أوسكار 88: أعيدوا المشهد

01 مارس 2016
(أليخاندرو إيناريتو أثناء تسلّمه جائزته، تصوير: كريتستوفر بولك)
+ الخط -

صحيح أن اتهام حفل توزيع جوائز الأوسكار بالعنصرية والتحيز، هي ادعاءات قديمة تتجدد كل سنة، لكنها كانت بمثابة كرة الثلج التي تكبر مع مرور الوقت وبلغت أكبر حجم لها هذه السنة. مما جعل عنوان مقاطعة الحفل يطغى على نتائج الأوسكار نفسها. الجدل اتخذ هذا المسار الشائك، بعدما اتضح أن لائحة المتنافسين العشرين على جوائز الأوسكار لهذه السنة كلهم من البيض.

حملة المقاطعة انطلقت مع إعلان المخرج سبايك لي وزوجته مقاطعة الحفل، ثم تعزّزت بالحملة التي دشنها الممثل ويل سميث وزوجته، وتعالت بعد ذلك الأصوات المنددة باختيارات لجنة الأوسكار وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #OscarsSoWhite أوسكار البِيض.

العبارة الأخيرة كانت أول ما تلفظ به نيل باتريك هاريس مقدم حفل النسخة الأخيرة، ورغم أنه وظفها في إطار كوميدي، لكن ذلك يعكس حجم الضغط الذي مارسته حملة المقاطعة على أكاديمية الفنون، الأمر الذي دفعها إلى الإعلان عن عزمها مراجعة معايير الانتقاء وإعادة النظر في حضور "الأجانب"، الآسويين وذوي البشرة السوداء... ليس فقط في الترشيحات بل أيضا في لجان التحكيم، التغييرات ستلحق أيضا حضور المرأة في الجوائز. وعلى هوليود أيضا أن تعالج مسألة عدم المساواة بين أجور الرجال والنساء، وهي قضية ستتخذ نفس المسار مستقبلاً.

جوائز هذه السنة كانت في مجملها متوقعة، خصوصا الجوائز الكبرى؛ أفضل فيلم، وأفضل ممثل، وأفضل مخرج. فاز المخرج المكسيكي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه "العائد"، معيدا إلى الأذهان سيناريو فوزه بذات الجائزة العام الماضي عن فيلم "الرجل الطير" وهو إنجاز عظيم، بالنظر إلى الجهد الفني الذي بذله في الفيلمين معا، وقدرته على تحقيق نجاح كبير في قصتين تختلفان عن بعضهما بشكل جذري.

فيلم "سبوتلايت" فاز بجائزة أفضل فيلم، وحرم ايناريتو من تكرار إنجاز السنة الماضية حيث فاز بثلاث جوائز كبرى.

إيناريتو وديكابريو في كواليس "العائد"


وفي صنف التمثيل، فقد مكّن فيلم العائد الممثل الأميركي ليوناردو ديكابريو من الفوز بأول جائزة أوسكار لأفضل ممثل في مسيرته بعد خمسة ترشيحات سابقة آخرها دوره في فيلم "ذئب وول ستريت" التي خسرها لصالح ماتيو ماكنوهي، لكنه تمكن من ذلك أخيراً وسط دعم إعلامي وتعاطف جماهيري كبيرين.

فوز ديكابريو هذه السنة، بغض النظر عن أدائه في الفيلم وحسن إدارة ايناريتو له، استفاد أساساً من عدم وجود أفلام قوية منافسة في صنف التمثيل، والفيلم الوحيد المنافسة بحسب معايير النقاد هو فيلم "سبوتلايت"، لكنه ينتمي إلى أفلام البطولة المشتركة. وفازت الممثلة بري لارسون بجائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي، عن أدائها في فيلم "غرفة"، الذي بدا صغيرا وأنهى العام منافساً لأضخم إنتاجات الاستوديوهات الكبرى.

وعادت جائزة أفضل ممثل للممثل الانجليزي مارك رايلانس عن دوره في فيلم "جسر الجواسيس". ولم يكن ليعتبر فوز الممثل توم هاردي بها مفاجئاً قياساً إلى أدائه في فيلم "العائد". وفي فئة أفضل دور نسائي فازت الممثلة السويدية أليسيا فيكاندير بجائزة أفضل ممثلة بدور مساعد، عن دورها في فيلم "الفتاة الدنماركية". وسط منافسة كبيرة من الممثلة روني مارا عن دورها الجميل في فيلم "كارول".

جزء كبير من غضب المقاطعين لحفل الأوسكار كان عن نسبة الترشيحات غير العادلة لصالح البيض في صنف التمثيل. ففي تقرير مفصل نشرته صحيفة هفنغتون بوست، جاء فيه أن التحيّز سمة طبعت مسار الجائزة منذ 88 عاماً. وبحسب التقرير فحضور السود في تاريخ الجائزة منذ سنة 1929 لم يتعد نسبة 6.4 بالمائة، ونسبة الأعضاء في لجان التحكيم 2 في المائة فقط.

لقطة من "غرفة"


وفي صنف التمثيل (أفضل ممثلة في دور رئيسي) رشحت 10 نساء سوداوات في تاريخ الجائزة، وفازت بها ممثلة سوداء واحد هي هالي بيري عن دورها في فيلم "منسترز بول". وترشحت لها ثلاث نساء لاتينيات، ولم تفز أي منهن. وبالنسبة للرجال فالممثل البريطاني من أصول هندية بن كينغسلي هو الآسيوي الوحيد الذي جرى ترشيحه لجائزة أفضل ممثل، عن فيلميه "غاندي"1982، و"بيت الرمل والضباب"2003. واستطاع فقط الممثل خوسي فيريرا الفوز بهذه الجائزة في سنة 1950.

رغم أهمية الإحصاءات التي جاءت في هذا التقرير، فالعنصرية أو التحيّز أو الإقصاء، لا ينظر له فقط من باب نِسب التمثيل، لكن أيضا من باب إسناد الأدوار في الأفلام التي تقدم قصصا عن شعوب محلية أو ثقافات أجنبية، إذ كيف يعقل أن تسند أدوار لممثل أبيض في دور عن قصة مشرقية أو فارسية أو حتى لاتينية دون محاولة إيجاد ممثل من هذا العرق أو هذه الثقافة؟ معيار النجومية هنا يحرم ممثلين أجانب أو غير غربيين من الظهور في أفلام ضخمة والمنافسة بالتالي على جوائز كبرى.

إقصاء الأجانب وحضورهم المشوه في هوليود مسألة قديمة، وهو ما دفع الممثل مارلون براندو إلى رفض جائزة الأوسكار عن دوره في فيلم "العرّاب" وأرسل خطاباً طويلاً يوضح فيه موقفه من تعامل هوليود مع السكّان الأصليين لأميركا. وأثناء تسلمها لجائزة الأوسكار هاجمت الممثلة البريطانية فانيسا ريدغريف إسرائيل من منصة الحفل سنة 1978. وطول سنوات كانت مناسبة استلام جائزة الأوسكار فرصة للتعبير عن مجموعة من المواقف السياسية الأخرى.

وتاريخيا فالجدل كان أيضا بسبب التعاطي مع قضايا الآخر داخل أروقة هوليود من خلال احتفائها بأفلام نمطية بعيداً عن الفن، خصوصا فوز الأفلام التي تدعم سياسة أميركا الخارجية وحروبها. وهنا يمكن التذكير بفوز فيلم "خزانة الألم" بجائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج سنة 2010. وفيلم "أرغو" سنة 2014.

الجائزة التي لم يختلف عليها أحد هي جائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية التي ذهبت للفيلم المجري "ابن شاؤول" لمخرجه لازلو نيماس، الفيلم جاء إلى الأوسكار بتوقعات كبيرة وإشادات واسعة منذ عرضه في مهرجان كان الماضي.

وهيمن فيلم ماد ماكس على صنف الجوائز التقنية فقد فاز بست جوائز (أفضل مونتاج، أفضل تصميم أزياء، أفضل مكياج، أفضل تصميم إنتاج، أفضل مزج أصوات، وأفضل مونتاج صوتي).

وفاز الموسيقار إنيو موريكوني بجائزة أفضل موسيقية عن موسيقاه في فيلم "الحاقدون الثمانية" لكوانتين تارانتينو. وفي صنف الفيلم الوثائقي الطويل فاز بالجائزة فيلم "آمي"، بينما فاز فيلم "فتاة في نهر" بجائزة الوثائقي القصير. وفاز فيلم "إنسايد أوت" بجائزة أفضل فيلم رسوم متحركة.

مهما كانت جدية التغيرات التي سنشاهدها في نسخ جائزة الأوسكار المقبلة، فلن تستطيع خلق توازن فني يرضي المعارضين لمعاييرها، ما لم تغيّر كبريات شركات الإنتاج من استراتيجيتها، لأنها هي المتحكم الوحيد في صناعة السينما.

لقطة من "سبوتلايت"



بقعة ضوء
بينما آلت التوقّعات بأن يحصل "العائد" على جائزة أفضل فيلم، ذهبت الجائزة إلى "سبوتلايت" (بقعة ضوء) من إخراج وكتابة توماس مكارثي. عملٌ أثار قضية جريئة، قلّما تلتفت إليها السينما؛ فرغم حضور صحافة التحقيق ضمن قصص هوليود، لم يثر أحد، سينمائياً، قضايا التحرش والاغتصاب التي يرتكبها كهنة. في ظل الاختيارات التقليدية لنقاد الأكاديمية، كان هناك تخوّف من عدم تتويج الفيلم، الذي حاز جائزة أفضل نص أصلي أيضاً.

دلالات
المساهمون