أوكرانيا.. عام على ضمّ روسيا القرم

24 مارس 2015

مناورات عسكرية روسية في البحر الأسود على سواحل القرم(19نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -

بعد مرور عام على ضمّ شبه جزيرة القرم لروسيا، لم يفاجأ الخبراء بتهديد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإمكانية استخدام السلاح النووي، رداً على أيّ هجمات عسكرية نووية، أو أسلحة دمار شامل، قد تهدّد وجود روسيا، أو أيّة دولة حليفة أخرى. هذا ما ورد في الوثيقة ذات الطابع العسكري التي صادق عليها بوتين، مؤكّداً كذلك رغبة الكرملين بعدم استخدام القوّة حتى نفاد الطرق السلمية الممكنة كافة. لم يتأخر الردّ الأميركي وجاء بالمثل، علماً أنّه، وحسب الوثائق التي وقّع عليها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في العام 2010، لا يحقّ لأميركا استخدام القوّة النووية ضدّ دولةٍ لا تمتلك أسلحة نووية. وتشير البيانات إلى امتلاك روسيا أسلحة استراتيجية نووية، تبلغ 2038 رأساً نووياً، فيما تمتلك الولايات المتحدة 1654 رأساً نووياً، واحتياطياً لقرابة 5500 رأس أخرى، يمكن تحميلها على متن الغواصات والمدمّرات ومنصّات الصواريخ عابرة القارات. عدا عن الدولتين العظميين، تنضم للنادي النووي بريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية، وإسرائيل بصورة غير رسمية، إذ تفيد بيانات بامتلاكها قرابة 90 رأساً نووياً.

قبل عام، احتل حوالي 120 مقاتلاً، لا يحملون شارات محدّدة، المباني الحكومية ومبنى البرلمان في شبه جزيرة القرم، بدعم من متطوعين محليين. وخلال شهر، أقدمت القوات العسكرية الروسية المرابطة في القاعدة العسكرية "سيفاستوبول"، بدعم من قرابة 1700 منشق عن السلطة المحلية في القرم، على السيطرة على كل المرافق الحيوية ومؤسسات الدولة، وحاصرت القوات العسكرية الأوكرانية، طالبة منها تسليم السلاح والاستسلام فوراً. وسرعان ما استسلمت القوات الأوكرانية من دون الدخول في قتال عسكري ومواجهة دموية مع القوات الروسية وأنصارها، في نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي. بهذا اعتبرت القرم جزءاً من روسيا، ولم يبق سوى الإعلان عن الاستفتاء الصوري، لإكمال القضايا الإدارية في السادس عشر من شهر مارس/ آذار 2014. عدا عن أبخازيا المنشقة عن جمهورية جورجيا، وبعض الدول التي تدور في فلك روسيا، لم تعترف أيّة دولة أخرى بضمّ القرم لروسيا. وهناك استثناءات أخرى على الصعيد الأوروبي، إذ شارك قرابة 30 ممثلاً عن أحزاب يمينية متطرفة، ويسارية أوروبية، كمراقبين دوليين، طمعوا بالحصول على فتات الكرملين من عائدات النفط الروسي والغاز الطبيعي وأرباحهما.


احتلال القرم رسمياً

على الرغم من إنكار روسيا العمل على احتلال شبه الجزيرة، والتنكّر للمقاتلين المسلّحين بأحدث أنواع الأسلحة، إلا أنّ الرئيس فلاديمير بوتين قال، في ما بعد: "وقف مقاتلونا، بالطبع، خلف المدافعين عن أنفسهم في القرم، وقاموا بأعمال عسكرية محدّدة، عالية الكفاءة". وبعد أشهر، لم يعد بوتين ينكر أمام العالم ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم، ومحاصرة المقاتلين الروس القوات الأوكرانية خلال تلك الأحداث. وحاول الكرملين استخدام تقنيات التواصل ووسائل الإعلام لإيجاد المبررات المختلفة لعملية الضمّ، ومنها دفاع مقاتلين غير روس من خارج روسيا عن المقاتلين الروس في القرم. واستخدمت موسكو مسمّيات عديدة أخرى لتبرير تورّطها في القتال المتواصل في إقليم دونباس في شرق أوكرانيا. وبعد التوقيع على اتفاقية مينسك الثانية، بدا أن ملف ضمّ شبه جزيرة القرم أصبح طيّ النسيان، وأمراً واقعاً. ولا توجد لدى المنظمات الدولية والدول ذات العلاقة رغبة بإزعاج موسكو في هذا الشأن، وخصوصاً أنّ المعاهدة غير ملزمة لروسيا بالتخلّي عن القرم، وصادق عليها ممثلون عن رؤساء كلّ من روسيا، أوكرانيا، فرنسا وألمانيا، بدلاً من الزعماء أنفسهم. يبدو الواقع السياسي في القرم غير مستقر، ومن الصعب تقديم تنبّؤات حول مستقبل العلاقة مع أوكرانيا وروسيا. لكن هذا الواقع قد يؤدّي إلى تشكيل مجتمع راديكالي مختلف، غير قادر على تحديد هويته ومواطنيته، وحقوق مدنية يصعب تحقيقها في ظلّ الواقع السياسي في هذا الإقليم.

من المتوقع كذلك أن تبدأ السلطات الروسية في القرم تجنيد المواطنين في شبه الجزيرة، وعلى رأسهم التتر، وهم شعب معروف بشجاعته وغيرته الشديدة على كرامته. على الأغلب، لن يوافقوا على الانضمام إلى الجيش الروسي، وإرسالهم، بالتالي، للقتال في أراضي الشيشان، وغيرها من المناطق التي تشهد صراعات عسكرية مع روسيا. وصرّح مصطفى جيميلييف، الرئيس السابق لمجلس التتر والمدافع الشهير عن حقوق الإنسان في المرحلة الاشتراكية، بأن قرابة 20 ألف شخص غادروا القرم إلى أوكرانيا، ويتوقّع موجة هجرة كبيرة أخرى من الأقلية التترية في القرم، حال توجيه الدعوة إليهم للانضمام لقوات الجيش الروسي. وشهدت هذه الأقلية في أثناء حقبة ستالين عملية تهجير كبيرة مشابهة.


مبادرة لتأسيس جيش أوروبي مشترك

دعا جان كلود يونكر، رئيس اللجنة الأوروبية، لتأسيس جيش أوروبي قادر على مواجهة روسيا، وتقديم إشارة واضحة بأنّ الاتحاد الأوروبي سيدافع عن مبادئ الاتحاد الأوروبي وقيمه، حسب ما نشرته الصحيفة الأسبوعية الألمانية "Welt am Sonntag"، والتي ذكرت أنّ مجموعة خبراء خاصّة برئاسة خافيير سولانا، السكرتير العام السابق لحلف الناتو، تقدّمت بتقرير يضم توصيات لإيجاد آليات سياسية وعسكرية، للقيام بعمليات تدخّل مستقلة خارج حدود الاتحاد الأوروبي، وتأسيس مركز عسكري للاتحاد الأوروبي في بروكسل. ولن يتم استخدام الجيش الذي سيعمل الاتحاد على تشكيله على الفور، لكنّه سيساعد في بناء سياسة دفاعية عن الحدود الخارجية المشتركة للاتحاد، بعد أن أصيبت مكانة الاتحاد الأوروبي في سياسته الخارجية، إثر الأحداث الدراماتيكية ليس بعيداً عن حدوده. وأضاف يونكر إنّ مبادرته لا تفتّ في عضد الناتو ودوره بأيّ شكل، بل ستكون بمثابة عامل مساعد. وقد عارضت بريطانيا على الفور هذه التوجّهات، وأصرّت على أنّ شأن الدفاع يبقى وطنياً، وليس من صلاحيات الاتحاد الأوروبي، ولا توجد آفاق عملية لتغيير هذا الموقف. وأعرب المتحدث باسم الحكومة البريطانية عن عدم تفاؤله بتشكيل مثل هذا الجيش وظهوره.

وقدم الجيش النظامي الرسمي لجمهورية ألمانيا الاتحادية، "بونديسفيرغ"، مثالاً لإمكانية تشكيل قوات أوروبية موحّدة، وفقاً لما نشرته الصحيفة الأسبوعية، بخضوع فرقة عسكرية ألمانية من 600 مقاتل للقيادة العسكرية البولندية، وتبادل القيادة بين بولندا وألمانيا. وستقوم القوات المختلطة بأعمال التدريب العسكري في قواعد عسكرية موجودة على الحدود البولندية الألمانية في منتصف العام المقبل، 2016. ويقوم الجيش الألماني بمناورات شبيهة مع القوات الهولندية منذ 2014. ويدعم نوربرت روتغيرن، رئيس اللجنة البرلمانية الألمانية للسياسة الخارجية، مبادرة يونكر لتشكيل جيش أوروبي، وقد قال إنّ الدول الأوروبية تضخّ أموالاً كثيرة لتطوير جيوش وطنية، لكنّها، في نهاية المطاف، غير قادرة على مواجهة روسيا، حيث توجد في أوروبا جيوش صغيرة عديدة، تقوم بأدوار تقليدية مكرّرة، وتحتاج لتمويل كبير من دون تحقيق عملية الدفاع المرجوّة. وأكّد أنّ الجيش لم يعد رمزاً للدولة، ويجب تجاوز هذه المفارقات التاريخية للتوصّل إلى الأمان والاستقرار في المنظومة الأوروبية ومواجهة أطماع روسيا التوسّعية. وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، صرّحت من قبل، أنه "ليس مستبعداً في المستقبل تقديم جزء من السيادة الوطنية لبروكسل، في ما يتعلق بشأن الدفاع، لأنّ الاتحاد الأوروبي سيحتاج، في مرحلة مقبلة، جيشاً مستقلاً، الأمر الذي سيساعد في رفع مستوى الأمن الأوروبي، في ظلّ الأزمات الدولية، كما الأزمة الأوكرانية، لكن هذه التوجّهات ستتم تدريجياً".

وكان الحديث عن رفع موازنات وزارات الدفاع، إلى وقت قريب، خطاً أحمراً، لأنّ أوروبا كانت على قناعة بعدم وجود مخاوف من حروب واعتداءات على حدودها، وداخل أراضيها، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. لكن هذه الرؤية تغيّرت بعد إقدام روسيا على ضمّ القرم. واتفقت الدول الأعضاء، في اجتماع قمة الناتو في ويلز، على رفع موازنات وزارات الدفاع بنسبة 2% من قيمة الدخل القومي للدول الأعضاء، وهي قيمة كبيرة للغاية (تبلغ موازنة وزارة الدفاع الألمانية حالياً قرابة 30 مليار يورو، ما يعادل 1.3% من قيمة الدخل القومي). وتبدو هذه المقدّرات المالية الكبيرة غير مجدية، لعدم القدرة على استثمار هذه الأموال جيّداً ضمن الاستراتيجية الدفاعية للمنظومة الأوروبية لحلف الناتو. وتبلغ حصّة أميركا في التمويل العسكري للناتو قرابة 75% من ميزان الصرف العام وتسليح الحلف. أمّا نسبة المواطنين الألمان الرافضين لرفع موازنات وزارة الدفاع فتقدّر بحوالي 73%. وتصب هذه البيانات في صالح بناء جيش أوروبي موحّد، وفقاً لرؤية يونكر.


تخوّفات دول البلطيق من اعتداءات روسية

تخشى دول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا)، من التعرّض لاعتداء عسكري شبيه بما تعرّضت له أوكرانيا، قبل ما يزيد على العام. وتتركّز مداولات مجلس الأمن التابع للاتفيا حول إعادة الخدمة العسكرية لإيجاد بدائل حال محاولة روسيا الاعتداء على الدولة، على الرغم من عدم تهديد الكرملين، بشكل مباشر، دول البلطيق. وحال تمرير القرار، سيصبح ساري المفعول فوراً، مدّة خمس سنوات، ليشمل الرجال البالغين 19 ـ 26 عاماً. ومن المتوقع تجنيد قرابة 5000 رجل في الدفعة الأولى، ما يكفي للصمود 72 ساعة، حتى وصول قوات الناتو. ودعماً للتوجهات العسكرية الدفاعية للاتفيا، أرسلت الولايات المتحدة الأميركية فرقة قوامها 3000 مقاتل، للقيام بمناورات عسكرية في دول البلطيق، تشمل آليات ثقيلة ودبابات من طراز آدمز وغيرها. وستبقى المعدّات العسكرية في القواعد العسكرية في دول البلطيق، بعد الانتهاء من المناورات، لإثبات التوجّهات الجادّة للناتو والولايات المتّحدة، لمواجهة أيّ محاولات للاعتداء على دول البلطيق.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المادة رقم 5 من اتفاقية التأسيس لحلف الناتو، تشمل دول البلطيق الثلاث، تفيد بأن الاعتداء على عضو في الحلف يعتبر بمثابة الاعتداء على كامل أعضاء الحلف. وصرّح الكابتن مارتن هيرت، نائب مدير مركز الدفاع والأمن الدولي في أستونيا، لصحيفة كابيتال البلغارية: "إنّ تعرّض دول البلطيق الثلاث لاعتداءات شبيهة بما شهدته شبه جزيرة القرم، حيث أرسلت روسيا قواتها الخاصة، وهدّدت بقتل عائلات القادة السياسيين في القرم، ونشّطت المليشيات المحلية، سيعتبر بمثابة اعتداء مباشر ضدّ حلف الناتو، يتطلب الردّ السريع العاجل، إذا طلبت الدولة المنكوبة ذلك". ويدرك بوتين جيداً أنّه من الصعب تكرار سيناريو القرم مرّة أخرى، وخصوصاً في دول البلطيق، بعد أن أدرك "الناتو" إمكانية حدوث ذلك على أرض الواقع، من دون سابق إنذار. وتأمل الريغا وفيلنيوس وتالين في أن تتمكن تجهيزات الحلف واستعداده الواضح بمواجهة اعتداء روسي مفاجئ، بكبح جماح بوتين، وتقديم إشارة واضحة باستعداد دول البلطيق للمواجهة والتحدّي بدعم الناتو.


مناورات عسكرية في البحر الأسود

تشهد مياه البحر الأسود، هذه الأيام، مناورات واسعة وكبيرة تشارك فيها رومانيا وتركيا وبلغاريا، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة الأميركية وكندا وألمانيا وإيطاليا. وهي تجري ليس بعيداً عن جزيرة القرم التي أقدمت روسيا على ضمّها، وفقاً لوكالة "رويترز". وتجري قوات الناتو مناورات عسكرية واسعة في دول أوروبا الشرقية، بعد ارتفاع وتائر التدخّل العسكري الروسي في الأزمة الأوكرانية. وتشمل المناورات محاكاة لهجمات بقوارب صغيرة وفرقاطات. ويذكر أنّ القوات العسكرية الروسية قد بدأت قبل ذلك بمناورات عسكرية واسعة في جنوب روسيا، وفي المناطق المتنازع عليها على الحدود الروسية، بما في ذلك إقليم شبه جزيرة القرم. وتشهد العلاقات الروسية الغربية توتراً غير مسبوق، منذ حقبة الحرب الباردة، ويتهم الغرب وأوكرانيا موسكو بإدارة النزاع المسلّح وتوجيهه، وزجّ القوات الروسية في الهجمات العسكرية في شرق أوكرانيا، مستخدمة آليات وتجهيزات وأسلحة متطورة للغاية.

59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح