أولاد محمود درويش وعبادة مارسيل خليفة

18 نوفمبر 2018
نذير طنبولي /مصر
+ الخط -
نحن المتلقين، حين نقرأ أو نشاهد أو نستمع إلى حوار مع سياسي أو كاتب أو فنان، نريد أن نعرف وأن نتحاور وأن نقدح الأفكار بعضها ببعض. نريد أن نسأل كيف ولماذا وهل. ممكن أن نسأل متى وأين، إذا ما استجد في الحوار أمر لا نعرفه فنكون معذورين.

"متى وأين وماذا" من المفروض أن يعلم بها المحاور، أو ببعضها، وأن يستعد لها قبل أن يقابل ضيفه.

خذ مثلاً الروائي الطيب صالح. كان ضيفاً على التلفزيون الليبي القذافي. وقيل إن المذيع - بعد الصلاة على النبي - طلب من الطيب أن يقدم نفسه إلى الجمهور.

يعني، كان المفترض أن يقول الرجل الأشهر من نار على علم "أنا الطيب محمد صالح أحمد، من السودان، لدي روايات منها "موسم الهجرة إلى الشمال" وعملت في البي بي سي.."، وبالمرة تأخذه الحماسة فيقول "وأهدي سلامي إلى الوالد والوالدة، وكل من يسأل عنا".

لكن الذي حصل أن الطيب رمى الميكروفون في وجه المذيع، وألغى المقابلة.

في الأردن كنا على موعد مع الشاعر محمود درويش، وكانت المذيعة وبثقة عالية تسأل أول سؤال مجاملة "كيف الأولاد أستاذ محمود"؟


لا يوجد في خيال المعد والمذيع أي إمكانية لوجود رجل عربي، ويدخل التلفزيون، وعمره فوق الخمسين وليس لديه أولاد، مع أن هناك عشرات الأسباب لكي لا يكون عندك أولاد، منها أنك "مش فاضي".

غير أن السؤال الغبي يمكن أن نحصل مقابله على جواب رفيع. إذ قال الشاعر إن هناك نداء الملح في الدم على ألا يكون على شكل مؤسسة، وإن على الصباح أن يكون حرّا. وفي دردشات أخرى كان يقول إنه لم ينجب، لأنه لا يريد أن يزيد عدد اللاجئين الفلسطينيين.

بين هذا وذاك وقعتُ على حوار مع السينمائي الإسباني المجنون بدرو المودوبار.

ماذا يفعل الصحافي هنا؟ إنه يسأل بمعرفة واحترام وشجاعة. النتيجة مادة ثرية وممتعة، احترم كلا الطرفين بعضهما: معرفة الصحافي وطلب المعرفة أكثر في مواجهة مخرج قلق، ليس لديه وصفة عاقلة وسطية.

حوار آخر لشخص موهوب مع الكاتب الأيرلندي جيمس جويس. كيف تحاور صاحب رواية "عوليس" و"صورة الفنان في شبابه"، والأعمى تقريباً بسبب الشيخوخة والمرض؟

رحلة تقود الاثنين نحو مقهى، بشرط ألا يكون مشهوراً. يحدث كل هذا بعد تقريع عائلة جويس للصحافي المحاور الذي أحضر ويسكي هدية، وكان جويس ممنوعاً من الخمر. ثم يندلع الحوار في مكان خامل الشأن. لا يحب جويس الأماكن المصنفة من نجمة إلى خمس. ربما لأننا هناك لن نكون أحراراً بالقدر الكافي.

في هذا المقهى سنكون بين نوع آخر من الحوارات. إنه تبادل وجهات نظر وأسئلة مشتركة يطرحها الطرفان.

لا أعرف ما الذي دعا الرسام الإسباني سلفادور دالي، لأن يشترط على الصحافي الزحف على قدميه، مقابل السماح بإجراء مقابلة.

هناك أسباب عدة منها وقاحة دالي، ومنها أن الصحافي مشهور بأسئلة من طراز "ما حكمتك المفضلة"؟ وعليه على الأقل أن يزحف.


النموذج الأسوأ هو أن تسأل سؤالاً لا جواب له.

خذ عندك مذيعة تلفزيون المستقبل في حوارها مع مارسيل خليفة – وأنا من المعجبين بمؤلفاته الموسيقية من ريتا، مروراً بـ"جدل" مع شربل روحانا ومقدمة "تصبحون على وطن"، إلى كونشرتو الأندلس.

أسئلة المذيعة بالمجمل كانت أبعد مما يسميها الإعلام "الأسئلة المساعدة".

إنها من الأسئلة التي تفترض بأن الطريقة الوحيدة للاحتفاظ بالضيف على كرسيه، هو عمل مساج للقدمين.

يعني أن تقول للضيف "أنت شخص نادر، كيف تفسر لنا أسباب هذه الندرة"؟ هذا ليس سؤالاً، وإنما رسالة ولهان على منديل معطّر مروّسة بكليشيه "الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان".

إلا أن المذيعة بالفعل تجاوزت المساج والناقوس، فقد جاء في مقدمة سؤالها أنك أستاذ مارسيل وصلت إلى أن يعبدك الجمهور.

حين يضع المحاور ضيفه في محل عبادة، هل بقيت ضرورة واحدة لإجراء حوار معه؟

المساهمون