ربما تكون الجماهير، التي خرجت في التظاهرات الحاشدة في مصر وتونس وليبيا وقدمت التضحيات في سبيل التحول الديمقراطي بعد اسقاط الانظمة الدكتاتورية، لا تزال غاضبة لأنها لم تسترد الاموال التي سرقها الطغاة وأخفوها في مصارف "الافشور" ومصارف سويسرا.
العوائق التي تقف ضد استراداد هذه الاموال ليست البنوك وحدها، ولكنّ وراءها جيشاً من أعرق مكاتب المحاماة وشركات تدقيق الحسابات والقوانين المالية في الدول الغربية.
في دول الاتحاد الاوروبي على الاقل، فان التحالف الثلاثي، بين البنوك وعصابات الجريمة والفساد السياسي ورجال القانون، ربما يضرب خلال الفترة المقبلة، حين أجاز البرلمان الاوروبي أخيراً تشريعاً رئيسياً بشأن أموال الفساد والجريمة.
هذا التشريع سيجعل من السهل على حكومات الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية استرجاع الاموال المسروقة.
فالقانون يتيح لدول الاتحاد الاوروبي تجميد ومصادرة موجودات وأموال الجريمة ، كما يعطي القضاة الحق في تجميد ومصادرة الاموال، حتى في حال كون إدانة المتهم غير ممكنة في المحكمة بسبب هروبه أو مرضه.
ويستخدم الساسة المفسدون عادة، في العالم الثالث، المرضَ كعذر لتعطيل جلسات المحاكم وصدور أحكام ضدهم.
وكانت القوانين البريطانية تمنع ملاحقة اموال الفساد، إلا بعد ادانة السياسي المتهم في بلاده. ومثل هذا الاجراء لا يتأتى دائماً.
يذكر أن تقرير منظمة الشفافية الدولية، الذي صدر أخيراً، حول الأموال التي نهبها ساسة ومسؤولون من دول العالم النامي يشير إلى أن النظام المالي الغربي يحمي بشكل غير مباشر هؤلاء الساسة المفسدين ويمنع استعادة هذه الأموال إلى شعوب دول العالم الثالث.
وقال التقرير، الذي حصل" العربي الجديد" على نسخة منه، "إن تطلعات الجماهير العربية في استعادة مليارات الدولارات المنهوبة لاستخدامها في إعادة بناء حياة المواطنين، تقابلها بيروقراطية وصعوبات قانونية في المراكز المالية التي هربت إليها الاموال".
وحسب التقرير "لم تستعد تونس من الأموال التي نهبها زين العابدين بن علي وعائلته وشركاؤه سوى 28.8 مليون دولار أرجعتها لبنان، ويخت تقدر قيمته بـ10.3 مليون دولار استرجعته من إسبانيا"، فيما استعادت الحكومة الليبية الجديدة فقط عقارا واحدا كان يملكه ابن العقيد القذافي في شمال لندن تقدر قيمته بحوالى 16.1 مليون دولار.
ولا تزال السلطات الليبية الجديدة تطارد البنوك وترفع القضايا في لندن ونيويورك لاستعادة جزء من أموال الشعب الليبي.
وتجد الحكومات الجديدة، في كل من ليبيا وتونس، صعوبة بالغة في تتبع هذه الأموال واستعادتها إلى موطنها الأصلي لاستخدامها في إعادة البناء.
وفي الصدد ذاته، كشفت دراسة أجراها البنك الدولي حجم الفساد في عهد الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وكيف أنه كان يصدر القرارات المالية ويعدل القانون ليتناسب مع الشركات والأعمال التجارية التي تربطه مصالح تجارية بها.
وقال التقرير إن 220 شركة تونسية تملك نحو 21% من القطاع الخاص في تونس، يملكها أقرباء للرئيس المخلوع بن علي.
الى ذلك، قالت مؤسسة "فريدم هاوس"، وهي منظمة غير حكومية، يوجد مقرها في واشنطن وتعمل على مساعدة الديمقراطيات الناشئة، ان القانون الجديد، الذي أقره البرلمان الاوروبي بشأن ملاحقة اموال الجريمة والفساد، سيساعد دول الربيع العربي على استعادة اموالها المسروقة في الدول الاوروبية.
وحتى الآن لم تستعد هذه الدول سوى مبالغ ضئيلة من عشرات المليارات المنهوبة، وتقبع في حسابات سرية في مراكز المال ومراكز الاوفشور العالمية.
وحسب التقرير الصادر لعام 2013 عن مؤشر"فايننشيال سيكرسي اندكس" فان الثروات الخاصة المودعة في مراكز"أوفشور"، ولا تخضع لضرائب أو تـُجبى منها ضرائب ضئيلة تتراوح بين 21 الى 23 مليار دولار.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته أخيراً " فايننشيال سيكرسي اندكس"، فان الاموال غير الشرعية التي تتكون من أموال الجريمة والمخدرات والعصابات والساسة الفاسدين، التي تتحرك بين الدول سنوياً، تقدر بحوالى 1.5 تريليون دولار.
وتنتهي معظم هذه الاموال الى حسابات سرية في مراكز مالية معينة.
ويشير التقرير الى أن على رأس هذه المراكز سويسرا ولكسمبورج وهونج كونج وجزر الكيمان وسنغافورة.
وقال التقرير إن هذه المراكز تتمتع بحماية قانونية عالية تجعل من الصعوبة التعقب وتتبع الاموال، وبالتالي تستفيد عصابات الجريمة المنظمة والساسة الفاسدين وبطانتهم من هذه القوانين في تحويل أموال المخدرات أو الرشى والعمولات وإخفائها بعيداًعن أعين الرقيب.
وفي جزر الكيمان مثلاً، فإن مجرد السؤال عن معلومة مالية في المصارف، حول حجم الحسابات أو الودائع، يعد خرقاً لـ" السرية المصرفية" يعاقب عليه القانون.