في مدينة سنجار العراقية، الواقعة غربي الموصل، يعمل الشاب الأيزيدي كاميران كمال (25 عاماً) على تأسيس أول مكتبة عامة بعد أكثر من 30 عاماً على اندثار المكتبة العامة التي كانت في المدينة، وحظيت فكرة كمال باهتمام العراقيين، ولا سيما الأدباء والكتاب والشعراء، فيما توجه العشرات من الناشطين في محافظات البلاد للتبرع بالكتب من أجل تأثيث المكتبة وتحويلها إلى مصدر مهم للثقافة في سنجار.
يقول كاميران كمال، وهو صاحب فكرة تأسيس مكتبة "أورشينا"، التي تعني "أرض السلام" وفقاً للغة السريانية القديمة، إن "فكرة المكتبة بدأت عام 2015، عندما كنت نازحاً وأسكن في المخيمات بسبب احتلال تنظيم "داعش" لمنطقة سنجار، والذي أجبر الأهالي على النزوح والتوجه نحو المخيمات أو مناطق إقليم كردستان أو بلدان أخرى".
ويضيف في حديث إلى "العربي الجديد"، أنه "أسس مكتبة صغيرة في خيمته ضمن مخيم النازحين، وكانت تتضمن مجموعة بسيطة من الكتب، وأعلن أن إمكانية القراءة في خيمته أو استعارة أي نازح لأي كتاب في سبيل تثقيف النازحين ونشر ممارسة القراءة، وبقيت أسعى إلى شراء الكتب واستقبال التبرعات من أجل توسيع في المكتبة في المخيم، ثم بدأت بالتخطيط لإنشاء مكتبة عامة كبيرة في المدينة بعد تحريرها".
يلفت إلى أنه "في سنجار لم تكن هناك مكتبات كبيرة لبيع الكتب، بل كانت توجد الكتب بشكل بسيط في بعض المكتبات المتخصصة ببيع القرطاسية واللوازم الدراسية. وحين استفسرت من كبار السن في المدينة، قالوا إن سنجار لم تتوفر فيها مكتبة عامة منذ عام 1990، التي انتهى بها المطاف بالاندثار من قبل جهات حكومية ورسمية ثم أغلقت".
ويكمل أن "مكتبة أورشينا، هي أول مكتبة عامة في سنجار، والمدينة بحاجة إلى هذه المكتبة لأن نشر الثقافة والقراءة يحد من الصراعات الحزبية والثقافية والاجتماعية والدينية، ومن حسن حظي أن الأهالي في سنجار رحبوا بالفكرة وتعاطفوا معي كثيراً".
يشير إلى أنه "فور إعلانه على صفحته في فيسبوك عن الفكرة، واجه تعاطفاً وتشجيعاً كبيراً من الأهالي والأصدقاء ومن قبل الناشطين في المحافظات الأخرى، إضافة إلى الكتّاب والروائيين العراقيين الذي أسهموا في نشر الفكرة، كما بادر مثقفون عراقيون من محافظات شمال ووسط وجنوب البلاد بإرسال الكتب كتبرعات من أجل رفد المكتبة وتأثيثها، من أجل إنجاح الفكرة".
يتابع: "المثقفون الذين دعموا فكرتي لا تربطني بهم علاقات شخصية، بل سعوا إلى تشجيعي كخدمة إنسانية من أجل نشر الثقافة في سنجار، التي تحتاج إلى القراءة، وتحتاج المدينة أيضاً إلى أن تُبنى ثقافياً قبل بنائها عمرانياً، وبداية حياة جديدة بعيدة عن القتل والنزوح والفتن".
وبعد الإعلان عن المشروع وتداول المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، حظي المشروع بمباركة معهد "غوته" الثقافي الألماني، الذي تعهد بترميم المكتبة وتوفير بعض الأساسيات التي تحتاجها، بحسب كاميران كمال.
تقع مدينة سنجار على بعد 120 كيلومتراً غرب الموصل، قرب الحدود مع سورية، يسكنها خليط عراقي ديني وقومي، بينما تحيط بها قرى تعرف باسم مضارب شمر العربية، وسبب تسمية المدينة بهذا الاسم يعود إلى أن أول من قطنها كان فرعاً من قبيلة شمر تُعرف باسم سنجار.
وفي المدينة حالياً نحو 100 ألف نسمة، عرفوا بانسجام كبير في ما بينهم منذ قرون طويلة. ومن أبرز معالم قضاء سنجار معبد "شرميرا" الذي يعني بالآشورية "أربعين رجلاً"، ويقع عند أعلى نقطة في جبل سنجار.