05 نوفمبر 2024
أيهما أوْلى بالمكافحة؟
محمد طلبة رضوان
بعد ثورة يناير، في مصر، جاءت التعديلات الدستورية في مارس/ آذار 2011، مواد محدّدة تتعلق برئيس الجمهورية، وشروط اختياره، محدّدة، معروفة، منتهى الوضوح. رئيس اللجنة طارق البشري، إسلامي، صبحي صالح، عضو اللجنة، من الإخوان المسلمين، لا توجد شبهة واحدة تقترب باللجنة من العمل ضد الإسلام. فجأة امتلأت شوارع الإسكندرية بالسلفيين، مظاهرة حاشدة، ضد اللجنة، "نحذّر من المساس بالمادة الثانية"، "إسلامية الدولة خط أحمر". لا أحد تحدث عن المادة الثانية، لا أحد تطرّق إليها، ليست مجالا للمناقشة وقتها على الإطلاق، وقف الشيخ محمد عبدالمقصود على المنبر يتحدّث عنهم ووصفهم بالهمج. الشيخ سلفي، تقليدي، محافظ، موقفه، إلى الآن، داعم للثورة، لكنه شهد بما رأى.. همج (بتعبيره).
باختصار، كان السلفيون يبحثون عن دور. ثورة قامت، على الرغم من فتاواهم بتحريمها، نجحت، وبدأت في إجراءاتها الثورية، أو هكذا كنا نتخيّل. لا دور لهم، فلنختلق دوراً، نزايد به على الجميع، وليس أعظم ولا أربح، ولا أكثر رواجاً عند السواد الأعظم من المصريين، مثل الإسلام. نزل الثوار من أجل الحرية، ونزل السلفيون من أجل الإسلام، الله الله على السلفيين، وإسلامهم، وإيمانهم، ومعاركهم من أجل الحق.. المشكلة أنه لم يكن ثمة معركة أصلاً!
الشيء نفسه يحدث الآن على مواقع التواصل. فشلت الثورات العربية، وكان متطرفو السلفيين هم مخلب قط الأنظمة التي قامت ضدها الثورات، وجسر رجوعهم إلى قصورهم. زايدوا في مصر على الإخوان المسلمين، وأفشلوهم، مع سبق الإصرار. كانوا أول من استدرجهم، وأول من ورّطهم، وأول من تبرّأ منهم، وانقلب عليهم. في سورية، كانوا جماعات بشار الوظيفية التي فرّغ بها الثورة في بلاده من محتواها، وحوّلها من معركة بين شعب ومستبد إلى معركة بين دولة ومجرمين. ادّخرتهم الأنظمة ليوم سقوطها، نفعوا، وانتفعوا، أدركوا ذلك، كما أزعم، أم لم يدركوه كما يزعمون. اليوم لا دور لهم. تسبّبوا في إفشال الثورات، وربط الشباب بين فشلها وفشلهم، فانحرفوا يمينا إلى "داعش"، ويسارا إلى غضبٍ سموه إلحادا، كلاهما موقف غاضب.. حانق.. ساخط، وغير حقيقي في جوهره. وكما اخترعوا أعداء متخيلين، (من الإسلاميين!)، للمادة الثانية في مصر، يخترعون اليوم ملحدين متخيّلين ويكافحونهم. أي دور، المهم أن لا يغيبوا عن مواقع التأثر، ولو كان الثمن دين الناس ودنياهم..
السؤال، هل لدينا إلحاد حقيقي؟ إلحاد مؤسّس على رؤية فلسفية تستدعي الاشتباك النقدي؟ (سنفترض أن خطاباتهم يمكن وصفها بالاشتباك النقدي مع الإلحاد!)، كم نسبة ملحدي الثقافة العربية الذين ينطلقون من رؤية؟ واحد بالمئة؟ أزعم أنها أقل، كما أزعم أن الملحد الذي ينطلق من رؤية لا يمكن أن يكون ضارّا بقضية الإيمان، في مجتمعه. الملحدون على مواقع التواصل، ومنتديات الشبكة العنكبوتية غاضبون، "لا" كبيرة، لا تجد من يستوعبها في مجتمعات الكفر بالحرية، استبداد ديني، وآخر سياسي، وإحباطات شخصية وسياسية، وهزيمة حضارية، لا يجد الشباب وسيلة للتعبير إلا إعلان التبرؤ من ثقافة المجتمع الرئيسة. كفر بمجتمعاتنا ونخبها لا إلهها. كفر بأنماط التديّن شديد المحافظة، لا بالدِّين نفسه، إلحاد بسماسرة الله، ووكلائه بالزور، لا بالله نفسه.
قليل من التأمل في خطابات الشباب يكشف عن أهم أسباب نفورهم، وهو عبادة الأسلاف، والخروج من الزمن والتاريخ لصالح زماناتهم وسياقاتهم. والمفارقة أن من يروّجون هذا الفهم البائس الذي ثار عليه الشباب هم أنفسهم من يروّجون شخوصهم وحساباتهم الإلكترونية بدعوى مكافحة الإلحاد، يقتلون الإيمان ويمشون في جنازته.. بحثا عن دور!
إذا كان ثمّة ما يستحق المكافحة، فهي سلفية متطرّفي الإسلاميين، ودواعشهم، الواضحين، والمتخفين، خلف خطابات علمية منتحلة بدورها. إذا كان ثمّة مؤامرة حقيقية على هذا الدين، فهي توظيف هؤلاء لتفريغه من محتواه الأخلاقي، كما فعلوا بأوطانهم وثوراتهم، إذا كان ثمّة قضية فهي مكافحتهم.
الشيء نفسه يحدث الآن على مواقع التواصل. فشلت الثورات العربية، وكان متطرفو السلفيين هم مخلب قط الأنظمة التي قامت ضدها الثورات، وجسر رجوعهم إلى قصورهم. زايدوا في مصر على الإخوان المسلمين، وأفشلوهم، مع سبق الإصرار. كانوا أول من استدرجهم، وأول من ورّطهم، وأول من تبرّأ منهم، وانقلب عليهم. في سورية، كانوا جماعات بشار الوظيفية التي فرّغ بها الثورة في بلاده من محتواها، وحوّلها من معركة بين شعب ومستبد إلى معركة بين دولة ومجرمين. ادّخرتهم الأنظمة ليوم سقوطها، نفعوا، وانتفعوا، أدركوا ذلك، كما أزعم، أم لم يدركوه كما يزعمون. اليوم لا دور لهم. تسبّبوا في إفشال الثورات، وربط الشباب بين فشلها وفشلهم، فانحرفوا يمينا إلى "داعش"، ويسارا إلى غضبٍ سموه إلحادا، كلاهما موقف غاضب.. حانق.. ساخط، وغير حقيقي في جوهره. وكما اخترعوا أعداء متخيلين، (من الإسلاميين!)، للمادة الثانية في مصر، يخترعون اليوم ملحدين متخيّلين ويكافحونهم. أي دور، المهم أن لا يغيبوا عن مواقع التأثر، ولو كان الثمن دين الناس ودنياهم..
السؤال، هل لدينا إلحاد حقيقي؟ إلحاد مؤسّس على رؤية فلسفية تستدعي الاشتباك النقدي؟ (سنفترض أن خطاباتهم يمكن وصفها بالاشتباك النقدي مع الإلحاد!)، كم نسبة ملحدي الثقافة العربية الذين ينطلقون من رؤية؟ واحد بالمئة؟ أزعم أنها أقل، كما أزعم أن الملحد الذي ينطلق من رؤية لا يمكن أن يكون ضارّا بقضية الإيمان، في مجتمعه. الملحدون على مواقع التواصل، ومنتديات الشبكة العنكبوتية غاضبون، "لا" كبيرة، لا تجد من يستوعبها في مجتمعات الكفر بالحرية، استبداد ديني، وآخر سياسي، وإحباطات شخصية وسياسية، وهزيمة حضارية، لا يجد الشباب وسيلة للتعبير إلا إعلان التبرؤ من ثقافة المجتمع الرئيسة. كفر بمجتمعاتنا ونخبها لا إلهها. كفر بأنماط التديّن شديد المحافظة، لا بالدِّين نفسه، إلحاد بسماسرة الله، ووكلائه بالزور، لا بالله نفسه.
قليل من التأمل في خطابات الشباب يكشف عن أهم أسباب نفورهم، وهو عبادة الأسلاف، والخروج من الزمن والتاريخ لصالح زماناتهم وسياقاتهم. والمفارقة أن من يروّجون هذا الفهم البائس الذي ثار عليه الشباب هم أنفسهم من يروّجون شخوصهم وحساباتهم الإلكترونية بدعوى مكافحة الإلحاد، يقتلون الإيمان ويمشون في جنازته.. بحثا عن دور!
إذا كان ثمّة ما يستحق المكافحة، فهي سلفية متطرّفي الإسلاميين، ودواعشهم، الواضحين، والمتخفين، خلف خطابات علمية منتحلة بدورها. إذا كان ثمّة مؤامرة حقيقية على هذا الدين، فهي توظيف هؤلاء لتفريغه من محتواه الأخلاقي، كما فعلوا بأوطانهم وثوراتهم، إذا كان ثمّة قضية فهي مكافحتهم.
دلالات
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024