استبق الرئيس الأميركي باراك أوباما، بدء ولاية النواب والشيوخ الجمهوريين الجدد، في مطلع يناير/كانون الثاني المقبل، فبادر إلى رفع سوط المراسيم الرئاسية في قضية داخلية، تتعلّق بملف الهجرة المعقّد، على أمل أن يتيح له خفض هذا السوط لاحقاً، عبر الحصول على تنازلات من المشرّعين في قضية خارجية أكثر تعقيداً تتعلق بملف العقوبات على إيران.
وبدأ أوباما معركته مع الكونغرس، في موازاة المفاوضات مع إيران، مستخدماً سلاح المهاجرين، المخيف بالنسبة إلى الجمهوريين، بينما كان متأنياً، في موضوع إصدار مراسيم رئاسية، سبق أن هدد بها. وللتوضيح فإن أوباما لم يُصدر مرسوماً رئاسياً، أو مرسوماً يتضمن إصلاح قوانين الهجرة في بلاده، أو حتى العفو عن خمسة ملايين مهاجر غير شرعي.
وربما نجم التضارب في الحديث عن الخطوات التي اتخذها أوباما، عن خلط بعض وكالات الأنباء أو وسائل الإعلام التي نقلت عنها، بما فيها قنوات وصحف أميركية بين مصطلحين متشابهين لفظياً، ولكنهما مختلفان في المدلول القانوني في النظام الأميركي، وهما "الإجراء التنفيذي" و"المرسوم التنفيذي"، أو الأمر التنفيذي (القرار).
فالأول هو مجرد إجراء، وبصيغة الجمع "إجراءات" أو "خطوات تنفيذية"، أما المصطلح الثاني فهو أمر، بمعنى "قرار رئاسي" أو "مرسوم". وكلاهما، أي "الإجراء" و"المرسوم"، يندرجان ضمن صلاحيات الرئيس بقوة الدستور.
ويُعدّ "الاجراء"، من ضمن صلاحيات الرئيس التنفيذية، في إطار رئاسته للسلطة التنفيذية، ويتمّ اتخاذه عن طريق من يفوّضهم الرئيس، بما لا يتعارض مع القوانين السائدة، أو على الأقلّ في ظلّ ظروف معينة، تغيب خلالها نصوص قانونية واضحة تُفصّل ما يجب أن يتم اتخاذه من إجراءات.
أما "الأمر الرئاسي التنفيذي"، أو ما يُطلق عليه أحياناً "المرسوم الرئاسي"، فهو من صلاحيات الرئيس التشريعية، لا التنفيذية، ويملك قوة القانون بحكم نصوص الدستور الأميركي، إلى أن يعطّله رئيس لاحق، أو يُبطله الكونغرس. وعلى الرغم من أن الدستور الأميركي يفصل بين السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، فإنه يتضمّن نوعاً من الرقابة المتبادلة.
يمنح الدستور الرئيس بعض الصلاحيات التشريعية، من بينها إصدار القوانين، كما أن بعض ما يسنّه الكونغرس من تشريعات، لا تيصبح نافذاً، إلا بعد أن يصدره الرئيس، وإذا رفض التوقيع على أي تشريع صادر عن الكونغرس، فإنه يكون قد استخدم حق النقض (الفيتو)، الذي يسمح بأن يكون للرئيس قوة ونفوذ على السلطة التشريعية. أما إذا أصدر الرئيس مرسوماً رئاسياً له قوة القانون، فإنه لن يُصبح نافذاً إلا بموافقة مجلس الشيوخ، الذي يملك صلاحيات رقابية على السلطة التنفيذية، وأهمها المصادقة على التعيينات التي يصدرها الرئيس.
وفيما يتعلق بالقضية الجدلية الداخلية في الولايات المتحدة حالياً، موضوع الهجرة، فقد لوحظ أن البيانات والايضاحات الصادرة عن البيت الأبيض، في هذا الصدد، وما أدلى به أوباما من تصريحات، أظهرت الحرص على استخدام مصطلح "إجراءات تنفيذية"، وعدم استخدام مصطلح "قرارات تنفيذية". غير أنه ليس مستبعداً أن يتم تصعيد الحرب القانونية لاحقاً عبر إصدار مراسيم رئاسية، تثير غضب الكونغرس سواء في قضية الهجرة أو في غيرها.
كما أن بعض الوسائل الإعلامية تخطئ في تفسيرها سبب لجوء أوباما إلى ملف الهجرة وسلاح المهاجرين حالياً، بالقول إن "الحزب الديمقراطي فقد الأغلبية في مجلس الشيوخ، ويريد أن يعوّض ذلك بقرارات رئاسية". مع العلم أن ولاية المجلس السابق لم تنتهِ بعد، وما زال قادراً على ممارسة الصلاحيات الكاملة حتى يناير/ كانون الثاني المقبل، ولكن معظم القوانين التي يريدها أوباما، يُفترض أن تناقش في مجلس النواب، الذي كان يهيمن عليه الجمهوريون منذ ما قبل الانتخابات النصفية، التي عزّزت هيمنة قائمة أصلاً وليست جديدة، وبسببها تعثرت مناقشة الكثير من القوانين التي اقترحتها إدارة أوباما.
في كل الأحوال يريد أوباما، مواصلة المسار التفاوضي مع ايران، ولا يريد من الكونغرس أن يفسد عليه خطته، بإصدار قوانين تفرض عقوبات جديدة على طهران، قد تضطره لاستخدام حق النقض ضدها. أما إذا ما تم التوصل إلى اتفاق وقرر الجانبان الإعلان عنه، فإن أوباما يحتاج إلى أن يقايض زعماء الحزب الجمهوري في الكونغرس، بقضية ذات وزن، من أجل القيام بتنازلات متبادلة، عبر رفع العقوبات على ايران في مقابل إبقاء العقوبات على المهاجرين، وهو الأمر الذي قد يعارضه الجمهوريون بشدة، إن لم يُرضهم محتوى ما يتم التوصل إليه في الاتفاق مع ايران، أو لم يرض إسرائيل.
كما ان لأوباما هدفاً استراتيجياً محتملاً، ومتوسط المدى، من أجل كسب ود المهاجرين، وتحقيق مكاسب انتخابية للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية 2016، وتوجيه ضربة قاسية للجمهوريين. فقد أضحى المهاجرون فئة ناخبة مؤثرة، سيستفيد الحزب الديمقراطي من أغرادها ومن أنسبائهم وأقرانهم المجنسين، في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية أو محلية مقبلة.
أما على المدى الطويل، فإن أي مهاجر يحصل على الإقامة الشرعية في الولايات المتحدة، هو في كل الأحوال ناخب محتمل في المستقبل، وعند حصوله على الجنسية فإن تصويته، على الأرجح، سيصبّ في صالح الحزب الديمقراطي الذي سهّل له الحصول على الشرعية. ولهذا يخشى الحزب الجمهوري تغيير موازين القوى الانتخابية عن طريق تجنيس ملايين المهاجرين، بل إن الجمهوريين يعارضون منحهم الشرعية، على الرغم من الحاجة الملحة لهم، وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة بالذات "دولة مهاجرين"، ورئيسها ينحدر من سلالة أب مهاجر.