أوباما يفتتح "بازار" الحرب على "داعش" في سورية

30 اغسطس 2014
مقاتلون من المعارضة السورية في حلب (الأناضول/GETTY)
+ الخط -

أثار كلام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ليل الخميس، الذي كشف فيه عن أنّ الولايات المتحدة لم تضع بعد استراتيجية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية، العديد من الأسئلة إزاء رؤية البيت الأبيض للأزمة السورية، وخصوصاً أن هذه الأزمة تزداد تعقيداً بالنظر إلى تداخل وتشابك أهداف وأجندات وارتباطات فاعليها الرئيسيين، ممثلين بالنظام والمعارضة المسلحة وتنظيم "الدولة الإسلامية". طلب أوباما من وزير خارجيته، جون كيري، التوجه إلى المنطقة من أجل العمل على بناء تحالف إقليمي ودولي ضد "التنظيم"، مشيراً إلى أن وزير الدفاع، تشاك هاغل، ورئيس هيئة الأركان، مارتن دمبسي، يعملان على "وضع الخطط وخيارات التدخل في سورية"، مما يؤكد أن بدء عمل عسكري ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" سيحتاج مزيداً من الوقت، وذلك على الرغم من المكاسب الهائلة التي يحققها في سورية، والمجازر المهولة التي يرتكبها هناك.

وخلافاً للعراق، حيث أتاح دعم الدول الغربية والعربية للعملية السياسية تدخلاً أميركياً وبتنسيق كبير مع بغداد وأربيل، وخصوصاً بعد تكليف حيدر العبادي بتشكيل حكومة جديدة، لا يبدو أن ثمة توافقاً غربياً أو إقليمياً أو سورياً حتى الآن على أسس الحل السياسي في سورية، وهو ما قد يعيق تدخلاً حاسماً ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" يضع حداً لتمددها في العديد من مناطق البلاد، وهو ما يبرر على ما يبدو سعي الرئيس الأميركي إلى العمل على تشكيل تحالف إقليمي ودولي لدحره.

على الصعيد العسكري، ليس ثمة مجال للشك في أن أي تدخل عسكري يقتصر على ضربات جوية في سورية، لن يؤدي إلى تحقيق الهدف المطلوب، وربما ينتج عنه في أحسن الأحوال وقف تمدد التنظيم، وبالتالي فالحاجة ماسة إلى تنسيق تحرك عسكري على الأرض لم يتضح شكله بعد.

وفي السياق نفسه، تسربت بعض الأنباء عن عقد مسؤولين أميركيين سلسة اجتماعات مع قادة بعض العشائر السورية في إقليم كردستان لمعرفة نقاط قوة وضعف التنظيم، وإمكانية تعاون تلك العشائر في مواجهته، وهو ما ألمح إليه أوباما بقوله إن استراتيجيته ستتضمن دعم المعارضين السنة المعتدلين في سورية. ويتوقع أن تتجه الأنظار في الأيام القليلة المقبلة إلى جولة وزير الخارجية الأميركي، التي يتوقع أن تشمل بعض الدول الخليجية ودول الجوار السوري، بهدف تشكيل تحالف للقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية". لكن السؤال الأساسي هنا يكمن حول مشاركة تلك الدول عسكرياً ضمن هذا التحالف وعلى الأخص تركيا والأردن، بالنظر إلى المخاطر، التي قد تترتب على هذه المشاركة من احتمال نقل الحرب إلى البلدين.

لكن، وربما الأهم من ذلك، هو نتائج جولة كيري سياسياً، إذ يتوقع أن تجهد الإدارة الأميركية للوصول إلى تصورات لحل الأزمة السورية كمدخل لا بد منه لنجاح أي جهد عسكري للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما لا يبدو أن ثمة توافقاً بشأنه حتى اليوم.

أشار الرئيس الأميركي إلى انه ليس على واشنطن أن تختار بين التنظيم وبين الرئيس السوري، بشار الأسد، وهو كلام حمّالُ أوجهٍ، ويترك الباب موارباً لإمكانية التعاون مع الأسد ضد التنظيم، إذ كان بمقدوره إطلاق تصريحات أوضح وأقوى وأكثر حزماً ضد النظام السوري لو أراد، مثلما فعل نظيره الفرنسي، فرانسوا هولاند، في اليوم نفسه، عندما أكد أن "الأسد ليس شريكاً في الحرب ضد الإرهاب"، ووصفه بأنه "حليف للإرهابيين".

وعكست تصريحات هولاند استياءً فرنسياً من طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع ملف الأزمة السورية، خصوصاً حين أشار إلى أن التدخل في سورية كان يتوجب أن يتم منذ عام على الأقل، في إشارة إلى الحشود الأميركية في المتوسط عقب تعرض الغوطة الشرقية لقصف بأسلحة كيماوية أدت إلى مقتل المئات في 21 أغسطس/آب 2013.

ورغم الحلف العربي، الذي لا يزال يبدو متماسكاً إزاء الموقف من نظام الأسد، إلا أن التشققات بدأت في الظهور أخيراً على أكثر من صعيد إزاء كيفية التعاطي مع الأزمة السورية، التي باتت تشكل تهديداً كبيراً على كافة دول المنطقة من بوابة "الإرهاب". ربما كان أبرزها تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بشأن وقوف مصر على مسافة واحدة من النظام والمعارضة بتأكيده عدم دعم أي من الطرفين، وكذلك خلو البيان، الذي صدر عقب اجتماع وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات في جدة، بشأن سورية، من أية إشارة إلى الموقف من النظام السوري، والاكتفاء بالتحذير من مخاطر "نمو الفكر الإرهابي المتطرف، والاضطرابات، التي تشهدها بعض الدول العربية، وانعكاساتها الخطيرة على دول المنطقة، وتهديدها للأمن والسلم الدوليين".

تدرك المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني، كما يدرك النظام بدوره أيضاً، أن "بازاراً" قد فتح بشأن الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية، مما استدعى من الطرفين عرضاً للتعاون لم يتم الرد عليه رسمياً من البيت الأبيض بعد.

وفي انتظار تشكيل الحلف، الذي دعا إليه الرئيس الأميركي، يعزز تنظيم "الدولة" مكاسبه في سورية، ويستعد لحرب يدرك قادته أنها باتت محتمة، لكنها كما أكد أوباما بنفسه، ستكون طويلة الأمد، وقد تمتد لسنوات يتوقع ان تتغير خلالها تحالفات "البازار" بالنظر إلى تغير حسابات تجّاره ممثلين في الأطراف المعنية بالأزمة داخلياً وخارجياً.

وفي انتظار ذلك وخلاله، يبدو أن الرئيس أوباما ليس على عجلة من أمره على الإطلاق، وسيبقى وحده الشعب السوري يدفع فاتورة الدم.