أين ضمانة أميركا؟

07 مايو 2017
+ الخط -
يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يرسم سياساته بوحيٍ من مسرح العبث، وإلا لما تجرأ وحاول إقناع الذين فاوضهم في أستانة من السوريين أن دولته ستضمن أمن سكان أربع مناطق سورية وسلامهم، كأن جيشه لم يقتل سوريين منذ الأيام الأولى لثورتهم ضد سفّاحٍ حكمهم هو وأبوه بالنار والحديد، أو كأنه لم يغزُ سورية، بمجرد أن رأى عجز جيشي الأسد وإيران عن حماية مصالح روسيا في سورية وحولها، كما أقر بوتين، في تصريحات عديدة، أو كأن دولة ملالي إيران التي أكملت احتلال سورية منذ استولى الخميني على الثورة الإيرانية، وشكل حافظ الأسد وقاسم سليماني حزب الله، وأرسلت طهران جيشها وأحطّ ما عرفه العالم السفلي من قتلة ومرتزقة إلى بلادنا، لقتل شعبها ووضع يدها على وطنه، وتحويله إلى المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين.
هل سيضمن الاحتلالان، الروسي والإيراني، سلام السوريين وأمنهم. كم مرة أعلنا أن وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه في مفاوضات أستانة نهائي، وأنه يضمن إحجام النظام وجيشيهما عن خرقه؟ وهل حالت ضمانتهما دون مشاركتهما في قصف خان شيخون بالكيميائي؟ وكم غارة جوية وهجمة برية شن مرتزقتهما على آمني سورية وعزّلها، خلال وقف إطلاق النار المضمون، وهل شهدت الحرب قبله ما هو أشد سوءاً مما حدث بضمانته؟ أليس من غرائب مسرح العبث البوتيني أن يجعل مدخل الحل السياسي الدولي الذي لم تتوقف دبلوماسيته عن العمل لإبطاله واختلاق بدائل له تحوّله من أداة لتحقيق حرية السوريين إلى أداة تمزّق صفوفهم، وتخترقهم وتشعل الفتن بينهم، إكراماً لبشار الأسد الذي قال بوتين إنه أرسل جنرالاته إلى سورية من أجله؟ أخيراً، هل يصدّق عاقلٌ أن الكرملين قرّر، من الآن فصاعداً، حماية من يريدون إسقاط شخصٍ أرسل جيشه إلى بلادهم لإنقاذه منهم؟
غابت أميركا عن الاتفاق الروسي/ الإيراني، وحضرت تركيا. تُرى، هل لدى أنقرة قوة توازن قوة الحلف الروسي/ الإيراني التي تشرّق وتغرّب في سورية، وسبق لها أن جعلت من عفرين خطاً أحمر، لم تسمح للجيش التركي بالاقتراب منه، قلص فرضه منطقة "درع الفرات" من خمسة آلاف إلى ألفي كيلومتر مربع؟ خرق الروس والإيرانيون مراراً وتكراراً ما تقرّر في اجتماعات أستانة من وقف إطلاق نار، من دون أن تفعل تركيا شيئاً، فهل ستحمي سكان المناطق الأربع في حال قرّر النظام والإيرانيون اقتحامها منفردة ومجتمعةً، بمساعدة طيران الروس وبحجة محاربة جبهة النصرة، مثلما سبق لهؤلاء أن فعلوا في سوق وادي بردى، من دون أن يكون هناك أي رد فعل تركي، علماً أنه لم يكن في السوق مقاتلون من "النصرة"، وأن النظام لم يلق القبض على أي مقاتل بتهمة الانتماء إليها؟ تمتلك تركيا هامش مناورة محدوداً، ومن المؤكّد أنها لن تنجح في إلزام بوتين والرئيس الإيراني، حسن روحاني، بأي شيء، في حال قرّرا شطب المناطق، بعد أن يُحكم النظام قبضته على بقية مناطق سورية، حيث يستبعد أن يواجه قوى قادرة على مقاومته، ويرجح أن يركّز مجموع قوته عليها، بما فيها التي سيحرّرها اتفاق المناطق الأربع من القتال فيها! أخيراً، ماذا ستفعل تركيا لوقف ما قد يثيره النظام من اقتتالٍ بين تنظيمات مناطق الضمانات؟
من الحكمة أن تطالِب تركيا مع المعارضة بدخول واشنطن إلى الحلبة، ضامناً ليس فقط المناطق الأربع، بل لسورية التي ستخضع بعد الاتفاق لاحتلال روسي/ إيراني/ أسدي، لن يمنعهم أحد غير أميركا من اعتبار وضعها نهائياً، لأن سكانها لم يعودوا بحاجة إلى حقوقهم وحريتهم في ظل فظاعات النظام، وإلى وثيقة جنيف ولوازمها من قراراتٍ دولية، بينما سيتكفل الضامنون بإدارة المناطق الأربع بالطرق التي تعيدها إلى بيت الطاعة الأسدي، مثلما فعلوا في عشرات المناطق الأخرى التي استكملت هدن الروس فيها حل الأسد العسكري/ الأمني!
لا بد من إحياء التنسيق التركي/ الخليجي، ومن استئناف التعاون مع واشنطن التي يجب أن تضمن حقوق السوريين المعترف بها في وثائق وقرارات دولية، لا غبار عليها. ولا بد أن يضمن التعاون امتناع روسيا وإيران عن مواصلة حربهما ضد شعب سورية، كي لا تأخذنا ذريعة حماية المناطق الأربع من الإرهاب إلى ما بعد سورية وثورتها وشعبها.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.