أوباما يُسلّح مَن يقاتلهم في العراق... ورسالة لمستشار مرسي

29 يونيو 2014
حين يرحل أوباما سيترك وراءه منطقة مضطربة(شاول لوب/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لا تزال الازمة العراقية تلقي بظلالها على تحليلات الصحف، فيما يبدو أنها أصعب ممّا يتصور الجميع، فالصحف العالمية تولّت تحليل الحلول المطروحة بالنقد والتحليل. فكتب روبرت فيسك، في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية تحت عنوان: "المتمردون المعتدلون في سورية ليسوا معتدلين في العراق"، سخر فيسك من سذاجة منطق الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي أعلن أن الولايات المتحدة ستقوم بتزويد وتدريب المتمردين المعتدلين في سورية بالأسلحة. وقد تم تخصيص 500 مليون دولار من أجل ذلك، وفي الوقت نفسه، قام أوباما بإرسال 300 من القوات الخاصة الأميركية إلى العراق لمساعدة قوات رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، في محاربة المسلحين الذين معظمهم متحالفين مع المتمردين في سورية الذين يرغب أوباما أن يقوم المالكي بدحرهم. هذا الارتباك الذي لا يخفى على أحد، يجعل الجميع يتساءل عن ماهيّة المتمردين المعتدلين الذين يريد أوباما أن يقوم بتدريبهم وتسليحهم، لأن في الحقيقة أن المتمردين المعتدلين هم ما كان يسمّى بالجيش السوري الحر والذي كانت تدعمه الولايات المتحدة والاستخبارات البريطانية والسعودية والقطرية والتركية، وقد يتألف بالأساس من العناصر المنشقة عن جيش الأسد، ولكن عندما اكتشف السناتور، جون ماكين، أن أحد أعضائه ينتمي إلى تنظيم "القاعدة"، قام بحل هذا الجيش، فانضمّت هذه العناصر إلى الإسلاميين الملتحين في "جبهة النصرة" أو تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، أو انضمّ مرة أخرى إلى جيش الأسد.


ومع ذلك، سيقوم أوباما بتسليحهم وهم بدورهم سيقومون ببيع هذه الأسلحة، لأنها تعدّ مصدر دخل هام لهم، وهذا ليس له صلة بولائهم، "وهو الامر الذي أعرفه بحكم عملي الطويل"، فعندما يتم تزويد أي ميليشيا بأسلحة، فإنها تقوم ببيعها، وهو الامر الذي اعترف به وزير الدفاع البريطاني، فيليب هاموند، أثناء مقابلة تلفزيونية، وأنه في الحقيقة لا يوجد سبيل للتأكد من أن الأسلحة يتم استخدامها بشكل صحيح ومن قبل الاشخاص المعنيين بها فقط.

يضيف الكاتب أن الحقيقة في الصراع السوري الحالي هي أنه لا يوجد ما يسمّى بالمعارضين المعتدلين. فالمسلحون يحاربون حتى الموت، وما يزيد الأمور تعقيداً أن المالكي شكر القوات السورية على شنها غارات جوية على معاقل المسلحين على طول الحدود السورية ـ العراقية كما لو كانت العراق وسورية دولتان صديقتان. الأفضل هو مواجهة الواقع كما هو، فما تبقّى من الجيش السوري الحر يحارب المسلحين وكذلك تفعل الفصائل الكردية في شمال شرق سورية، وهم مَن يعقد أوباما آماله عليهم، أي مجرد ميليشيات قروية، لأن خطته هذه ستؤدي إلى استمرار المالكي والأسد في السلطة، ولو بشكل غير مباشر.

يؤكد فيسك أن أوباما لا يعرف أن المعركة ضد سورية والعراق هي نفسها ضد "السنّة" المتشددين، وذلك لأن جيش الأسد يستخدم الطائرات الروسية في هجماته على المسلحين الذين هم عدو المالكي نفسه، الذي أيضاً يستخدم طائرات روسية. وبعبارة أخرى، فإن الأسد ليس فقط لديه الدعم العام من موسكو، بل إن الأسد يحظى بدعم خاص من واشنطن (وإسرائيل بالطبع)، وهو السبب الذي دعا البيت الأبيض إلى أن يصرح بأن الأموال التي خصصتها الولايات المتحدة للمعارضين السوريين المعتدلين "ستساعد في مواجهة التهديدات الإرهابية".

اما صحيفة "الغارديان" البريطانية، فنشرت عدداً من المقالات التحليلية حول الازمة العراقية. فكتبت افتتاحيتها حول رأي الصحيفة في سياسية أوباما بعد تفجر الازمة العراقية. وأوضحت أن الرئيس الأميركي يتعرّض لسيلٍ جارف من الانتقادات بسبب الفوضى الدموية التي يعيشها الشرق الأوسط هذه الأيام، ولكنه ليس من الإنصاف أن يتحمّل أوباما وحده خطأ وضعف الادارة الأميركية الذي يرجع تاريخه إلى عهود سابقة. المؤكد أنه عندما يرحل أوباما عن البيت الأبيض، فإنه سيخلّف وراءه عالماً يعج بالاضطرابات التي لا تقل عن الاضطرابات التي ورثها هو من سلفه، وسيترك بلداً يعج بالاستقطاب السياسي، ولا يجد سبيلاً للتخلّص من ذلك.

وإن دور أوباما في خلق هذه الفوضى لم يكن كبيراً كما يتصوّر البعض. الأمر الأكيد أن صورة أوباما تبدو سيئة للغاية، فقد أظهر آخر استطلاع للرأي أن نسبة 58 في المئة من الأميركيين، بما في ذلك العديد من الديمقراطيين، لا يوافقون على سياسته الخارجية في العراق، وإنهم كانوا يعتقدون أنه قد قام بحل المشكلات التي وعد أنه سيحلها عندما تولى الرئاسة، وتبيّن أنه لم يحلّ شيئاً. فالمعروف أن الرأي العام الأميركي ضد التدخلات العسكرية، ورغم ذلك ظل أوباما يفاخر بتدريب مقاتلي المعارضة في سورية والتعاون مع قوات مكافحة الإرهاب في أفغانستان والبعثات العسكرية الاستشارية في أفريقيا، والتي اتضح بعد ذلك أنها كلفت الخزانة الاميركية مبالغ طائلة من دون جدوى. لذا يبدو الوضع الحالي في العراق نتيجة طبيعية لتجاهل أوباما ومستشاريه لازدياد قوة المسلحين خلال الفترة الماضية.

وتضيف "الغارديان" أنه ربما استعجل أوباما في سحب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان من أجل أن يطمئن الناخب الأميركي، ولكن الأميركيين الآن يتساءلون: هل كان التدخل الأميركي صحيحاً في هذه البلاد منذ البداية أم لا؟

الحقيقة أن النفوذ الأميركي بدا في الانهيار في جميع أنحاء العالم منذ أواخر السبعينات بعد الهزيمة في فيتنام في عام 1975 والثورة الإيرانية عام 1979. وعلى أوباما، الآن، أن يتبنى سياسات تفيد بأن الولايات المتحدة سوف تساعد الآخرين على القتال بدلاً من القيام بالقتال بنفسها، والا سيدينه التاريخ لأنه لم يأخذ القرار الصحيح.

أما المقال الثاني، فكتبه زيد العلي، بعنوان: "أوباما لا يستطيع رأب الصدع في العراق، بينما المقاتلون القبليون يستطيعون"، أوضح فيه أن الولايات المتحدة لا يمكنها عمل الكثير في ظل الوضع الراهن، فانهزام الجيش العراقي أمام المسلحين كان بمثابة إعلان بتقسيم العراق، وأن الجيش ما هو إلا مؤسسة فاسدة ومترهّلة وينقصها التدريب والإخلاص. لقد انتشر المسلحون في جميع أرجاء البلاد بشكل سرطاني ولم يستطع الجيش استعادة أي مناطق تذكر من التي استولى عليها المسلحون، ومن الواضح أن كل هَمّ الولايات المتحدة هو حماية بغداد، وأصبح شبح المجازر التي يرتكبها المسلحون يحوم في كل مكان.

 ويشير العلي إلى أن القوة الوحيدة على الأرض حالياً والتي تستطيع صد هجوم المسلحين هم المقاتلون القبليون المتمركزون حول الموصل، فهم يريدون حماية مناطق نفوذهم من المسلحين، ولكن من الصعب إقناعهم بالقتال إلى جانب القوات الحكومية، لأن الحكومة في بغداد خانتهم أثناء صحوة عام 2007 وعام 2008 على التوالي، وعلى مَن يخلف المالكي، أن يحاول استعادة ثقتهم.

 أما المقال الثالث في "الغارديان"، فكان عن مدى رغبة الإيرانيين في اللجوء إلى التدخل العسكري في العراق، والذي أوضح أن الإيرانيين على اختلاف توجهاتهم يرون أن التدخل العسكري الإيراني في العراق أمر لا مفرّ منه. وقد بدأ العديد من المواقع الالكترونية الدعاية للحرب المقدسة، فالعراق يحتوي على أهم المزارات الدينية للشيعة. والإيرانيون معظمهم من "الشيعة"، وهم يرون هجوم المسلحين على المزارات المقدسة بمثابة هجوم على عقيدتهم.

من ناحية أخرى، دعا مرشد الثورة الإيرانية، علي الخامنئي، الولايات المتحدة إلى عدم اللجوء للتدخل العسكري في العراق، وإن قادة العراق ورجال الدين فيه قادرون على تسوية الأمور. واتهم واشنطن بمحاولة تصوير الوضع في العراق على أنه حرب طائفية. إن الحرب الدائرة في العراق، تذكّر الإيرانيين بحرب الثماني سنوات التي خاضتها إيران ضد العراق تحت قيادة صدام حسين، وقد قتل الآلاف من الإيرانيين في هذه الحرب. 

استغاثة خالد القزاز وزوجته

وفي موضوع مختلف، يبدو أن مصر تعيش واحدة من أزهى عصور العبث، فقد قامت "الغارديان" بنشر رسالة من سارة عطية، زوجة خالد القزاز، مستشار الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والتي ناشدت فيها النائب العام المصري الأفراج عن زوجها الذي تم اعتقاله منذ عام مضى من دون توجيه أي تهمة له.


وقالت عطية إن زوجها لم يقم بارتكاب أي جرم ليُسجن في زنزانة صغيرة مليئة بالحشرات وفي درجة حرارة لا تطاق والعالم كله يراقب مصر، ويعرف أن النظام القضائي هو مجرد دمية في يد نظام قمعي يتجاهل بشكل صارخ حقوق الإنسان. إن حالة خالد الصحية تتدهور بشدة بسبب الأحوال السيئة للسجن، وإنْ حدث له شيء، فالحكومة المصرية ستكون هي المسؤولة.

اما صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فنشرت رسالة من خالد القزاز نفسه، تم تسريبها من محبسه في سجن "طره" وعنوانها: "لماذا العالم صامت؟"، أوضح فيها القزاز أنه أمضى عاماً في السجن من دون أن توجه إليه أيّ تهمة أو يعيره المجتمع أي اهتمام. وأكد أنه انضم إلى فريق عمل مرسي، وقابل معظم قادة العالم، حيث عمل على الارتقاء بسجل مصر في مجال حقوق الانسان، ورغم كل هذا، لم تبذل أي جهة أي مجهود للأفراج عنه، وكأنه وزملاؤه غير موجودين. وعندما أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بياناً، في ديسمبر/ كانون الأول، بأنه هو وزملاؤه جرى إخفاؤهم قسراً، قامت الحكومة المصرية بتوجيه تهم لاثنين من زملائه بشكل انتقامي، وجرى نقلهم إلى سجن شديد الحراسة.

ويضيف القزاز، موضحاً، أن الحقيقة هي أنه تجري معاقبتهم لأنهم يمثلون جيلاً استطاع أن يتواصل مع العالم ويتفهّم مختلف الثقافات والمجتمع العالمي الجديد، وأن يقاوم الأنظمة الديكتاتورية، ولديه نظرة مختلفة للعالم من حوله، ومستعدّ لعمل مختلف الشراكات وتقبّل الآخر.