أوباما يسعى لتبديد المخاوف من الاتفاق النووي

04 ابريل 2015
أوباما يواجه معارضة من حلفاء أقوياء والجمهوريين (فرانس برس)
+ الخط -

سعى الرئيس الأميركي باراك أوباما وكبار مساعديه، عقب الإعلان عن اتفاق لوزان بشأن المشروع النووي الإيراني بين المفاوضين الغربيين والإيرانيين، إلى توجيه ما يشبه المرافعات، في محاولة لتبديد مخاوف ثلاثة أطراف قوية تستطيع إجهاض الاتفاق النهائي حول النووي، قبل توقيعه في يوليو/تموز المقبل.

وتشير اتصالات أوباما عقب إعلان اتفاق لوزان، والتصريحات الصادرة من البيت الأبيض والخارجية الأميركية، وتعليقات المحللين السياسيين الأميركيين، إلى أن الرئيس الأميركي يضع في حساباته أهمية الموقف الذي تتبناه على انفراد ثلاثة أطراف قوية قادرة على إحباط ما يعتبره أوباما إنجازاً تاريخياً له، وهي: الخليج، وإسرائيل، والكونغرس الأميركي.

وبمقتضى الاتفاق الإطاري، ستتوقف إيران عن تشغيل أكثر من ثلثي أجهزتها للطرد المركزي الجاهزة للتشغيل، والتي بمقدورها إنتاج يورانيوم يمكن استخدامه لصنع قنبلة، وتفكيك مفاعل قد يُنتج البلوتونيوم، وقبول إجراءات شاملة للتحقق من تنفيذ الاتفاق. ويتضمن الاتفاق الإطاري قيوداً على تخصيب إيران لليورانيوم لمدة عشر سنوات فقط.

وعلى الرغم من ذلك، يعتبر أوباما الاتفاق مع إيران تاريخياً وشبيهاً باتفاقات الحد من الأسلحة النووية التي عقدها رؤساء أميركيون سابقون مع الاتحاد السوفييتي؛ والتي جعلت "العالم أكثر أماناً" أثناء الحرب الباردة. لكنه حذر أيضاً من أن "النجاح ليس مضموناً".

ونقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين وخبراء قريبين من المفاوضات، وصفهم الاتفاق الإطاري بأنه هش، وقد ينهار من الآن وحتى الثلاثين من يونيو/حزيران المقبل، معربين عن اعتقادهم بأن التوصّل إلى اتفاق نهائي سيكون أصعب كثيراً مما حدث مع الاتفاق الإطاري.

وطبقاً لما اتضح من خطابات أوباما وأحاديثه الصحافية وتصريحات كبار مساعديه، إضافة إلى تعليقات المراقبين المستقلين والمعارضين الأميركيين للاتفاق على حد سواء، يمكن تلخيص مزايا الاتفاق وعيوبه من زاوية أميركية في عدة نقاط، أولها أن أوباما يرى أن الاتفاق كفيل بمنع إيران إنتاج أسلحة نووية خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما سيجعل الولايات المتحدة وحلفاءها أكثر أمناً واطمئناناً، إذا ما التزمت إيران بتطبيق الاتفاق. ومن هنا يمكن اعتبار أن الجملة الأخيرة تحمل استدراكاً خطيراً يستغله معارضو الاتفاق بالتشكيك في التزام إيران، والقول إنه لا يوجد ما يضمن التزامها بالاتفاق بعد رفع الحصار عنها، ولا توجد آلية واضحة لإعادة فرض الحصار فوراً عليها.

ثانياً، تقول إدارة أوباما إنها تعوّل كثيراً على المعلومات التي ستكشفها إيران في بداية توقيع الاتفاق عن برنامجها النووي؛ وهي معلومات ثمينة يمكن الاعتماد عليها لاحقاً في تحديد خطة الرقابة والتفتيش، ولكن مع الاعتراف بأهمية ما ستكشفه إيران، إلا أنه لا توجد آلية يمكن عبرها التوصل إلى ما لم تكشفه أو ما قد تتعمد إيران ألا تكشفه.

ثالث هذه النقاط، أن إدارة أوباما تعتقد أن هذه الصفقة ستوقف إيران عن إنتاج البلوتونيوم، لأن الاتفاق يتضمن تفكيك مفاعلها في أراك، ونقل الوقود الموجود في هذا المرفق إلى خارج إيران، ولكن الرئيس الأميركي لم يوضح الكميات التي سيتم نقلها، ولا الضمانات على إتمام العملية بالكامل.

كما تقول إدارة أوباما إن من مزايا الاتفاق أن إيران وافقت على وقف تخصيب اليورانيوم خلال العشر سنوات المقبلة، ولم يحدد ماذا سيحدث بعد ذلك. وتنظر إدارة أوباما إلى أن موافقة إيران على الكشف عن الغالبية العظمى من مخزونها من اليورانيوم المخصب، مكسب كبير، ولكن لا يتم التوضيح لماذا الغالبية العظمى، وليس كامل اليورانيوم المخصب مثلما تجاهل تحديد مصير المنتج حتى الآن، وأين سيذهب.

اقرأ أيضاً: النووي الإيراني: مفاوضات شاقة مهدت للاتفاق

كذلك يقول أوباما: إنْ وافقت إيران على عمليات التفتيش سيكون مفاجأة، بل الأقوى من نوعها في التاريخ البشري، فضلاً عن نظام شفافية أقوى من أي وقت مضى لأي برنامج نووي في التاريخ، مشيراً إلى أن المفتشين الدوليين سيتمكنون من الوصول ليس فقط للمنشآت النووية الإيرانية، ولكن لكامل سلسلة الإنتاج التي تدعم برنامج إيران النووي، من مصانع اليورانيوم التي توفر المواد الخام، إلى مرافق الإنتاج والتخزين والطرد المركزي التي تدعم البرنامج. ولكن أوباما لم يوضح كيف يمكن للمفتشين أن يصلوا إلى أماكن الإنتاج السرية.

كما يؤكد الرئيس الأميركي أن إيران إذا حاولت خداع العالم فإن العالم سوف يكتشف خداعها، ولكنه لم يوضح كيف يمكن أن يتم ذلك.

ومن النقاط اللافتة كذلك، أن الاتفاق على الإطار لا يعني نجاح المفاوضات، إذ إن أوباما نفسه يكرر أن الاتفاق النهائي إذا لم يضمن آليات للتفتيش والتحقق تلبي المواصفات التي يقرها الخبراء الأميركيون، فإن الاتفاق لن يتم توقيعه، فإذا كان الاتفاق الإطاري قد أغفل محاور هامة تتعلق بالتفتيش والتحقق، فكيف يمكن اعتباره إطاراً؟

كما يحاول أوباما وإدارته الفصل بين العقوبات المتعلقة ببرنامج إيران النووي والعقوبات الأخرى عليها، على خلفية دعمها الإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبرنامجها الصاروخي، قائلاً إنها ستنفذ بالكامل. ولكن السؤال المطروح هل يمكن لإيران أن ترضى بذلك، وهل يمكن تطبيق ذلك عملياً برفع عقوبات عن جانب ما وفرضها على جوانب أخرى؟ وما الفائدة من العقوبات الجزئية؟

ويُلاحظ أيضاً تفاخر إدارة أوباما بالمرونة التي يتضمنها إطار الاتفاق في ما يتعلق ببقاء العقوبات الأميركية، ولكن مع رفع العقوبات الدولية، فماذا ستكون الجدوى من عقوبات أميركية منفردة تستطيع إيران أن تعوّض تأثيرها بالتعامل مع دول صناعية أخرى؟

وفي الوقت الذي يستطيع فيه الرئيس الأميركي أن يفرض الاتفاق خلال ما تبقى له من زمن في فترة رئاسته، فإن مجيء رئيس آخر قد يقلب الأمور رأساً على عقب، وتعود مشاعر العداء مع إيران إلى ما كانت عليه في السابق، ولكن بعد أن تكون طهران قد التقطت أنفاسها بتخفيف الحصار عليها.

ويعتقد العديد من المعلقين السياسيين الأميركيين، أن أوباما أدخل نفسه في مغامرة سياسية قد يدفع ثمناً باهظاً لها، لأنه يواجه معارضة شديدة من حلفاء أقوياء، ومن الجمهوريين الذين يهيمنون على الكونغرس الأميركي. في حين يقول المؤيدون للاتفاق إن أقوى المعارضين له هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن خيارات نتنياهو وأنصاره في واشنطن محدودة جداً؛ والدليل على ذلك أنه لم يعد يطالب بإلغاء الاتفاق بل بتحسين شروطه فقط. يُشار إلى أن جميع العقوبات ستبقى سارية على إيران حتى توقيع الاتفاق النهائي.

المساهمون