ألقى ابني ورقة كانت في يده على الأرض خلال سيرنا، فلحق بنا شاب كان يجلس بالقرب، وطلب منه بهدوء وأدب أن يعود ليلتقط الورقة، وأن يحتفظ بها حتى يجد مكاناً مخصصاً للقمامة حفاظاً على نظافة المكان.
شكرت الشاب على أسلوبه المهذب، وقمت بالتقاط ما رماه طفلي بعفوية، بينما كان يختلجني شعور ارتكاب جريمة بحق المكان.
كنا أعلى قمة جبل "كزبيجي" خارج مدينة تبليسي عاصمة جورجيا، يرتفع الجبل نحو 500 متر عن سطح البحر، وهو مزار طبيعي ساحر يرتاده عشرات آلاف الأشخاص سنوياً، وفي أعلى نقطة من القمة دير مسيحي يقصده آلاف يومياً، بعضهم يختار الصعود إلى الدير سيراً على الأقدام بدلاً من استخدام السيارات المتوفرة عند نهاية الطريق المعبد بمقابل مالي زهيد، وهي رحلة قصيرة لكنها وعرة جداً كونها، بالكامل، صعوداً عبر طرق غير ممهدة.
تعمل شبكة الهاتف الجوال أعلى القمة، وتتوفر حمامات نظيفة، ومكان واحد صغير يبيع المياه وبعض العصائر. عدا تلك الخدمات المحدودة، يمكن اعتبار المكان بدائياً تماماً.
أثارني الأمر فسألت مرافقنا المحلي، فقال إن هذا مقصود للحفاظ على الطبيعة من التلوث البشري، ثم استدرك أن طبيعة الدير تفرض ذلك، رغم أن الدير لم يعد مكاناً للرهبان وإنما مجرد مزار سياحي.
توفر القمة للزوار بانوراما للمدينة الصغيرة الجميلة التي تحتضنها الجبال من كل الاتجاهات. أينما نظرت لن ترى إلا اللون الأخضر الزاهي من أدنى السفح حتى قمة الجبل، وتتخلل المشهد منازل صغيرة قليلة متناثرة، وقطعان الخيول والماشية والأغنام ترعى بحرية، مشهد يبعث الراحة في النفوس ويزيل ما علق بها من تلوث بصري.
بعد ساعات من المتعة الجبلية عدنا إلى تبليسي مجدداً، وهي مدينة تحتفظ ببنايات تاريخية وشوارع ضيقة وسيارات قديمة على غرار القاهرة وبغداد ودمشق وبيروت، ومستوى دخل مواطنيها محدود لا يمكن مقارنته بالدوحة أو دبي أو الكويت، أو حتى تونس والرباط.
كثير من العواصم العربية التي زرتها يمكن اعتبارها أكثر فخامة من عاصمة جورجيا، لكن تبليسي تمتاز بمستوى نظافة وأمان تحسد عليهما، على الرغم من تاريخ طويل من الاضطرابات التي عاشتها البلاد، ورغم موقعها بين دولتين كبيرتين سبق لهما حكمها لفترات طويلة، هما تركيا وروسيا، وقربها من بلدين عربيين مشتعلين هما سورية والعراق، وكذا إيران، وكلها بلدان صدرت إليها آلاف النازحين على مدار السنين.
يؤكد مرافقنا المحلي أن موجات النزوح من دول الجوار منحت بلاده خليطاً مميزاً من الأعراق التي جعلت كثيراً من العرب يقبلون عليها بعد أن اعتمدت خطة سياحية طموحة.
اقــرأ أيضاً
شكرت الشاب على أسلوبه المهذب، وقمت بالتقاط ما رماه طفلي بعفوية، بينما كان يختلجني شعور ارتكاب جريمة بحق المكان.
كنا أعلى قمة جبل "كزبيجي" خارج مدينة تبليسي عاصمة جورجيا، يرتفع الجبل نحو 500 متر عن سطح البحر، وهو مزار طبيعي ساحر يرتاده عشرات آلاف الأشخاص سنوياً، وفي أعلى نقطة من القمة دير مسيحي يقصده آلاف يومياً، بعضهم يختار الصعود إلى الدير سيراً على الأقدام بدلاً من استخدام السيارات المتوفرة عند نهاية الطريق المعبد بمقابل مالي زهيد، وهي رحلة قصيرة لكنها وعرة جداً كونها، بالكامل، صعوداً عبر طرق غير ممهدة.
تعمل شبكة الهاتف الجوال أعلى القمة، وتتوفر حمامات نظيفة، ومكان واحد صغير يبيع المياه وبعض العصائر. عدا تلك الخدمات المحدودة، يمكن اعتبار المكان بدائياً تماماً.
أثارني الأمر فسألت مرافقنا المحلي، فقال إن هذا مقصود للحفاظ على الطبيعة من التلوث البشري، ثم استدرك أن طبيعة الدير تفرض ذلك، رغم أن الدير لم يعد مكاناً للرهبان وإنما مجرد مزار سياحي.
توفر القمة للزوار بانوراما للمدينة الصغيرة الجميلة التي تحتضنها الجبال من كل الاتجاهات. أينما نظرت لن ترى إلا اللون الأخضر الزاهي من أدنى السفح حتى قمة الجبل، وتتخلل المشهد منازل صغيرة قليلة متناثرة، وقطعان الخيول والماشية والأغنام ترعى بحرية، مشهد يبعث الراحة في النفوس ويزيل ما علق بها من تلوث بصري.
بعد ساعات من المتعة الجبلية عدنا إلى تبليسي مجدداً، وهي مدينة تحتفظ ببنايات تاريخية وشوارع ضيقة وسيارات قديمة على غرار القاهرة وبغداد ودمشق وبيروت، ومستوى دخل مواطنيها محدود لا يمكن مقارنته بالدوحة أو دبي أو الكويت، أو حتى تونس والرباط.
كثير من العواصم العربية التي زرتها يمكن اعتبارها أكثر فخامة من عاصمة جورجيا، لكن تبليسي تمتاز بمستوى نظافة وأمان تحسد عليهما، على الرغم من تاريخ طويل من الاضطرابات التي عاشتها البلاد، ورغم موقعها بين دولتين كبيرتين سبق لهما حكمها لفترات طويلة، هما تركيا وروسيا، وقربها من بلدين عربيين مشتعلين هما سورية والعراق، وكذا إيران، وكلها بلدان صدرت إليها آلاف النازحين على مدار السنين.
يؤكد مرافقنا المحلي أن موجات النزوح من دول الجوار منحت بلاده خليطاً مميزاً من الأعراق التي جعلت كثيراً من العرب يقبلون عليها بعد أن اعتمدت خطة سياحية طموحة.