وبحسب مصدر أمني مطلع في محافظة إدلب، فإن بنك أهداف النظام السوري، والطيران الروسي، يحتاج لخمسين غارة جوية سيتم تنفيذها في غضون يومين على محافظة إدلب وحدها، وخصوصاً على المدينة. وتبدو مؤسسات ومقرات الهلال الأحمر السوري ومبنى أمن الدولة ومبنى مديرية الزراعة ومبنى المخابرات السياسية بالإضافة إلى مقرات مدنية أخرى أهدافاً أولى بالنسبة لمعسكر النظام.
وحتى عصر يوم أمس، كان طيران النظام والطيران الروسي قد نفذا ست غارات جوية على مدينة إدلب، وأربع غارات على مدينة أريحا باستخدام أسلحة فراغية وعنقودية. وخرجت الطائرات التي نفذت الغارات التي تستهدف المحافظة من مطار حميميم ومن أحد مطارات النظام في حمص وهي غارات مشتركة للطيران الروسي وطيران النظام. ومما عرف من ضحايا الغارات على مدينة إدلب منذ يوم الخميس، حتى عصر الجمعة، 34 قتيلاً و320 جريحاً، علماً أن هناك عدداً من القتلى والجرحى لا يزالون تحت الانقاض يتم العمل على إجلائهم. وتكشف مصادر مدينة إدلب أن تسعين في المئة من سكان المدينة قد نزحوا منها بسبب كثافة القصف ولم يبق فيها سوى عدد قليل من السكان والإعلاميين والجرحى وكوادر الدفاع المدني.
مبرّر النظام والروس لقصف مدينة إدلب هو تواجد "جبهة النصرة" فيها التي تشارك بإدارتها كجزء من "جيش الفتح" الذي يدير المدينة حالياً بإشراف ما يعرف باسم "مجلس شورى جيش الفتح". ويضم هذا المجلس فصائل حركة أحرار الشام، و"جبهة النصرة"، و"فيلق الشام"، و"أجناد الشام"، و"لواء الحق"، و"جيش السنة"، و"جند الأقصى". وتمثل حركة أحرار الشام الكتلة الأكبر في المجلس بستة أعضاء، فيما "النصرة" ممثلة بأربعة، بالإضافة إلى عضوَين لـ"فيلق الشام"، وعضو واحد للفصائل الأخرى. أما رئاسة الإدارة المدنية فهي دورية بين "النصرة" و"أحرار الشام"، ويتناوبان عليها كل ستة أشهر، من خلال تعيين شخص من أحد الفصيلين، ويُعرف بـ"المحافظ". ويعين "مجلس شورى جيش الفتح" كل ميري الجهات الخدمية في المحافظة التي تضم مديريات للتربية، والصحة، والخدمات، والقضاء وغيرها.
وبالتوازي مع الإدارة المدنية لإدلب، يوجد ممثلون للحكومة المؤقتة في المدينة، لكن من دون فاعلية تذكر. حتى أن مقر مجلس محافظة إدلب الحرة التابع للحكومة المؤقتة موجود في مدينة حزانو شمال المحافظة، وليس في مدينة إدلب، ولا تتمتع بتمثيل ضمن إدارة جيش الفتح. لكن بعد تشكيل الحكومة المؤقتة في الداخل، ازداد التنسيق في ما بينهما لناحية الشؤون الإنسانية والخدمية، إذ تم دمج مديرية التربية التابعة لجيش الفتح مع مديرية التربية الحرة التابعة للحكومة المؤقتة.
قصص الدمار والنزوح
لم ينوِ مصطفى رجب الذي يملك محلاً للمواد الغذائية في مدينة إدلب ترك مدينته مهما كانت الظروف، خصوصاً بعدما طُردت قوات النظام منها وبدأت الأوضاع فيها تسير نحو شبه استقرار. إلا أن الطريقة الهمجية وغير المسبوقة في قصف المدينة من قبل طائرات النظام وروسيا ولاحقاً طيران التحالف الدولي أجبرته على الفرار هو ومن تبقى من عائلته على الرغم من كل الوعود التي قطعها على نفسه بعدم المغادرة وتكرار تجربة النزوح حين كان النظام مسيطراً على المدينة. يقول رجب لـ"العربي الجديد"، "كان لدي شعور بأنه لم يعد أمامنا من خيارات سوى مواجهة الموت الذي أفضّله على المبيت في العراء، خصوصاً بعد إغلاق الحدود في وجهنا وتآمر كل العالم علينا، إلا أن خسارة أحد أفراد العائلة جعلني أفضل خيار الهرب حفاظاً على من تبقى منهم".
ويضيف أنّه "سقط صاروخ على البناء المجاور لبيتنا أدى إلى إصابة ابني الصغير برأسه، ثم استشهاده في اليوم التالي الذي شهد أكثر من خمسين غارة على المدينة التي غادرها معظم سكانها. شعرت أنه في حال قررت البقاء فسأساهم بمقتل بقية أفراد أسرتي الخمسة، وأتحمل ذنب البقاء في المدينة التي يبدو أن هناك قراراً بتدميرها بشكل كامل. حملت بعض محتويات الدكان الذي أملكه وهربت وعائلتي إلى مدينة بنش التي أدرك أنها لن تكون في منأى عن القصف، لكنه وجود مؤقت ريثما تستقر الأوضاع، والتي لم يعد لنا ثقة بأنها ستستقر قبل تدمير كل المحافظة". ويلفت رجب إلى أنّ "عائلة في مدينة بنش قدمت لنا قسماً من بيتها، على أمل الحصول على مكان أفضل".
بدوره، يؤكد ناصر علوش من مدينة إدلب أنّ أكثر من تسعين في المائة من سكان المدينة التي تضم نحو 300 مدني بين سكان ونازحين من مناطق ساخنة هربوا إلى مناطق أكثر أمناً. ويوضح أنّ القسم الأكبر منهم يعيش الآن في العراء ضمن ظروف سيئة للغاية، فهناك حوالي 100 ألف نسمة نزحوا إلى المزارع المحيطة بإدلب، وقسم إلى القرى والمدن المجاورة والمخيمات القريبة، مثل مخيم بلدة كلي.
أما أنس الدياب (20 عاماً)، مقيم في مدينة إدلب ويعمل مصوّراً، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أن "إدلب أصبحت مدينة منكوبة بعد الحملة الشرسة التي اشتدت عليها منذ أيام والتي تعد استمراراً للحملة التي بدأت مطلع الشهر الحالي، بهدف تدمير المدينة". ويضيف أنّ "هناك غارات كثيفة وصلت لخمسين غارة في اليوم استهدفت كل أحياء المدينة تبيّن مدى حقد النظام السوري والروس على تلك المدينة بسبب الدمار الهائل الذي خلّفته تلك الغارات التي تستهدف المنشآت الخدمية والطبية، بالإضافة للمنازل السكنية".
ويشير الدياب إلى أنّه "لو كان هدف الطيران ضرب جبهة النصرة لكان قصف مقراته، لكنه استهدف المستشفيات ومنظومات الإسعاف، كالمستشفى الوطني ومديرية الصحة، الأمر الذي أدى إلى توقف معظم المستشفيات عن العمل. كما يتم نقل معظم الحالات الخطرة إلى مستشفيات خارج المدينة، نتيجة الازدحام وعدم توفر القدرات لإنقاذ المصابين". ويوضح أنّه "بالإضافة للمأساة التي عاشها سكان إدلب نتيجة القصف، هناك معاناة أخرى يعيشها من تمكنوا من الهرب إلى المزارع المحيطة بالمدينة، والذين يقدر عددهم بأكثر من مائة ألف منتشرين بالعراء ضمن الأراضي الزراعية. وهؤلاء يحتاجون للطعام والماء وللحد الأدنى من الخدمات، لأن استمرار الوضع على هذا النحو سيؤدي إلى كارثة إنسانية في المنطقة.