أيها الضابط: عفواً لقد أخطأت وجهتي

28 مايو 2015
+ الخط -
بعد عام ونصف العام، كنت قد قضيتها في تلك المدينة التي كان أحد أحيائها من أهم مراكز توزيع المواد المخدرة "الحشيش"، كان قد ضاق بي الحال وقررت الإبلاغ عن مروجي المخدرات أو ما يطلق عليهم "الديلرز"، أخذتني الجرأة، وأول ما خطر على بالي وفكرت في إبلاغه هو ملازم أول في أحد المراكز الشرطية على علاقة شخصية بي، فهو ضابط وله في تلك الأمور خبرة، عله يرشدني إلى كيف نبدأ الخطوات سويّاً للقضاء على تلك البؤرة الخطرة التي تسيطر على ذلك الحي، ولا سيما أن هؤلاء المروجين يعرفون مداخل المدينة ومخارجها، بل وبناياتها شقة شقة كونهم مسؤولين، أيضاً، عن توزيع وصلات التلفزة إلى المنازل.

وبالفعل، اتصلت بضابط الشرطة وأخبرته أنني أريده في أمر مهم فأبلغني بالمجيء إلى مقر عمله في مركز الشرطة، توجهت إلى مركز الشرطة، لا يقع في الاختصاص المكاني لذلك الحي، لملاقاة الضابط، وما أن وصلت ولاقيته حتى رحب بي ترحاباً شديداً، وقال لي ما القصة؟ رويت له شكواي عن سيطرة مروجي المخدرات على المدينة، وعلم رجال الشرطة في ذلك الحي بتلك العمليات أنها تتم في وضح النهار ولا يتعرض لهم أحد، وأنا شاب ليس لي مصلحة سوى مصلحة بلادي عسانا الآن بعد ثورة وفي ظل أول انتخابات رئاسية، كان وقتها في منتصف عهد الرئيس الأسبق، محمد مرسي، أن نغير الواقع ونثبت عكس ذلك، وما أن لبثت حتى اصطحبني إلى مكتب رئيس مباحث نفس المركز وحكى له قصتي فلاقاني بالترحاب، أيضاً، وطلب لي الشاي وجلسنا في طقس لم أتوقعه إطلاقاً من رئيس مباحث داخل مركز شرطة، ولكن أخفيت ذلك الانبهار وراء غطاء أننا في عهد جديد "كنت أحمق بالتأكيد" وأن الشرطة، بالفعل، بدأت في التغيّر في عهد محمد مرسي.

كان السؤال الأول المتوقع من رئيس المباحث: لماذا لم تتقدم ببلاغ للقسم؟ فأخبرته بالعامية "انت عايز تخليني أسلم نفسي لتجار المخدرات يا باشا؟" ألا تعلم أنني لو قمت ببلاغ سيتم الإرشاد عني وعلى شقتي ويُنهي حياتي هؤلاء المروجون؟ إن لم يكن ذلك بالتعاون مع بعض أفراد الشرطة ولاسيما في الإرشاد؟! إذاً فلماذا لجأت إليكم أولاً؟! تفهم رئيس المباحث الوضع واتصل، حينها، فوراً بأحد ضباط المباحث في تلك المنطقة المركزية التي أقطن فيها وحكى له الأمر، وأبلغه بجعلي أتواصل معه، وبالفعل أعطاني رقم هاتف الضابط وشكرته خارجاً من المركز.

بعد يومين، رفعت سماعة الهاتف لأعرف نفسي للضابط وتعرف علي في الحال لأبدأ معه مكالمة، وصلت مدتها إلى 43 دقيقة!، فطلب مني التحدث بما أريد، فسارعت بإخباره عن تلك القصة وذكرت له أسماء مروجي المخدرات، وقطع كلامي أثناء ذكري أسماءهم، وقال لي "أيوة ما أخوه لسة طالع من السجن من أسبوع أهو عايز إيه تاني؟ "فرددت عليه، إنه يعرف القضية بشكل كامل، فرد بالإيجاب نعم وعملت فيها أيضاً، ونصيحتي لك لا تشغل بالك، لأني لن أعمل، وهنا بدأت الصدمات في التوالي!

هنا فقط تحدثنا ثلاث دقائق حول واقعة المخدرات، وكانت الأربعون دقيقة المتبقية تتناول أموراً سياسية، ما كنت لأنجرف إليها لولا أن قام هو بذلك، انتهى الضابط في حديثه إلى أنه لن يعمل في ظل وجود الرئيس الأسبق، محمد مرسي، وحكومته. كان صريحاً في ذلك وذكرها مباشرة، فطلبت منه الرجوع إلى موضوعنا المتعلق بعمله الذي يتقاضى راتباً عنه إلا أنه سارع بالرد مرة أخرى "أنا مش شغال!"، ولكمني بعبارة أخرى "شيلو محمد مرسي واحنا نرجع نشتغل ونوريكم الشغل"، وتحمس في حديثه سائلاً عن وظيفتي فأخبرته بأني أعمل صحافيّاً، فلم يهتز على عكس ما كنت أتوقع وقال "صحافي صحافي!" غير مبال بوصول تلك الكلمات إلى الإعلام، لاسيما أني أعرف اسمه ورتبته ومقر عمله، وواصل حديثه الصادم، الشعب المصري دا غبي، نزلوا في اشتباكات وحميناهم وحرقوا مقرات الإخوان وتركناهم، وعلى فكرة بقصد مننا علشان نخلص من الإخوان!، مش قادرين تكملوا ورجعتوا بيوتكم بدري بدري؟، كانت تلك الآونة في منتصف عهد الإخوان المسلمين، حكي لي الكثير والكثير، لكني كنت أحاول إنهاء المكالمة في أقرب وقت ممكن حتى لا أضيع وقتي، وبلا شك أضيع وقته، قمت بغلق الصفحة تماماً، وبعد أكثر من عامين ونصف العام، وفي ظل حكم الرئيس، عبدالفتاح السيسي، لا يزال الوضع على ما هو عليه في ذلك الحي.

بعد عام ونصف العام من الواقعة استوقفني أحد رجال الشرطة بالقرب من مركز الشرطة الذي كنت قد شربت فيه الشاي، بالطبع كان شاياً بالياسمين، لارتدائي الكوفية الفلسطينية وطلب بطاقة هويتي وتجاوبت معه، إلا أنه طلب تفتيشي، فرفضت، فاقتادني إلى المركز وطلبت منه لقاء الضابط، الذي كان على تواصل بي وذكرته في أول القصة، ورد علي بأنه لا يوجد مثل هذا الاسم في المركز، وما إن أدخلني في غرفة حتى بادر بإدخالي إلى رئيس المباحث لسؤالي عن رفضي إجراء التفتيش، فرددت لأنه ليس قانونيّاً خاصة أني درست القانون، فرد علي "أنا من سأعلمك القانون"، وبدأ في تفتيشي وقام المقدم الذي أجهله تماماً، وقال لي إنه سيقوم بفتح محضر وسأعرض على النيابة العامة بعد 24 ساعة، فعندما سألته عن تهمتي أجاب "تعطيل موظف عام عن العمل وإيذاؤه معنويّاً"، وبعد ساعة من احتجازي، بدأ مدير المباحث في التعرف على ملامحي، وقال لي ألست أنت... قاطعته بنعم، أنا الذي كنت أشرب الشاي معك هنا العام الماضي!

وأسمعته تلك الكلمات: ألا تعلم ما حدث، العام الماضي، في قضية المخدرات؟ لم يجبني الضابط الذي أوصلتني به، ولكنه وعدني بالعمل بعد إسقاط، محمد مرسي، وها قد تم خلعه وقمتم بعملكم وقبضتم علي، طلب الضابط مني الاستراحة والجلوس وحاول إصلاح الأمر وأمر بتركي وشأني، وسألته سؤالاً استنكاريّاً، إن لم تكن قد قمت بالتعرف علي الآن، هل كنت ستأمر بإطلاق سراحي؟! هل هذا هو العمل الذي وعدتموني به بعد إسقاط محمد مرسي؟ هل الأولية هي القبض علي أم القبض على تجار المخدرات؟

و الآن تبادر إلى ذهني سؤال أدرك إجابته بكل تأكيد، هل كنت محقاً عندما فكرت، يوماً، في الاتصال أو الذهاب إلى مركز الشرطة كي أبلغ عن واقعة ما في هذه الدولة أم كان أمراً خاطئاً؟ الآن أجيبها، لقد كنت أحمق.

المساهمون