اتفاق لمصير "المنطقة الآمنة" شرقي نهر الفرات التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأحد، بأن "طائرات النظام استهدفت بالرشاشات الثقيلة والصواريخ أماكن في الأربعين وأطراف اللطامنة وتل ملح والجبين بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، في حين قصفت قوات النظام مناطق في كل من: الهبيط ومحيط خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، ومحاور في جبل الأكراد ومحيط الناجية وطرق إمداد جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي". كما قصفت طائرات حربية بالقنابل العنقودية مدينة معرة النعمان كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى وقوع مصابين بين المدنيين.
إلى ذلك، أظهرت نتائج الحملة العسكرية المستمرة منذ نهاية إبريل/نيسان الماضي على شمال غربي سورية، فشل القوات المهاجمة في تحقيق تقدمٍ ميداني، لكن هذه القوات ما زالت تتسبب بمزيد من الكوارث لمئات آلاف المدنيين، تحديداً على المستوى الصحي. ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان خروج نحو 20 مستشفى ومركزاً طبياً عن الخدمة في محافظة إدلب ومحيطها، وهي: مستشفى جسر الشغور ومستشفى كيوان في كفرعويد ومستشفيات الشام المركزي وكفرنبل الجراحي والسيدة مريم والخطيب والأورينت في كفرنبل ومستشفى نبض الحياة في حاس ومستشفى التح ومستشفى سرجة ومستشفى بلشون ومستشفى الـ 112 في قلعة المضيق ومستشفى المغارة ومستشفى شام في بلدة اللطامنة، إضافة لمراكز صحية في كفرنبودة ومعرة حرمة والهبيط والركايا وكفروما.
على الصعيد ذاته، طالب فريق "منسقو استجابة سورية" الذي يضم مجموعة من الناشطين في المجال الإغاثي والإنساني في شمال غربي سورية، جميع الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية، بضرورة إعادة تقديم الدعم للقطاعات الطبية، محذراً من "العواقب الكارثية المترتبة جراء إيقاف الدعم"، في إشارة إلى تزايد المخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة في منطقة الشمال السوري.
وأكد الفريق، في بيان له يوم السبت، أن "توقف الدعم من قبل الجهات المانحة، سيؤدي إلى إيقاف العمل في أكثر من 160 مركزاً طبياً ومستشفى في المنطقة بشكل عام". وأكد الفريق تضامنه الكامل مع مديريات الصحة في شمال غربي البلاد، باعتبارها مؤسسات خدمية مدنية ومستقلة تقدم خدماتها لأكثر من 4.7 ملايين نسمة في مناطق الشمال السوري، وفق البيان. ودأب النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون على تدمير كل مرافق الحياة وفي مقدمتها المراكز الطبية في كل الحملات العسكرية التي قاموا بها للضغط على الحاضن الاجتماعي للمعارضة السورية المسلحة، ودفع الأخيرة إلى الاستسلام وفق شروط قوات النظام والمليشيات الطائفية التي تساندها. وكان طيران النظام ومقاتلات حربية روسية دمّرا منذ أواخر عام 2015 أغلب المستشفيات والمراكز الصحية في جنوب سورية وغوطتي دمشق الغربية والشرقية وريف حمص الشمالي والقلمون وحلب الشرقية وشمال غربي سورية.
على صعيد آخر، من المقرر أن يلتقي خبراء عسكريون أتراك وأميركيون خلال الأيام القليلة المقبلة للتباحث مجدداً حول المنطقة الآمنة، التي اتفقت أنقرة وواشنطن على إنشائها في منطقة شرقي نهر الفرات السورية، للحيلولة دون حدوث صدام بين الجيش التركي و"قسد"، المدعومة من واشنطن.
وذكرت وزارة الدفاع التركية، يوم السبت، أن "وزير الدفاع خلوصي أكار اتفق مع القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر على ضرورة إرسال فريق عسكري أميركي إلى أنقرة، لبحث إقامة منطقة آمنة في سورية". وكان الطرفان قد اتفقا من حيث المبدأ على إنشاء منطقة آمنة في منطقة شرقي نهر الفرات في مايو/ أيار الماضي، ولكنها لم تُطبّق على أرض الواقع، بسبب خلافات على التفاصيل. وسبق أن ذكرت مصادر مطلعة في حينه أن "تركيا تعمل على إنشاء منطقة آمنة على طول حدودها مع سورية بعمق 20 ميلاً (32 كيلومتراً) في عمق الأراضي السورية ما يعني عملياً السيطرة على مدن عين العرب (كوباني)، وتل أبيض ورأس العين والقامشلي".
ولطالما سعت تركيا للقيام بعمليات عسكرية ضد "الوحدات" التي تشكل العمود الفقري لـ"قسد"، في مدينة منبج غربي نهر الفرات، وفي منطقة شرقي الفرات، على غرار عملية "غصن الزيتون" التي أنهت بها وجود "الوحدات" في منطقة عفرين شمال غربي حلب مطلع العام الماضي. ولكن الولايات المتحدة حالت دون ذلك، على الرغم من أنها توصلت إلى اتفاق "خريطة طريق" مع الجانب التركي في يونيو/ حزيران 2018 حول مدينة منبج في منطقة غربي الفرات، تضمّن إخراج "الوحدات" ومليشيات محلية مرتبطة بها، من المنطقة، وتوفير الأمن والاستقرار فيها.
ولكن واشنطن لم تلتزم بالاتفاق، حيث لا تزال "الوحدات" تسيطر على المدينة الهامة ذات الغالبية العربية من السكان، وهو ما يعد مصدر قلق للأتراك الذين يخشون من قيام إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية بمساعدة غربية.
وتسيطر هذه "الوحدات"، تحت غطاء "قسد"، على منطقة شرقي الفرات التي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، ما خلا مربعاً أمنياً في مدينة الحسكة تحت سيطرة النظام وبضع قرى، ومثله في مدينة القامشلي على الحدود السورية التركية. وتؤكد مصادر محلية، أن "الجيش التركي بدأ بالآونة الأخيرة نقل تعزيزات إلى ولاية شانلي أورفا الحدودية، والتي تقابل مدينة تل أبيض السورية الواقعة في ريف الرقة الشمالي".
وكانت طُرحت على طاولات البحث والتفاوض، العديد من الرؤى لمستقبل منطقة شرقي نهر الفرات في ظل رفض "الوحدات" لدخول الجيش التركي وفصائل المعارضة المرتبطة بها إلى المنطقة، وفي ظل رفض مماثل من الأتراك ببقاء "الوحدات" على الحدود السورية التركية. ومن هذه الرؤى، إدخال قوات من البشمركة السورية (قوات كردية سورية موجودة في إقليم كردستان العراق)، مع قوات "النخبة" العربية التابعة لرئيس الائتلاف الوطني السوري السابق أحمد الجربا. ولكن قوات "قسد" لا تزال ترفض إخلاء مواقعها على الحدود السورية التركية، التي تضم أبرز المناطق التي يشكل الأكراد نسبة كبيرة من سكانها. وتدفع هذه القوات إلى الواجهة السياسية ما جرى ويجري في منطقة عفرين من انتهاكات بحق سكانها، لإقناع الولايات المتحدة برفض الخطة التركية.