استفزّ فيلم المخرج الكردي حسين حسن مجموعة ممن حضره، إذ تحوّلت صالة العرض إلى تجمّع هتف فيه ناشطون إزيديون: "الأيزيديون لا يقتلون بناتهم" و"أوقفوا "العاصفة السوداء" إنه غير حقيقي".
الإشكال لا يتعلّق بكون العمل يحاول تصوير واقع ومأساة الفتيات الإزديات المختطفات لدى تنظيم داعش سيء الذكر، بل إنه يسلّط الضوء على معاناة بعضهن بعد أن تتحقّق لهن النجاة ويعدن إلى كنف عائلاتهن.
بدأ المخرج العمل على "العاصفة السوداء" منذ عامين في بيئة واقعية على مقربة من جبهات قتال داعش في المناطق الكردية في سورية وكردستان العراق. ومن خلال قصة ريكو، المقاتل في صفوف البشمركة، وخطيبته بيرو، الفتاة الأيزيدية التي تتعرّض للخطف على يد تنظيم داعش، ينطلق الفيلم ليروي رحلة حبيبها لاستعادتها من مناطق التنظيم في سورية، بمساعدة المقاتلات الكرديات هناك.
تجنّب المخرج تصوير ما يحصل مع الفتاة في الأسر، مكتفياً بإشراك المشاهدين في قلق البطل وآلامه وتساؤلاته؛ حيلة سينمائية يتقاسم عبرها مع مشاهديه حصة في مأساة الفتيات ومصائرهن المجهولة ويترك لمخيلتهم العنان.
غير أن عقدة الفيلم وصراعه الرئيسي وحجّة المعترضين عليه، تبدأ مع عودة ريكو رفقة بيرو إلى المخيم، حيث تقطن العائلة، وأزمة تقبّل المجتمع الأيزيدي لبناته العائدات من "السبي" بما يعنيه من انتهاك للجسد والروح، الأمر الذي تجسّد في المشهد الأخير بالتلميح إلى أن قتل الأب والشقيق للفتاة المحرّرة من داعش، للتخلّص من عارٍ يلاحقهم في مجتمع المخيّم.
الاعتراض على الفيلم من المرجعيات الأيزيدية، والناشطين في كردستان، كان قد بدأ حتى قبل المهرجان، مع طرح البرومو الدعائي، ما دفع بصنّاع الفيلم إلى الاجتماع مع مركز "لالش" الإزيدي في كردستان، وإقامة عرضٍ خاصٍ للمرجعيات الدينية الأيزيدية وشخصياتهم البرلمانية، والذين طالبوا بحذف بعض المشاهد التي اعتبروها مسيئة ومنافية لواقع وحقيقة استقبال المجتمع الأيزيدي لبناته العائدات من الاختطاف لدى داعش بالورود، وتعميدهن بالماء المقدّس في معبد "لالش"، وحتى بتقدّم شبابهم للزواج منهن، استجابة لفتوى من "بابا شيخ" أكبر مرجعية دينية إزيدية، طالب فيها باعتبار الفتيات المحرّرات بطلاتٍ.
"لقد صنعتُ فيلماً للسلام لا لخلق حربٍ جديدة في المجتمع الكردي"، يعلّق مخرج الفيلم حسين حسن في حديث إلى "العربي الجديد"، واصفاً شخصية ريكو بطل الفيلم بأنه "رمز لحقيقة المجتمع الأيزيدي بما يمثله من تمسّك بحبيبته في الفيلم رغم كل ما حصل".
وبين التمسك بالرؤية الفنية لصانع الفن وحريته وخطوط المجتمع الأيزيدي الحمراء، ينفي حسن أن يكون الغرض من الفيلم تشويه البيئة الأيزيدية، بل تجسيد المأساة برؤية درامية لا توثيقية، معتبراً أن المعترضين قلّة من المجتمع الأيزيدي ولم يشاهدوا من التسعين دقيقة، وهي مدة الفيلم، إلا دقيقتين.
وحول اعتبار السينما الكردية أسيرة سينما القضية والحرب الكرديتين يصف حسن المجتمع الكردي بالبيئة الخصبة سينمائياً وحكائياً، ويكمل "حين يكون الحريق داخل المنزل، لا يمكنك تصوير الحديقة".
من جهتهم، أعلن الناشطون الأيزيديون، الذين أطلقوا هاشتاغ "الأيزيديون لا يقتلون بناتهم"، أنه لم تُسجَّل حالة قتلٍ واحدة لأي فتاة أيزيدية من 2500 محرّرة إلى الآن، على العكس ممّا يوحي به الفيلم. في حين صرّحت بطلة الفيلم ديمن زنكي لوسائل إعلام محلية: "إن الفيلم لم يأت بشيء من مخيلة صُنّاعه وأنه ثمة حالات انتحار وموت للفتيات العائدات".
السيناريست الكردي السوري سعيد محمود، أحد ضيوف المهرجان، والمؤلف المشارك في كتاب "جنان، سبية داعش" مع الكاتب الفرنسي "تيري أوبرليه"، رفض في حديث إلى "العربي الجديد" التشكيك بنوايا القائمين على الفيلم، معتبراً أنه عملٌ احترافي صوّر في ظروف شبه مستحيلة، وأضاف أن القائمين على الفيلم أخطأوا في اختيار حيّز صراع الفيلم وعقدته، وأن أزمة المجتمع الأيزيدي ليست في تقبّل المجتمع للمحرّرات التي ركّز عليها الفيلم، بل في المئات من اللواتي لا زلن مفقوداتٍ، وجهود تحريرهن.
الانتقادات للفيلم وصلت إلى مطالبة النائبة الأيزيدية في البرلمان العراقي فيان دخيل بمنع عرض الفيلم وتسويقه في الخارج، كونه يقدّم صورة مغلوطة عن مأساة الأيزيديات.
بغض النظر عن كل ما حمله الفيلم من عاصفة من الآراء، يسجّل لصُنّاعه محاولة دفع السينما الكردية والتي تحاول تشكيل ملامح خاصة بها، بعيداً عن صورة الحرب وتنميطات سينما القضية، إلى رمي البرك الراكدة في المجتمع الكردستاني، بحجارة الأسئلة.
يذكر أن عرض الفيلم في افتتاح مهرجان "دهوك" قد جرى بحضور لفيف من السينمائيين والمسؤولين الأكراد والدبلوماسيين، وأيضاً بحضور غير مبهج من الصهيوني الفرنسي بيرنار هنري ليفي - الداعم لـ"إسرائيل" وصانع فيلم "البشمركة" الذي شارك في مهرجان "كان" الماضي- وهو حضور يعتبره كثيرون إساءة لعدالة الألم الكردي.