19 أكتوبر 2024
أوهام المعارضة السورية والضربة الأميركيّة
ستةُ أعوامٍ مضت، ولم يتحقق حلمُ المعارضة السورية المُشتهى بقصف مواقع النظام وإسقاطه. لم يمت الحلم كما يبدو، وهو ينبعثُ كلما لَوّحت أميركا أو دولة أوروبيّة بمعاقبة النظام. في مقابل ذلك، أشاحت المعارضة النظر عن السياسة الأميركيّة والأوروبيّة الحقيقيّة، وهي الصمت عن تدمير سورية؛ كثورة أولاً وثانياً كقوى عسكريّة وبنية تحتيّة وكبشر؛ وهذا يتمُ بيد النظام وحلفِه وبمراقبة "الحلف الداعم للثورة".
تأتي الضربة الأميركيّة، ليلة السابع من إبريل/ نيسان الجاري، في سياقٍ واحد، حيث هناك اتفاقٌ دوليٌّ ينص على تسليم النظام السوري كل أسلحته الكيماويّة، وعبرَ توافقٍ أميركيٍّ روسيٍّ، وبالتالي تؤكد مقتلة خان شيخون وجود أسلحةٍ لم تُسلم بعد، ولا بد من تسليمها، ومنع النظام من امتلاكها بشكل كامل؛ وكذلك تُحققُ الضربة هدفاً للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتعلق بهيبة أميركا العالمية، وأن تستعيد عالميتها هذه بعد أن فَرّطَ سلفه باراك أوباما فيها كثيراً، وربما تُوقفُ الملاحقات القانونية لفريقه الحكومي في ما يخص علاقته بروسيا.
محدوديّة الضربة وهُزال نتيجتها يقولان إنّها رسالة سياسيّة إلى روسيا وإيران، وتفيد بأن الدور الأميركي أصبح حقيقة في سورية، ويجب وضع حدٍّ لمشاريعهما بإعادة هيكلة النظام كما هو، أو الاستفراد بسورية، وأن الحل السياسي هو الوحيد القادر على إنهاء الصراع في سورية، وبالتالي، دفع التفاوض ليكون حقيقيّاً وربما لعقد اتفاقيات دولية تخص مناطق النزاع، كأوكرانيا والدرع الصاروخي في أوروبا وتحجيم إيران ومسائل كثيرة.
المعارضة التي رحبت كثيراً بالضربة الأميركية، وبدءاً من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة وليس انتهاءً بالفصائل العسكرية، لم تقرأ أبداً أسباب حدوثها، ولم تتذكّر مرور ست سنواتٍ
على المراقبة الأميركيّة لكيفية إفشال الثورة وتدمير سورية بلدة بلدة؛ فيكفي المعارضة أن تُوجهَ بعض الصفعات إلى النظام، أي الضربة. لم تفهم المعارضة بعد أن الدول العظمى تُوظف المسألة السوريّة من أجل قضاياها، ومعنيّةً بتدمير سورية، وهو ما يحقق لها مصالح تلك الدول وليس العكس. وبالتالي، كان يجب قراءة تلك الضربة ضمن سياق مصلحةٍ أميركيّة محضة.
لم يُوقف النظام ضرباته الجويّة للمدن السورية، بل زادها، وفي يوم الضربة نفسه. أي لم تُشكل له أيّ رادعٍ لاستخدام الطيران في معركته ضد الشعب. وبالتالي، إن كان للضربة هدفٌ يخص سورية، فهو وغير ما ذكرنا أعلاه، التأكيد أن لا حل في سورية إلا الحل السياسي، ووفقاً لمصالح الدولتين العظميين.
لم تتوقف المعارضة السورية عن الأوهام، ولم تنشغل بالتواصل مع الحركات السياسيّة العالميّة لإيجاد تأييدٍ واسعٍ للثورة، واكتفت بالعمل في الإطار الرسمي للدول، والذي مهمته إبقاء الوضع الدولي على حاله، وعدم إحداث أيّ تغييرٍ في أيّة دولة إلا عبر التوافقات الدولية والإقليمية، إضافة إلى أهدافها الكاملة في إثارة كل ما يمنع التطور عن البلاد المتخلفة. هذا يعني أن المعارضة من جنس النظام، فكما استعان بالروس، حاولوا هم الاستعانة بالأميركان، ولكن الأخيرين تدخلوا وفقاً لمصالحهم منذ عام 2011، وكأنّ كل الدور الأميركي السابق لم يكن موجوداً! وهو ما لم تفهمه المعارضة. وبالتالي، لم تتجه إلى الدفاع عن الثورة، واعتبارها قضيةً تخصّ كل السوريين، ويجب تطوير رؤية الثورة في هذا الإطار بالتحديد، ومع الحركات الثورية والشعبية والنقابية عالمياً؛ هذا هو المكان الذي من مصلحته دعم الثورات.
محدوديّة الضربةِ والتأييد الكبير لها في أوساط السياسيين السوريين، يوضحان هشاشة فكرية كبيرة تتملك عقول السوريين. وللأمر طبعاً سبب انفعالي بالكامل، هو الرغبة العارمة بالتخلص من نظامٍ أذاقهم الأمرّين، ولكن هذا، وبعد ست سنوات، يعني شيئاً واحداً أنّنا لا نريد رؤية كل التراكم الذي حصل في سورية، وأن المأمول به فقط تغييرٌ طفيفٌ في رأس النظام؛ هذا يعني أنّ السوريين، ولو نجحوا، لن يكون مصيرهم أكثر من تونس أو مصر؟
الضربة، وإضافةً إلى ما ذُكر أعلاه، تضع لروسيا حدوداً، وأن أميركا هي من تسمح باحتلال سورية أو لا تقبل ذلك. هذه رسالة ترامب إلى روسيا، ورسالته إلى إيران إن في استطاعتنا أن نُجهز على مليشياتك في سورية، وهو ما ستفعله لاحقاً.
المعارضة وقد أفلست نهائياً، وأصبحت جزءاً من ممثلي الثورة، وهناك جزء عسكري، وهناك
المنصات التابعة لروسيا، وستفرض عليها. أعتقد أن عليها أن تحلّ نفسها، أو أن تنسحب بشكل كامل من التمثيل السياسي، وتتقدم بذلك إلى كل الدول، وتوضح أسباب ذلك، والتفرّغ لتأمين حاجات السوريين في الداخل. قيامها بذلك ربما سيَفرضُ على العالم بأكمله تغيير حساباته نحوها ونحو سوريّة. ربما سيغير هذا الموقف قواعد اللعبة في سورية، أي الدخول الفوري في مفاوضات المرحلة الانتقالية، وحينها يُمكن للمعارضة أن تتقدّم بوفدٍ يُمثلها.
هناك تحليلات كثيرة تُفسر الضربة الأميركية على مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص، وتُفيد بأن الولايات المتحدة عازمة على جلب النظام إلى الحل السياسي أخيراً، وإنه من غير المسموح بعد الآن استخدام السلاح الكيميائي "ترامب يقول: سورية من مسؤوليتي الآن". قبل الضربة، كانت الاستراتيجيّة في سورية، هي تحرير الرّقة والضغط على إيران واستمرار التفاوض مع روسيا وصولاً إلى الحل. بعدها ربما تكون كل المسارات مطروحة، أي أنّ أميركا ستفرض الحل السياسي، وسيشمل هيئة انتقالية تمتلك كامل الصلاحيات ووفقاً لبيان جنيف 1؛ ذاك الذي لم يكن لا النظام ولا المعارضة متمثلين فيه.
سيزور وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، الأسبوع الجاري روسيا، ويبدو أن أميركا أصبحت، وبعد كل وجودها الكبير في سورية، كقواعد عسكرية وجنود والآن قصفت مطاراً عسكرياً، تريد حلاً لا يعطي سورية لروسيا منفردة، أو تكون هناك تفاهمات كاملة بينهما، كأن تُعطى سورية لروسيا والعراق لأميركا، وضمن تفاهمات تشمل كل المنطقة، ويُهمَّش كل من تركيا وإيران، وربما الاتفاق على أوكرانيا وبقية المناطق العالمية العالقة من زمن أوباما.
المعارضة السوريّة معنيّة بالتخلص من أوهامها عن التدخل الخارجي المفترض، فهو حاصلٌ ومنذ عام 2011، وأن تعود إلى العمل على مشروعٍ وطنيٍّ، يُحاصر كل المشاريع الطائفية والقبلية والإثنية والمناطقية. سوريّة مفتّتة الآن، ويجب إعادة الوصل بها، وخياطة نسيجها القديم من جديد، بما يتيح المجال للاجئين والمُهجرين بالعودة إلى ديارهم.
احتمالات الحل السياسي المتقدمة هذه الأيام يجعل المهمة السابقة أكثر من ضروريّة، فهي تقدم المعارضة مُمثلةً عن سورية كلّها، وليس المفيدة أو غير المفيدة منها.
تأتي الضربة الأميركيّة، ليلة السابع من إبريل/ نيسان الجاري، في سياقٍ واحد، حيث هناك اتفاقٌ دوليٌّ ينص على تسليم النظام السوري كل أسلحته الكيماويّة، وعبرَ توافقٍ أميركيٍّ روسيٍّ، وبالتالي تؤكد مقتلة خان شيخون وجود أسلحةٍ لم تُسلم بعد، ولا بد من تسليمها، ومنع النظام من امتلاكها بشكل كامل؛ وكذلك تُحققُ الضربة هدفاً للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يتعلق بهيبة أميركا العالمية، وأن تستعيد عالميتها هذه بعد أن فَرّطَ سلفه باراك أوباما فيها كثيراً، وربما تُوقفُ الملاحقات القانونية لفريقه الحكومي في ما يخص علاقته بروسيا.
محدوديّة الضربة وهُزال نتيجتها يقولان إنّها رسالة سياسيّة إلى روسيا وإيران، وتفيد بأن الدور الأميركي أصبح حقيقة في سورية، ويجب وضع حدٍّ لمشاريعهما بإعادة هيكلة النظام كما هو، أو الاستفراد بسورية، وأن الحل السياسي هو الوحيد القادر على إنهاء الصراع في سورية، وبالتالي، دفع التفاوض ليكون حقيقيّاً وربما لعقد اتفاقيات دولية تخص مناطق النزاع، كأوكرانيا والدرع الصاروخي في أوروبا وتحجيم إيران ومسائل كثيرة.
المعارضة التي رحبت كثيراً بالضربة الأميركية، وبدءاً من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة وليس انتهاءً بالفصائل العسكرية، لم تقرأ أبداً أسباب حدوثها، ولم تتذكّر مرور ست سنواتٍ
لم يُوقف النظام ضرباته الجويّة للمدن السورية، بل زادها، وفي يوم الضربة نفسه. أي لم تُشكل له أيّ رادعٍ لاستخدام الطيران في معركته ضد الشعب. وبالتالي، إن كان للضربة هدفٌ يخص سورية، فهو وغير ما ذكرنا أعلاه، التأكيد أن لا حل في سورية إلا الحل السياسي، ووفقاً لمصالح الدولتين العظميين.
لم تتوقف المعارضة السورية عن الأوهام، ولم تنشغل بالتواصل مع الحركات السياسيّة العالميّة لإيجاد تأييدٍ واسعٍ للثورة، واكتفت بالعمل في الإطار الرسمي للدول، والذي مهمته إبقاء الوضع الدولي على حاله، وعدم إحداث أيّ تغييرٍ في أيّة دولة إلا عبر التوافقات الدولية والإقليمية، إضافة إلى أهدافها الكاملة في إثارة كل ما يمنع التطور عن البلاد المتخلفة. هذا يعني أن المعارضة من جنس النظام، فكما استعان بالروس، حاولوا هم الاستعانة بالأميركان، ولكن الأخيرين تدخلوا وفقاً لمصالحهم منذ عام 2011، وكأنّ كل الدور الأميركي السابق لم يكن موجوداً! وهو ما لم تفهمه المعارضة. وبالتالي، لم تتجه إلى الدفاع عن الثورة، واعتبارها قضيةً تخصّ كل السوريين، ويجب تطوير رؤية الثورة في هذا الإطار بالتحديد، ومع الحركات الثورية والشعبية والنقابية عالمياً؛ هذا هو المكان الذي من مصلحته دعم الثورات.
محدوديّة الضربةِ والتأييد الكبير لها في أوساط السياسيين السوريين، يوضحان هشاشة فكرية كبيرة تتملك عقول السوريين. وللأمر طبعاً سبب انفعالي بالكامل، هو الرغبة العارمة بالتخلص من نظامٍ أذاقهم الأمرّين، ولكن هذا، وبعد ست سنوات، يعني شيئاً واحداً أنّنا لا نريد رؤية كل التراكم الذي حصل في سورية، وأن المأمول به فقط تغييرٌ طفيفٌ في رأس النظام؛ هذا يعني أنّ السوريين، ولو نجحوا، لن يكون مصيرهم أكثر من تونس أو مصر؟
الضربة، وإضافةً إلى ما ذُكر أعلاه، تضع لروسيا حدوداً، وأن أميركا هي من تسمح باحتلال سورية أو لا تقبل ذلك. هذه رسالة ترامب إلى روسيا، ورسالته إلى إيران إن في استطاعتنا أن نُجهز على مليشياتك في سورية، وهو ما ستفعله لاحقاً.
المعارضة وقد أفلست نهائياً، وأصبحت جزءاً من ممثلي الثورة، وهناك جزء عسكري، وهناك
هناك تحليلات كثيرة تُفسر الضربة الأميركية على مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص، وتُفيد بأن الولايات المتحدة عازمة على جلب النظام إلى الحل السياسي أخيراً، وإنه من غير المسموح بعد الآن استخدام السلاح الكيميائي "ترامب يقول: سورية من مسؤوليتي الآن". قبل الضربة، كانت الاستراتيجيّة في سورية، هي تحرير الرّقة والضغط على إيران واستمرار التفاوض مع روسيا وصولاً إلى الحل. بعدها ربما تكون كل المسارات مطروحة، أي أنّ أميركا ستفرض الحل السياسي، وسيشمل هيئة انتقالية تمتلك كامل الصلاحيات ووفقاً لبيان جنيف 1؛ ذاك الذي لم يكن لا النظام ولا المعارضة متمثلين فيه.
سيزور وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، الأسبوع الجاري روسيا، ويبدو أن أميركا أصبحت، وبعد كل وجودها الكبير في سورية، كقواعد عسكرية وجنود والآن قصفت مطاراً عسكرياً، تريد حلاً لا يعطي سورية لروسيا منفردة، أو تكون هناك تفاهمات كاملة بينهما، كأن تُعطى سورية لروسيا والعراق لأميركا، وضمن تفاهمات تشمل كل المنطقة، ويُهمَّش كل من تركيا وإيران، وربما الاتفاق على أوكرانيا وبقية المناطق العالمية العالقة من زمن أوباما.
المعارضة السوريّة معنيّة بالتخلص من أوهامها عن التدخل الخارجي المفترض، فهو حاصلٌ ومنذ عام 2011، وأن تعود إلى العمل على مشروعٍ وطنيٍّ، يُحاصر كل المشاريع الطائفية والقبلية والإثنية والمناطقية. سوريّة مفتّتة الآن، ويجب إعادة الوصل بها، وخياطة نسيجها القديم من جديد، بما يتيح المجال للاجئين والمُهجرين بالعودة إلى ديارهم.
احتمالات الحل السياسي المتقدمة هذه الأيام يجعل المهمة السابقة أكثر من ضروريّة، فهي تقدم المعارضة مُمثلةً عن سورية كلّها، وليس المفيدة أو غير المفيدة منها.