أيادٍ إماراتية ترمّم أبنية دبي التراثية

31 ديسمبر 2014
منزل الشيخ سعيد أحد منازل دبي التقليدية (Getty)
+ الخط -

قد يتساءل البعض كيف قُيّض لدبي، قرية صيادي اللؤلؤ والمرجان، أن تصبح مدينة بهذا الحجم والتأثير الاقتصادي في العالم؟ لكن السؤال الأهمّ قد يكون: كيف يمكن لدبي أن تحافظ على ما بقي من روحها التقليدية ونواتها التراثية المعمارية تحديداً وسط وحش التمدّد العمراني المعاصر المتميّز بناطحات السحاب؟
سؤال صعب لا يواجه الإمارات فحسب، بل يواجه جميع المدن التي تتواجد فيها الأبنية التراثية وسط مخاوف إنسانية حقيقية: من يحافظ على الطراز العمراني التقليدي الذي شيّده الأسلاف؟ هل يمكن أن تصمد دبي القديمة أمام موجة الأبنية الحديثة والأبراج الشاهقة؟ وخصوصاً أن الأبراج الشاهقة فرشت ظلالها على الأبنية الطينية الواطئة الأسوار حتى توارت.
بداية كان لا بدّ من تعريف علمي للأبنية التاريخية. الشروط التي تنطبق عليها حدّدها لنا المهندس رشاد بوخش، مدير "إدارة التراث العمراني" في دبي: "قمنا بتحديد عام 1950 كنقطة انطلاق، كلّ ما يعود إلى هذا التاريخ يعتبر تاريخيّاً، وهي تمثّل من 3 إلى 4 بالمائة من دبي كاملة". وعن كيفية المحافظة على هذه الأبنية، أجاب: "هناك قوانين للحفاظ عليها مثل منع أي تدخّل تعسّفي ضدّ هذه المباني التراثية، بحيث لا يحقّ لمالك المبنى التاريخي أن يقوم بعملية الهدم، وحتى لو أقدم على صيانتها وترميمها، يجب أن يعود إلينا لكي نعطيه الصور والوثائق والملامح التقليدية، ليرمّم وفقها وتحت إشرافنا".
اهتمام حكومة دبي بالمباني التاريخية يعود إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، عندما بدأ حصر المباني التاريخية، واستمرّ ذلك حتى عام 1991، حينذاك أنشئت وحدة لترميم المباني الأثرية، تطوّرت لتصبح عام 1994 قسماً خاصّاً للمباني التاريخية.
تأثّرت العمارة في منطقة الخليج والإمارات بالطفرة الاقتصادية الكبيرة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأدّت إلى الاستعانة بالمعماريين الأجانب، وهم أضفوا لمستهم الغربية على الشكل المعماري للمدينة القديمة وأخطأوا في الحفاظ على روحها الأصلية أكثر مما أصابوا.
يقول المهندس رشاد بوخش، مدير إدارة التراث العمراني، حول تزاوج العمارتين المحلية والأجنبية في دبي: "نظراً لعدم كفاءة الكثير من المعماريين الأجانب الذين يجهلون البيئة والتراث العمراني في منطقة الخليج، ولدت أعمالهم الهندسية خليطاً من التصاميم والنماذج التي لا تمتّ بصلة إلى تراثنا بطابعه المعماري المتميّز، وشهدنا هدم النسيج العمراني وإدخال أساليب معمارية هجينة أثّرت بدورها على ثقافة بكاملها، وأفقدتنا الحميمية التي نجدها في الحوش والباحة والألعاب والشمس ومساحة الحركة المتاحة للسكّان، ومساحة التفاعل بين الجيران. لذلك حرصنا على ترميم الأبنية التراثية بأنفسنا مثل: حصن الفهيدي، المدرسة الأحمدية، بيت التراث، بيت الوكيل، مجلس الغرفة في منطقة الجميرا، وبرج نهار، ومربعة الشندغة، البراحة، الوعيل، قرية حتا التاريخية وغيرها... لو لم تسعَ "إدارة التراث العمراني" إلى تدارك ترميم الأبنية التراثية لما بقي منها سوى الخرائب".


تحويل المنازل القديمة إلى متاحف تراثية (العربي الجديد)

لأجل ترميم يحافظ على هوية هذه الأمكنة، قامت السلطات في دبي بإنشاء ورش حرف مهنية لتدريب العمال والمهندسين، عنها يحدّثنا المهندس أحمد محمود أحمد، رئيس قسم المشاريع في إدارة التراث العمراني: "إن هذه الترميمات نفّذتها ورشة الحرف المهنية، فالإمارات بحاجة إلى من يتقن هذه الحرف ويعتبرها من أوليات تنفيذ جميع المشاريع في الدولة. لهذا السبب قمنا بإنشاء ورشنا المهنية الخاصّة التي جعلتنا نستغني عن الشركات العالمية المختصّة من جهة، ونقتصد في تكاليف الصيانة والترميم من جهة أخرى".
وعن العمّال المهَرة الذين يقومون بذلك، قال أحمد: "لدينا عمّال من جميع البلدان: مغاربة، باكستانيون، سوريون، هنود، وغيرهم. ويوجد في الورشة مواطنون مختصّون في الحفر على الخشب والجصّ. ولدينا بنّاؤون قدماء مثل عقيل، البناء الذي شيّد عدّة مبان في منطقة البستكية بيده وبأدواته القديمة... وديمومة المباني القديمة تأتي من كونها مشيّدة من البيئة ذاتها دون دخول مادة غريبة فيها، صناعية أو كيميائية، لأنّها ستتعرّض للتلف".
ويؤكّد بوخش أنّ مهمّة الترميم والصيانة شاقّة لأنّنا بذلنا جهوداً كبيرة في إقناع الأهالي الساكنين في الأبنية التراثية وتعويضهم من أجل إخلائها، وقد دفعت الدولة نحو 2 مليار درهم كتعويض للبيوت التراثية الكائنة في هذا المكان. نحن الوحيدون المؤهّلون لصيانة المباني التاريخية، التي يفوق عددها 200 مبنى تراثي في إمارة دبي. وهذا العدد في ازدياد لأنّ هناك مباني جديدة في طور البناء".
إلى جانب عمليات الترميم، تتولّى "إدارة التراث العمراني" عمليات إعادة البناء، التي لا تقلّ دقّة عن عمليات الترميم.
أما عن كيفية إعادة بناء المباني التراثية، فيقول بوخش: "يتمّ ذلك من خلال دراسة متأنّية، يساعدنا فيها الأجداد والأبناء الذين سكنوا في هذه البيوت أو هذه المناطق، ونحن لا نقدم على إعادة البناء ما لم تتوفّر لدينا الإثباتات اللازمة من صور ووثائق. وتتمّ عملية البناء بالمواد القديمة التي كانت تُستخدم في حينها، ولا نأخذ المواد الجديدة في الاعتبار، فمثلاً نستخدم الحجر القديم، المرجاني، وليس الطابوق، بل الحجر الصدفي، ومواد الجبس، والخشب والصاروج والنورة. ولا بدّ من أن تكون هذه العملية مترابطة مع بعضها".
ولا تترك المباني التاريخية بدون صيانة أو ترميم لفترة طويلة، لأنّها سرعان ما تتأثّر بعوامل الطبيعة والظروف المناخيّة. تقوم "إدارة التراث العمراني" بمراقبة 200 مبنى تراثي مرّتين في العام، ويتمّ ترميم نحو 90 مبنى، وتعود ملكية جميع الأبنية التراثية إلى أربع مؤسّسات هي: سياحة دبي، هيئة ثقافة دبي، الأوقاف، وبلديّة دبي.


إحياء تقنيات العمارة القديمة مثل "الملاقف" التي تبرّد الهواء داخل المباني (العربي الجديد)
دلالات
المساهمون